إيثار العظم
عمان - خدمة قدس برس - يتعرض نحو ربع سكان كوكب الارض لدخان احتراق التبغ بشكل قسري، ليواجهوا بذلك مخاطر عالية للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة، بالرغم من أن الأدلة العلمية تؤكد أن لا مستويات مأمونة للتعرض للدخان الناجم عن احتراق منتجات التبغ، وأنه يسبب الوفاة والمرض والعجز بشكل لا لبس فيه، بحسب منظمة الصحة العالمية.
لا يزال هنالك الكثيرون على هذا الكوكب، ممن يشعرون بالحرج للمطالبة بحقهم في تنفس هواء نظيف، ويترددون بالطلب إلى المدخنين من حولهم بإطفاء سجائرهم التي قد تسلبهم الصحة والعافية، حيث ُتشير تقارير أممية إلى ان نحو مليار ونصف المليار شخص في العالم، نصفهم من الأطفال، يتعرضون لدخان السجائر بشكل قسري.
هبات التدخين القسري .. سموم ومواد مسرطنة
يعرف اختصاصيون التدخين القسري أو ما يعرف بالتدخين الثانوي بأنه التعرض للدخان الصادر عن احتراق طرف السيجارة، أو احتراق أحد منتجات التبغ، والذي يكون ممزوجاً في العادة بالدخان الذي يخرجه المدخنون مع الزفير.
ويحتوي الدخان الصادر عن احتراق التبغ 4 آلاف مادة كيميائية تقريباً، تعتبر 250 منها ضارة بشكل مؤكد.
وفيما يعتبر البعض أن اضطرارهم احياناً لاستنشاق ما يزفره المدخنون من دخان التبغ في بعض البيئات هو أمر مثير للاشمئزاز، وهو ما قد يحدث خلال تواجدهم بشكل قريب من المدخنين، تؤكد تقارير متخصصة أن هذا النوع من أدخنة التبغ ليس الأخطر من الناحية الصحية.
وتشير التقارير إلى أن الدخان الصادرعن سيجارة مشتعلة تستقر فوق منفضة السجائر، أو تتشبث بين أصابع مدخنها حتى - وإن أشاح بها عن وجوه الآخرين- هو الأكثر خطورة، إذ يحوي هذا الدخان الذي يخرج مباشرة من منتج التبغ مواد سامة، لكل وحدة غرام من الجسميات المكونة، وذلك بمقدار يعدل أربع مرات لما هو موجود في الدخان الذي ينفثه المدخن.
ولا يقتصر التعرض لدخان التبغ على فترة تدخين التبغ، فالسموم الموجودة في الدخان تترسب فوق أسطح الأثاث والستائر وأقمشة الملابس، ليشكل ذلك تهديداً جديداً للأفراد الذي يعيشون في بيئة المدخن.
وبحسب مختصين يترسب نحو خمسين نوعاً من السموم المسببة للسرطان على أسطح المواد والأجسام في بيئة التدخين، وهي قد تبقى عالقة عليها مدة تصل إلى اسابيع أو بضعة أشهر في بعض الأحيان.
وفي هذا السياق؛ أشارت دراسة حديثة أعدها مختصون من جامعة "كاليفورينا- بيركلي" الأمريكية إلى أن المواد المكونة للأقمشة وأنسجة الأثاث وورق الجدران تمتلك قابلية عالية لامتصاص الدخان الصادر عن احتراق التبغ.
وأوضحت الدراسة التي نشرتها الدورية الصادرة عن "الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية" أن ثلاث أنواع من مركبات النيتروزامين، والتي تنتج عن تفاعل النايتراس أسيد- وهو من أبرزملوثات الجو- مع النيكوتين، تترسب فوق الأسطح المشابهة لأسطح الأثاث والأقمشة والجدران الخشبية.
كما أكدت النتائج أن أعداد تلك المركبات، والتي يُعرف أنها تحفز نمو الأورام، تزايد بمقدار عشر مرات خلال ثلاث ساعات من التعرض للدخان الناجم عن احتراق التبغ.
عزل المدخن وتهوية الغرف .. إجراءات وقائية زائفة
يؤكد خبراء من منظمة الصحة العالمية أن الأشخاص الذين يسمحون للمدخن بنفث دخان سجائره في بيئتهم، يتعرضون لمستويات خطيرة من سموم تلك الأدخنة، وبمقادير أعلى بكثير من السموم البيئية الأخرى، كالصادرة عن عوادم السيارات.
ويشير الخبراء من المنظمة إلى أن مستويات الملوثات في البيئات الداخلية (المنازل، المكاتب وغيرها) التي يُسمح فيها بالتدخين، ترتفع عن المستويات الموجودة على طريق يزدحم بالمركبات، أو في مرآب مغلق لتصليح السيارات.
وتدحض تقارير للمنظمة الادعاءت حول إمكانية تحقيق الوقاية التامة من مخاطر التعرض لأدخنة التبغ عن طريق تخصيص غرف خاصة للتدخين أو تهوية الغرف، فهي تؤكد أن ذلك لا يحول دون تعرض الآخرين لمخاطر صحية، وإن كان ذلك يمكن أن يقلل من درجة التعرض في بعض الأحيان.
وطبقاً لمختصين من المنظمة؛ لا يمنع فتح النوافد واستخدام المراوح وفلاتر (مرشحات) الهواء من تراكم سموم أدخنة التبغ في الغرفة لفترات قد تمتد طويلاً، بل إن الفلاتر قد تشكل مصدراً لتلك السموم المترسبة عليها، وهي قد تبعث بها من جديد نحو أجواء الغرفة.
كما أن إغلاق الأبواب وعزل المدخنين في غرف خاصة عند قيامهم بتدخين التبغ، لا يمنع من وصول سموم تلك الأدخنة إلى الآخرين في المبنى نفسه، بحسب هؤلاء.
فيما يرى خبراء من جمعية الأمريكية لمهندسي لتدفئة والتبريد والتكييف أنه لا يمكن الاعتماد على تقنيات التهوية للسيطرة على المخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين القسري، لذا فإن وضع تشريعات تمنع التدخين بشكل تام لتحقيق بيئة خالية من التدخين، يشكل الوسيلة الأنجع لمنع تعرض الأفراد لتلك المخاطر، بحسب رأيهم.
التدخين في المنزل .. استهداف لحاضر الأطفال ومستقبلهم
أشارت الدراسات الحديثة إلى العديد من المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بتعرض الطفل لدخان السجائر، حتى بالنسبة لمستويات التعرض المنخفضة، ومن أبرزها؛ موت الرضيع المفاجىء، الالتهابات التنفسية (مثل الربو، الالتهاب الرئوي، التهابات القصبات، التهاب الشعب التنفسية)، التهاب الأذن الوسطى والاختلالات القلبية الوعائية.
وطبقاً لبحث أجري على متطوعين من مختلف الدول، كان يعيش كل منهم مع مدخن واحد على الأقل؛ تم الكشف عن وجود النيكوتين في عينات الشعر عند 78 في المائة من الأطفال والنساء الذين يعيشون مع مدخن في المنزل.
وربط البحث بين ارتفاع تركيز النيكوتين في الشعر من جهة، وزيادة مستويات النيكوتين في المنزل.
كما أشار إلى أن تركيز النيكوتين في الشعر ارتفع بشكل أوضح عند الأطفال، خصوصاً من تقل أعمارهم عن الخامسة.
وتقدر تقارير أممية عدد الأطفال الذين يتعرضون لدخان السجائر قسراً في منازلهم بنحو 700 مليون طفل، وهو يعادل نحو 40 في المائة من الأطفال في العالم، إلا أن تلك النسبة ترتفع إلى النصف عند الأطفال من الفئة العمرية ما بين 13-15 عاماً، الأمر الذي يزيد من احتمالية لجوء هؤلاء الصغار إلى التدخين بمقدار يتراوح ما بين 1.5 -2 مرة، مقارنة مع أقرانهم الذين لا يتعرضون لدخان التبغ.
كما تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن أحد الوالدين هو من المدخنين عند 43 في المائة من الأطفال في العالم، أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تؤكد دراسة متخصصة أن 39 في المائة من المنازل تحوي مدخناً واحداً على الأقل.
ويرى اختصاصيون أن العيش مع شخص مدخن يعرض الطفل لمخاطر متعددة و بطرق مختلفة ؛ فهو يتعرض لاستنشاق سموم دخان التبغ وما يرافق ذلك من مخاطر صحية.
وهو كذلك يتعرض لسموم دخان التبغ العالق على سطوح الأثاث والفراش وألعابه في بعض الأحيان، بالإضافة إلى ما قد يعلق على ملابس الوالدين، وخصوصاً الأمهات اللواتي يقمن بحمل الأطفال والرضع لفترات أطول.
كما يُشكل تواجد شخص مدخن في البيئة المحيطة بالطفل عامل خطورة لاكتساب الطفل عادة التدخين بمرور الوقت.
أما بالنسبة للأجنة فإن تعرضهم لدخان التبغ خلال مراحل الحمل المختلفة، قد يهدد بحرمانهم من النمو والتطور بشكل طبيعي، ويزيد من احتمالية ولادتهم بوزن منخفض يجر عليهم المشكلات الصحية لاحقاً.
من ناحية أخرى؛ يرى خبراء أن آثار التعرض للتدخين القسري عند الأطفال لا تقتصر على مرحلة الطفولة، إذ أن التعرض المبكر لسموم دخان التبغ قد يحرمهم من الحياة الطبيعية كافراد بالغين،؛ حيث أفادت دراسات متخصصة أن تعرض الأطفال لدخان السجائر قد يتسبب بإصابتهم بالأمراض الرئوية الانسدادية المزمنة والأورام السرطانية عندما يصبحوا من البالغين.
كما أظهرت دراسات وجود تأثيرات سلبية محتملة للتعرض لدخان التبغ على النمو العقلي عند الأطفال، مشيرة إلى أن مستويات بسيطة من التعرض قد تترافق وخلل في بعض مهارات التعلم عند الطفل مثل مهارات القراءة، ما قد يؤثر سلباً على تطوره وحصوله على فرص تعلم مكافئة لما هو متاح لبقية الأطفال.