سيدتي - ميسون عبد الرحيم

تواجه الكثير من الأمهات مشكلة مهمة ومزعجة؛ وهي مشكلة تحدث في معظم البيوت، حيث يظهر العراك والشجار بين الأطفال ويسمع الجيران صوت الصراخ والبكاء باستمرار، وقد يسمع الجيران أيضاً أصوات الأطفال وهم يتلفظون بألفاظ سيئة ومشينة بحق بعضهم؛ تعبّر عن كرههم لبعضهم البعض وعدم وجود المحبة والاحترام بينهم، ومما يزعج الأم أنها تبحث دائماً عن حلول لهذه المشكلة، ولا تعرف أنها قد تأخرت كثيراً؛ لأن غرس المحبة بين أطفالها يجب أن يكون في سن مبكرة جداً.

يجب على الأم والأب أن يهتما بغرس المحبة بين الأبناء، وأن يحرصا على اتباع عدة قواعد؛ لكي يصبح الأبناء متحابين ومتعاونين ومتماسكين، ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك"، وفي حديث خاص بها، بالمرشد التربوي عارف عبد الله، حيث أشار إلى كيف تغرسين أواصر المحبة والألفة بين أطفالك في سن مبكرة وتقليل الشجار بينهم، حيث إنه يجب على الأم أن تعزز مفهوم الأسرة لديهم بعدة طرق، ومنها حثهم على اللعب الجماعي، والعدل بينهم، وغيرهما من الطرق في الآتي:

العدل بين الأبناء

اهتمي وراعي أن تكوني عادلة بين الأبناء؛ لأنهم في مرحلة مبكرة من عمرهم يكونون شديدي الحساسية ويتحلون بدقة الملاحظة، وبالتالي فهم يلاحظون الابتسامة والحضن والكلمة، ويجب أن تقومي بتوزيع هذه السلوكيات للتعبير عن الحب بينهم بالعدل والمساواة؛ لأن الطفل مهما كان صغيراً فهو يستطيع أن يلاحظ ويكون على درجة كبيرة من الحساسية المفرطة التي تجعله يحصي ويعدّ كم مرة قمتِ بتقبيل وجنة شقيقه، وأنكِ قد طبعتِ أقل منها على وجنته، كما أنه يعدّ كم مرة قمتِ باحتضانه، وأنه حين ينام طفلك لا تقومين بالنظر نحوه وتنظرين نحو شقيقه، وهكذا، ورغم أن هذه تصرفات قد تجدينها عفوية بالنسبة لكِ، ولكنها تعني الكثير بالنسبة له، ولذلك فيجب أن تكوني حريصة وتعرفين أنه دقيق الملاحظة، وقد تفعلين ذلك استجابة لوصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي حثنا على العدل بين الأبناء، حتى عند التربيت على رؤوسهم.

عدم المقارنة بين الأبناء

أم متذمرة من طفلها

توقفي عن المقارنة بين أبنائك بكل الطرق والسبل التي قد تستخدمها الأمهات، وتعد من الطرق الفاشلة، والتي تؤدي لظهور مظاهر الغيرة والحقد والكراهية بين الأبناء، فمثلاً لا تقارني بين البنت والولد، خاصة لو كان لديك عدة أولاد وبنت واحدة، فتقولين لهم "ليتني أنجبت أربع بنات"، مثلما تفعل بعض الأمهات، وقد تفرّق الأم بين البنت والولد، حيث تعتقد أن البنت ضعيفة ومسالمة ورقيقة، وهي بحاجة للحب والحنان أكثر من الولد الذي سوف يصبح رجلاً قوياً حين يكبر، ولكن يجب أن تعرفي أن التفريق في المعاملة والمقارنة بين الأبناء يخلق بينهم الحقد والكراهية منذ طفولتهم، وسوف يكبرون وهم يشعرون بالظلم. أما الطفل الذي تربى على أن يحصل على حقوق ورعاية أكثر؛ فسوف يصبح أنانياً ومتكبراً ومتعالياً، وكل هذه النتائج تعد من السلوكيات غير المحمودة، ولا يمكن أن تنشئ إنساناً قويماً وذا شخصية سوية، وسوف تلاحظين أن العداء يستفحل بين أطفالك بالتدريج، ويبقى معهم طيلة حياتهم، وتنسين أن أكبر هدية قد تقدمينها لهم هي زرع الحب بينهم.

تكليف الأبناء بمهام مكملة لبعضها البعض

أطفال يساعدون الأم في المطبخ

قومي بتكليف الأطفال جميعاً بمهمة واحدة، بحيث تكون هذه المهمة مكونة من عدة خطوات يكمل بعضها البعض، وبحيث يقوم الطفل الأول بخطوة يتبعها الطفل الثاني بالخطوة الثانية، وفي النهاية لا يمكن فصل أي جزء عن الآخر، وبذلك يشعر الأطفال بأهمية أن يكونوا يداً واحدة؛ لأن غياب أحدهم يعني عدم اكتمال العمل، ويمكن مثلاً أن تصطحب الأم أطفالها إلى المطبخ لإعداد كعكة، وبذلك تكون مهمة كل واحد محددة، فأحدهم يخفق البيض، والثاني ينخل الدقيق، والثالث يعصر البرتقال، وهكذا، حتى يتم تجهيز الأدوات، ويمكن أن تقسّمي عليهم ترتيب غرفة من غرف البيت، فأحدهم يرتب الأريكة والوسائد، والثاني ينظف الشبابيك والستائر، والثالث ينظف الطاولات، وهكذا يكتمل تنظيف غرفة واحدة، ولا يمكن أن يكتمل بغياب أحدهم.

حثهم على تنفيذ الألعاب والأنشطة الجماعية

حثي أطفالك على تنفيذ نشاط جماعي أو اللعب لعبة جماعية، ويكون ذلك عن طريق أن يكون الأطفال جميعاً -مهما كان عددهم حتى لو كانوا طفلين فقط- فريقاً واحداً، وأن تكوني أنتِ والأب فريقاً ثانياً، وتبدئين بتنفيذ نشاط معين، بحيث يكون الأولاد جميعاً يعملون بروح الفريق، ويتعاونون معاً؛ حرصاً على الفوز، ومن الممكن تنفيذ نشاط معين، مثل تنظيف جزء من الحديقة المنزلية، وحساب الوقت الأسرع في إنجاز العمل، وبالتالي فالأولاد سوف يشعرون بقيمة التعاون والتنسيق فيما بينهم، وبأنهم حين يكونون متحابين ومتعاونين؛ سوف ينجزون ويتفوقون، وسوف يتم تطبيق ذلك على أمور كثيرة في الحياة لاحقاً.

راعي عدم تقسيم الأطفال أنفسهم إلى فريقين في سن مبكرة، خاصة لو كانوا يتشاجرون باستمرار؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤجج مشاعر الكراهية بينهم، وتزيد مشاكل التفرقة، بل يجب أن يكونوا فريقاً واحداً، ومن الممكن أن تكوّني فريقاً من أطفالك وفريقاً من أطفال الأقارب، في حال انشغالك مع الأب، وامتنعي أيضاً عن تقسيم الأطفال إلى فريقين للبنات والأولاد؛ لأن ذلك سوف يؤجج النظرة الذكورية بينهم.

القدوة من الوالدين

راعي أن تكوني أنتِ وزوجك قدوة لأطفالك، وذلك بأن تكون سمة الحياة العائلية قائمة على التفاهم والحب والألفة وتنحية أي مشكلة بعيداً عن مرأى ومسمع الأولاد، ويجب أن تكون الأم قدوة بتعاملها مع أطفالها أولاً؛ لأن الأم حين تعامل الأطفال بحب واحترام؛ سوف ينعكس ذلك على تعاملهم مع بعضهم البعض، وكذلك حين تراعين مشاعرهم وخصوصياتهم، فمثلاً لو أضاع طفلها لعبته المفضلة، فيجب أن تهتم ويقوم الجميع بالبحث عنها؛ لأنها شيء يخص الطفل ويسعده، ولا أحد يعرف أهمية الألعاب غير الطفل، فيجب عدم إهمال مشاعره، وبالنسبة لعلاقتك مع الآخرين؛ يجب أن تهتمي بأن تكوني متحابة مع الوسط المحيط بك، والبعد عن الغيبة والنميمة، وغيرها من السلوكيات السلبية التي يرثها الأطفال من الآباء.

شعور الطفل بقيمة الأسرة

تحدثي مع أطفالك طويلاً عن أهمية الأسرة وترابطها وتماسكها، وأهمية أن يكون الأولاد مع الوالدين وحدة واحدة متماسكة، وأن الرهان الذي لا يخسر هو الرهان على العائلة، بحيث إن الإنسان مهما واجه من مصاعب ومشاكل في حياته، فسنده الأول والأخير هو عائلته، ومهما شعر الطفل بأنهم قد يعاملونه بقسوة؛ فهذا من باب حرصهم وخوفهم عليه، ولا يمكن أن يكون الطفل ناجحاً في حياته بدون دعمهم ومساندتهم، وشعور الطفل بدور العائلة في حياته في وقت مبكر؛ يجعل انتماءه لها كبيراً وقوياً، ويجعله حريصاً على النجاح والتفوق؛ من أجل أن يُدخل السعادة على قلوبهم، كما أنه يسعد ويفرح بكل نجاح يحققه أي فرد من أفراد العائلة، وكل هذه المفاهيم والسلوكيات؛ تلعب الأم دوراً كبيراً في تعزيزها بين أطفالها مبكراً، ويكفي أن تقولي له كلمة أخيك أو أختك؛ لكي يشعر بقرب الصلة بينهما، وحثه على أن يشفق ويعطف على الصغير، ويهتم بالمريض، ويحترم الكبير من إخوته.

JoomShaper