عامر خ. مراد- الثرى
من الصعب تحويل جميع الأسس والقواعد التربوية إلى ممارسات وأفعال في عملية التربية التي نطبقها على أولادنا، فيبقى قسما كبيراً منها حبيساً بل مجرد أفكار وقواعد أخلاقية تربوية عاجزة عن التحقق والتحول إلى حقيقة واقعية يستخدمها من يقومون بمهمة التربية.
إن الهدف من هذه المهمة يتمحور حول مدى قدرة الأهل على الحفاظ على مصائر هؤلاء الأطفال وتوجيههم نحو الأسلم والأكثر قدرة على فتح الأبواب أمامهم،
ولكن وللأسف فإن الكثير من الآباء يخالفون بسلوكهم هذه القاعدة التربوية ويبدؤون باللعب بمصائر أولادهم دون وضع هذه المصائر في الحسبان حين يقومون ببعض الأعمال، ومن ذلك ما قام به أحدهم حين انزعج من زوجته في الرقة وطلقها وبعد ذلك و انتقاما منها أخذ أطفاله الأربعة ورماهم في السد دون أن يحسب لقدر هؤلاء الأطفال أي حساب، ودون النظر في كون هؤلاء الأطفال كائنات من حقها العيش ومن الواجب عدم العبث بمصائرهم لمجرد أنهم أطفال وغير قادرون على حماية أنفسهم والدفاع عن المستقبل الذي يبدأ أولا من كيفية تربية الأهل لهم، ومن الأعمال الأخرى التي يقوم بها الأهل هو اصطحاب الأطفال معهم في المخاطر دون حساب أن الطفل غير قادر على حماية نفسه ضد المخاطر، وكيف نفسر اصطحاب الكثير من المهاجرين غير الشرعيين لأبنائهم في هذه الأسفار الخطرة، وما حدث من غرق أربعة أطفال في المياه اليونانية قبل أيام، فماذا سنقول للأهل الذين يرمون بأطفالهم ومصائرهم إلى الجحيم، أليس من الأولى بهؤلاء الأهل الانطلاق من مصلحة هؤلاء الأطفال الحقيقية وهي حياتهم أولا، ومن ثم البحث عن تحسين شروط الحياة التي يبحثون عنها كما يقولون، فما فائدة الشروط الهادفة للسعادة إذا انتهت الحياة ؟
وربما قال قائل إن مستقبل الأطفال يجب أن يرسمه الكبار، ولكن أليس من حق الأطفال أن تكون الخطوات التي ترسم على أساسها أسس المستقبل الذي ينتظرهم، خطوات سليمة قائمة على الحساب الدقيق لربح الأطفال واستفادتهم ومصلحتهم منها ؟ أم أنه يجب وضعهم ووضع مستقبلهم على الرف، أو التصرف به كما نشاء إلى أن يكبروا، دون التخطيط لهذا المستقبل كما يجب أن يكون وبعيدا عن رغباتنا وأمنياتنا الشخصية ودون ربط هذا المستقبل وهذا المصير بنا نحن وبمصائرنا، بل التنازل قليلا لأجلهم لأنهم هم المستقبل ولأننا يجب أن نتقبل كوننا مربين وعلينا التضحية ببعض ما لنا لأجلهم فهذا ما تتطلبه الوظيفة الموكلة إلينا وتتطلبها مقتضيات القيام بها على أكمل وجه، وإلا فسنكون أنانيين غير قابلين لأن نكون آباءا وغير أهل للأمانة التي أودعت إلينا.
إن الطفل غير قادر في هذه المرحلة على التخطيط لنفسه، ولذلك يجب عدم التدخل المباشر في هذا التخطيط وعدم الإصرار على التوجيه كما نريد بل الأولى بنا أن نهيئ الظروف ونعد العدة لعملية اختيار الطفل لمستقبله حين يكبر ويصبح قادرا على الاختيار، إذا فمهمتنا تكمن في تربية الطفل لا ترويضه وعدم جعله آلة شبيهة بنا، وربما يكون هذا صعبا وفيه الكثير من المثالية، ولكن الواجب يفرض على الإنسان أن يحترم هذا الطفل كونه إنسانا مختلفا عنه ولا يجب في أي حال من الأحوال جعله نسخة عن نسخ الماضي، ولذلك وإن كانت الحيادية في التربية صعبة فيجب المحاولة قدر الإمكان الابتعاد عن تعليق مصائرهم بما هو خطر عليهم.
إن محاولة إنشاء مسافة بين الأهل والطفل يؤدي إلى التخلص من الكثير من المشاكل التي تنجم عن تحكم الأهل بكل صغيرة وكبيرة في حياة الطفل، وعدم إفساح المجال له لممارسة بعض الهوايات التي يمكن أن تظهر لديه في سن مبكرة، ورغبات الأهل المغايرة من شأنها أن تقضي على هذه الهوايات وهي في المهد وتخلص هذه المسافة الطفل من الكثير من المشاكل الناتجة عن رغبته في الاستقلالية في بعض الأمور وخاصة في سني المراهقة وما قبلها بقليل والتي قد تشكل السبب لانحراف الطفل أو استقامته حسب تصرف الأهل معه في هذه الفترات. ولكن تبقى القضية الصعبة في هذا الأسلوب في التربية هو عدم قدرة الأهل على ممارسته بسهولة، بسبب من الحب الكبير للأطفال أحيانا، أو بسبب من أنانية بعض الأهل وحبهم للسيطرة أحيانا أخرى، فكيف يمكن للأب أن يترك ابنه الذي يحبه كثيرا أن يقوم ببعض النشاطات التي لا تعجب هذا الوالد، ولكن المهم هو محاولة اكتساب أساليب جديدة في التربية والتأقلم معها من قبل الأهل وتعليمها للأطفال فيما بعد لما لهذه الأساليب المعاصرة من أثر في تخديم الطفل والأهل وبالتالي المجتمع بأسره.

مجلة الثرى- العدد 230 تاريخ 24-4-2010 السنة السادسة

JoomShaper