مجد جابر
عمان- “لما يحكو الكبار انت اسكت”.. “من ايمتى الك رأي”.. “مفكر حالك بتفهم”، “هاد الي ضايل علينا تعطي رأيك”.. “ما بدي أسمع صوتك”.. تلك بعض من عبارات يقوم بعض الأهالي باطلاقها على مسامع الأبناء، حينما يقرر أحدهم المشاركة برأيه في موضوع ما، أو ابداء اعتراض، أو التدخل بالحوار، خصوصاً اذا كان الأصغر سنا.
كثير من الأهل يجدون أن الابن الأصغر حتى وإن أصبح شابا تنقصه الخبرة، ويحاولوا مناكفته بالتقليل من شأنه ومما يتحدث به، وكأنه غير مؤهل للمشاركة او ابداء رأيه بأمر ما، إذ فور مشاركته بأي حديث، ينهالوا عليه بهذه الكلمات التي تترك أثرها النفسي الكبير فيه، وترافقه هذه المشاعر لمراحل متقدمة.
لايدرك الأهل مدى تأثير هذه الكلمات بالأبناء في حياتهم المستقبلية التي قد تجعلهم مهما حققوا من انجازات خارج البيت، يجدوا أنفسهم وكأنهم غير مؤهلين ولا يستحقوا ذلك بسبب آثار كلمات الأهل عليهم، ويحاولوا طوال الوقت اثبات أنفسهم من أجل تبديد هذه النظرية التي رافقتهم منذ الصغر.
اختصاصيون يؤكدون أن الأسرة هي الداعم الاول والرئيسي في حياة أي شخص منذ الطفولة، ولابد أن يحظى كل ابن بنمو متكامل وطبيعي من كل الجوانب النفسية والاجتماعية، وأن يحصل على حقه كاملا في الرعاية، والأصل في أي أسرة أن تنمي كل الجوانب عند الابن وبطريقة ايجابية كون ذلك سيستمر معه طوال حياته ويؤثر فيه.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي التربوي الدكتور عايش النوايسة، الى أن هذا الموضوع يتعلق بالنمو الانفعالي للطفل، ولابد أن “نسمح له بنمو متكامل من كل الجوانب النفسية والاجتماعية ونهيئ له البيئة الملائمة”، بالتالي فإن أي انعكاسات واسقاطات على هذا النمو سلبية من الطبيعي أن تنعكس على شخصية الطفل والنمو الطبيعي له.
لذلك، لابد دائما من اعطاء الابن فرصة أن يعبر عن رأيه دائما، واذا شارك بفكرة ان نعطيه حقه واذا كانت الفكرة بحاجة الى تعديل أن تكون بطريقة ايجابية وبأسلوب جيد باخباره أن فكرتك مهمة لكنها بحاجة الى بعض التعديلات لتصبح أفضل، مبيناً ليس دائما العمر والخبرة دليل على الوعي بكل الأمور، فنحن الآن “نتعامل مع جيل واع ومضطلع ولديه مشاهدات وآراء”.
لذلك الاصل في النمو السليم إعطاء الابن الحرية في التعبير عن أفكاره بالطريقة التي يريدها وضمن الضوابط الأسرية، لافتا الى ان الطفل لديه رغبات وحاجات تختلف عن الموجودة عند الأهل وعند الجيل الأكبر منه، لذلك لابد من توفير الأجواء المناسبة له حتى ينمو بفكره ولا تتأثر نفسيته أو تتراجع.
ويعد النوايسة أن أي انعكاسات والفاظ تصدر من الاهل تجاه هذه الافكار سوف تؤثر في الابن سلبا طوال حياته حتى على مواقفه المستقبلية التي سيتعرض لها وتجاربه اللاحقة، لذلك لابد أن نوفر له بيئة ايجابية يعبر فيها عن معتقداته واهتماماته واحتياجاته وأن تكون العائلة داعمة له وليس العكس، فقد يستهين الأهل بالكلمات التي يقولونها الابن من دون معرفة حجم الأثر الذي تتركه هذه الكلمات على المدى القريب والبعيد.
الاختصاصي الاجتماعي الدكتور محمد جريبييع، يرى أن “ثقافتنا المجتمعية مهما كبر الابن فيها وأصبح بموقع مهم يبقى بنظر الأهل انه الابن الصغير فهي جزء من الثقافة النابعة من الاهتمام والخوف على الطفل مهما كبر خصوصا “آخر العنقود”، لذلك يتعامل الآباء معه على هذا الأساس.
ويشير جريبييع الى أن هذه التصرفات تصدر غالبا من الأب والأم الذين يعتقدون أن ابنهم ما يزال صغيرا حتى وإن أصبح شابا ولديه وظيفة وبيت وأبناء، ففي عيونهم هو “آخر العنقود”.
وغالبا الطفل الصغير هو المدلل الذي يحتاج الى رعاية واهتمام ما يجعل الاهل والاخوة الكبار يتعاملون معه بهذه الطريقة، وقد يستمر ذلك لمراحل طويلة.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، الى أن الجوانب التربوية في هذا الموضوع تحديدا تعود للأسرة والأصل فيها أن تنمي شخصية الأفراد وتعطيهم الحافزية والدافعية العالية كون الأسرة هي العنصر المساند.
بالتالي، فاذا كان هذا النهج التربوي بعدم الالتفات لما يقوله الابن ولآرائه وطريقة حواره، متبع في الطفولة فذلك شيء له انعكاسات سلبية، مبينا أن العائلة دائما ترى ابنها صغير، لكن عندما يكبر الشخص ويصبح ناضجا فهو قادر على احتواء هذه المشاعر واحتواء اهله، لافتا الى أن كثيرا من العائلات تتعمد قول ذلك امام الاخرين بالتالي فيكون الامر حساسا جدا بالنسبة له.
وتبقى هذه السلوكات وفق مطارنة، “محبطة” للابن، وتقلل من الدافعية لديه وتسبب له حالة من الاكتئاب وقد تخلق لديه مشاعر الحقد والقهر واشكالات واضطرابات نفسية تجعله يبتعد عن اسرته، بحيث يسقط كل ردات هذه الفعل بحالة من العدائية وغياب التقبل والبحث عن اشخاص يؤمنون به اكثر ويتقبلونه كما هو.
ويشير مطارنة الى ان الأسرة دورها مساعد وداعم، واذا حدث العكس فإن له آثارا سيئة على الشخص، خصوصا اذا كانت هذه الكلمات مسلطة على ابن واحد من دون الابناء الآخرين. والعكس كذلك يخلق عند الابن حالة من الايمان بنفسه وتعطيه الثقة التي تولد لديه الابداع والتميز فيما بعد، فأسرته هي الداعم الاساسي له.