ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
تسع سنوات ونصف السنة على غزو الولايات المتحدة وحلفائها لأفغانستان. الجنود الأمريكان والأوربيون (بينهم الجنود البريطانيين الأكثر تأثراً) ضحّوا بحياتهم من أجل: لُعب سياسية، مصالح دولية، استشراء الفساد المحلي، والفشل الستراتيجي.. في حين أن العداد غير القابل للتوقف يلاحق كل جندي لحتفه. في الحقيقة، معلومات قليلة متاحة بشأن القتلى المدنيين، الأمر الذي يُشير إلى وجود اعتراف صامت، في هذه الحرب، بالنظرة المختلفة لقيمة دم الإنسان بين المدني وغير المدني.
بدأت الحرب في أفغانستان في سياق هدفين رئيسين مُعلَنين: الأكثر أهمية للولايات المتحدة التي أُصيبت بجرج عميق وإذلال شديد، هو إلقاء القبض على "العدو" رقم واحد (الشبح الأمريكي) أسامة بن لادن.. الثاني تحرير المرأة الأفغانية من الاضطهاد البربري لنظام القرون الوسطى للطالبان. لم يتحقق أي من الهدفين. في الواقع، وفي بلد غني بالثروة المعدنية (والموقع الستراتيجي)، كان الهدف الحقيقي يحمل معه احتمال الكثير من سفك الدماء. بُنيت هذه لتكون حرباً سهلة ضد جيش ديني (عقائدي) من العالم الثالث ولتتحول إلى فوضى، وبالنسبة لمن يعرف التاريخ فالحصيلة لم تكن مُدهشة..
فيما عدا جميع المشاركين في هذه الحرب الكارثية اللانهائية، هناك طرف واحد بريء بلا منازع.. الأطفال ومستقبل الأجيال القادمة في هذا البلد المُعذّب.. وبعد مواصلة قراءة التقارير المستمرة الواحد بعد الآخر، ومناقشتها عن بعد مع أصحاب الخبرة، وباعتباري انثروبولوجياً، أتساءل (كاتب المقالة) فيما إذا سيكون لأفغانستان مستقبلاً ولكن بدون أجيال!؟ الحياة في أفغانستان لم تتحسن، حقاً. على أي حال، وبخصوص أطفال أفغانستان (عدا شيء من النجاح في مسألة اللقاحات، ونجاح متواضع في قطاع التعليم في كابول)، من المحتمل بأن الحياة صارت أسوأ مما كانت، حسب خبرتي.. ما عرفته، تأكد عندي، للأسف، من خلال التقارير والمناقشات، رغم أنها جاءت متناثرة.
الشعوب الأمريكية والأوربية المتورطة في الحرب يحبون تذكيرنا بأن أطفال أفغانستان بعد الغزو/الاحتلال صاروا يحصلون على المزيد من فرص التعليم. صور جميلة لفتيات وأولاد يدرسون في فصول دراسية بسيطة، بَثَّتْ الحرارة في قلوب الكثيرين ممن لا زالوا يعتقدون بأن هذه الحرب العطشى لمزيد من الدماء مفيدة لأمننا ولسعادتهم، ورغم أن قلة ممن يمارسون هذه الحرب السامرية samaritans (السامريون- أبناء السامرة بـ فلسطين) يعرفون أن أغلبية متزايدة من الأطفال يُجبرون من أجل مساعدة عائلاتهم، وفي عمر صغير جداً، على العمل في ظروف مروعة awful conditions، بل وحتى يُخاطرون بحياتهم بعرض خدماتهم لقوات الطالبان- أو المسألة الأقل مجاهرة، ومعروفة بدرجة أقل، تقديم خدماتهم لقوات التحالف أيضاً، حيث يدفعون لهم بغية كشفهم عن أماكن وجود العبوات الناسفة بعد أن تركوها للطالبان قبل أيام معدودة فقط! (وهذا يشابه فيلماً لـ شارلي شابلن وهو يعمل منظف للثلوج المتساقطة والمتراكمة أمام أبواب بعض البيوت ونقلها إلى أبواب بيوت فارعة منها..)
تم الإعلان (الدعاية) للجهد التعليمي لجيل هذه الحرب، على نحو واسع ومرح، في حين أنهم يُقتلون على نحو متصاعد، إصابات مروعة، التشوه جراء الغارات الجوية، انتهاكات جسدية وجنسية، وأضرار نفسية، وأكثر من ذلك وقع من الأطفال في منطقة حرب- وهذا يُذكرني بشكل متزايد بما قالته ماري انطوانيت: هؤلاء الأطفال بحاجة، قبل الكتب، لحق الحياة، غياب الإصابات، أجسام لم تتعرض للعنف، وأُسر توفر لهم الأمان، بدلاً من زيارة قبور أقاربهم!
أود أن أسأل السياسيين ممن يُبررون نشوء هذه الحرب لضمان الأمن للغرب- وهذا يؤسس أو يعتمد على إلغاء الأمن في الدول غير الأوربية- ماذا علينا أن نتوقع، على مدى العشر أو الخمس عشرة سنة القادمة.. من الآن.. من جيل يواجه، ليس فقط 600 قتلى من الأطفال تحت سن الخمس سنوات يومياً، وليس فقط من الأمراض النفسية والمآسي الموصوفة، بل كذلك يزداد إدماناً على الأفيون وعلى نحو متصاعد منذ مرحلة الطفولة المبكرة في المدرسة!؟.. لم يحدث من قبل أبداً أن ازدهرت تجارة الأفيون (والمخدرات) في أفغانستان منذ نجاح حركة طالبان في مكافحة زراعته.
هل نُفكر حقاً أن هؤلاء الأطفال ممن يستمرون على قيد الحياة ويبلغون سن الرشد، سوف يكونون ممتنين/شاكرين للدول الغربية؟ هل نتصور حقاً أن أفغانستان سوف لن تؤول إلى أكبر مخزن احتياطي للبائيسن في غياب مستقبل حقيقي؟ وطالما ليس هناك مستقبل، تَحتاج إلى أمل، والأمل، كما نعلم، له تفسيرات متطرفة دينياً/عقائدياً، يمكن تقديمها (التفسيرات) بسهولة. محاولتنا لبلوغ الأمن من خلال القنابل وأفعال القتل غير المجدية اليوم، ستكون السبب لفقدان أمننا غداً!
شبكة البصرة