محمد أحمد عزوز

رغم صغر سنه، الذي لم يتجاوز العاشرة، إلا أنني كنت دائماً أراه وعلى وجهه هم وحزن يشيب من هولهما الولدان، إذ كان يخرج من المنزل في السابعة صباحاً ليأتي بالإفطار، وفي حدود العاشرة صباحاً لإحضار متطلبات الغداء، وكذا أدوات الغسيل إن طلب منه.
كان هذا الطفل دائماً ما يمشي مسرعاً خوفاً من العقاب، أو سوء العذاب الذي يلقاه من زوجة أبيه، إذا تأخر في إحضار المتطلبات، حتى أنني ظننت أنه يعمل خادماً.
وعندما سألته: لماذا تعمل خادماً رغم حداثة سنك، وهل أنت يتيم؟ فبكى الطفل، وقال: أنا لست بيتيم ولا خادم، بل إنني ابن للأستاذ (.....)، وهذه المرأة التي تراها دائماً تجلس خلف باب المنزل تدخن السجائر هي زوجة أبي، وأنا أقوم بأعمال المنزل كاملة من تنظيف وطهي وغسيل، وهي لا تفعل شيئاً إلا الجلوس خلف باب المنزل لتدخن وتنظر إلى عابري الطريق. فسألته إن كانت مريضة، ولا تقدر على أعمال المنزل؟ فرد بحرقة: بل هي مثل الحصان، بها صحة تهد جبل. فقلت له: تقوم بخدمتها ومع ذلك تعاملك معاملة سيئة؟ قال: نعم، لأن والدي فرضني عليها، بعد أن انتزعني من أمي بالقوة.
فسألته بحرقة: هل أمك مطلقة؟ قال: نعم، فقلت له: ولماذا لم تخبر والدك بهذا الأمر؟ فقال: هو يعلم هذا يقيناً، ورآها أكثر من مرة، ولا يقدر أن يمنعها، حتى أنها تعودت على إهانتي أمامه.
فكدت أن أبكي من شدة المأساة التي تحدث مع هذا الطفل البريء، الذي لم يرتكب إثماً في حياته حتى يعامل هذه المعاملة القاسية، في الوقت الذي من المفترض أن يكون مع أقرانه في المدارس، أو يلعب ويلهو في الشارع.
فيا أيها الزوج، الذي يعاني من المشاكل مع زوجته، اتق الله في أولادك، ولا تلجأ للطلاق، مهما كانت الأسباب، فإنه أبغض الحلال عند الله، ودائماً ما يعود شره على أبنائك، وإذا كان لابد منه، فاهجر زوجتك أو تزوج عليها، واتركها لتربي أبناءها، لأنه لن يحافظ عليهم أحد غيرها، ولا تلجأ للطلاق، لأن عاقبته وخيمة وشره أكثر من نفعه.
ويا أيتها الزوجة، التي رضيت أن تكون أمّاً لأبناء زوجها، اتقي الله فيهم، فهؤلاء الأطفال لم يرتكبوا إثماً في حقك، وأنت التي رضيت أن تكوني أمّاً ثانية لهم، فحافظي عليهم قدر استطاعتك، لأنهم أمانة في عنقك، وستسألين عنهم في يوم لا ينفع الندم. وستجدين ثمرة هذه المعاملة الحسنة في الدنيا قبل الآخرة، فأي حسنة تفعلينها معهم أو سيئة ترتكبينها في حقهم، ستطبع على صفحات قلوبهم، ولن تمحى بمرور الزمن، فإن كانت خيراً فستجنين منهم خيراً، وإن كان غير ذلك، فلا تلومي إلا نفسك.
وهذه صورة فردية، ولا أعتبرها عامة لزوجة الأب، فهناك زوجات أب مثاليات، يتقين الله في أبناء أزواجهن، ويعاملونهن كأبنائهن، فلهن منا كل الحب والتقدير.

 

دنيا الوطن

JoomShaper