غزة – محمد الأسطل -
 أكد باحثون مختصون أن تأثيرات عدوان "الرصاص المسكوب" ما زالت متواصلة لدى أطفال قطاع غزة بعد مرور 20 شهراً على الحرب، خصوصاً في ما يتعلق بالتداعيات السلبية على الجوانب النفسية والاجتماعية والتعليمية، إذ يعاني الأطفال من الاكتئاب والقلق واضطرابات كرب ما بعد الصدمة والخوف المرتبطة بأحداث صادمة.

 بيد أن الباحث الرئيسي في "برنامج غزة للصحة النفسية" الدكتور عبد العزيز ثابت أوضح أنه رغم هذا الواقع، إلا أن الأطفال لديهم القدرة على التكيف مع الردود الصادمة، باستخدام وسائل متعددة للتكيف خصوصاً محاولتهم للشعور بتحسن من خلال قضاء أوقاتهم مع الآخرين مثل العائلة والكبار أو الأصدقاء، ومحاولتهم لحل المشكلة من خلال القيام بأشياء معينة أو التحدث لشخص ما عنها.  وقال في ورقة عمل قدمها في مؤتمر "أطفال غزة 20 شهرًا بعد الحرب الإسرائيلية على غزة- الآثار النفسية والاجتماعية" بأن النتائج أظهرت أن معدلات التكيف المستخدمة من قبل الأطفال كانت الانسحاب الاجتماعي متعاقبة مع ضبط العواطف وتشتت الانتباه.

 ودعا ثابت إلى ضرورة وجود تدخل مجتمعي أكثر لتحسين صحة الأطفال النفسية، ويمكن تطبيق ذلك في المدارس والمراكز المجتمعية الأخرى من قبل الأخصائيين والأطباء النفسيين المدربين، بالإضافة إلى تدريب الآباء على الاكتشاف المبكر لمشاكل أبنائهم النفسية وكيفية التعامل مع هذه المشاكل من خلال تعديل سلوكهم والإصغاء إليهم، مؤكداً أهمية وجود برامج تزيد من قدرة الأبناء على التكيف مع الصراعات والحصول على وسائل أكثر للتكيف مما يمكن أن يكون مفيداً لهم.

 من جانبه، اعتبر أستاذ المناهج وطرق التدريس في جامعة القدس المفتوحة الدكتور سهيل رزق دياب أن الآثار التربوية والنفسية للحرب على غزة، بعضها إيجابي والآخر سلبي، معتبراً أن التأثيرات الإيجابية تظهر في المجال العقائدي والفكري والوجداني والمهاري سواء على المستوى الفردي والجماعي.

 وقال: "ما سببته الحرب من تأثير نفسي على الأطفال الفلسطينيين، تمثل في ظهور أشكال أخرى من العنف الذي يوقعه المجتمع الفلسطيني على أطفاله نتيجة دوامة الضغط التي تعيشها الأسرة". وأضاف: "ويتعرض الأطفال لعدة أنواع من العنف مثل: العنف اللفظي والجسدي والنفسي والجنسي من قبل الأسرة أو المدرسة أو الشارع".

 وبيّن دياب الجوانب النفسية والتربوية التي نجمت عن الحصار، نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية ونقص الغذاء والدواء وارتفاع نسبة وفيات الأطفال وزيادة الأوبئة وسوء الحالة الصحية وتقليص برامج الرعاية المتنوعة للأمومة والطفولة، إضافة إلى زيادة نسبة تسرب الطلاب من المدارس وخروجهم من المراحل التعليمية المختلفة.

 وأوصى بتوفير أجواء الأمن للأطفال وتشجيعهم على مواصلة أنشطتهم الاعتيادية اليومية، ومساعدتهم على فهم انطباعهم وردود أفعالهم تجاه المواقف والخبرات الصادمة، داعياً إلى إعداد برامج تدريبية للمعلمين والعاملين في المؤسسات التعليمية للتعامل ومواجهة الظروف الطارئة، واستمرارية تقديم الدعم النفسي للطلبة والدعم الكافي للمؤسسات التربوية لمواجهة هذه الأحداث الصعبة والطارئة.

 وفي سياق متصل أظهرت دراسة قدمها أستاذ الصحة النفسية في الجامعة الإسلامية في غزة الدكتور جميل الطهراوي خلال المؤتمر، أن غالبية الاطفال قاموا برسم الحرب على غزة ومتعلقاتها بشتى تفاصيلها، وصوروا جوانبها المختلفة كما كانت على أرض الواقع.

 واعتبر أن ذلك يدل على تأثرهم الواضح بفظاعة ما جرى خلال الحرب، وكان ترتيب الأشياء التى تم رسمها تنازلياً كالتالي: الطائرات، البيوت والمساجد المهدمة، الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، الشهداء، الآليات العسكرية بأنواعها، المقاومين، ثم بقية التفاصيل.

 ولفت الطهراوي إلى ظهور الخوف والفزع والحزن على الشهداء والمصابين في الرسومات، كما تجلى حب مساعدة الآخرين وأيضاً روح المقاومة لدى هؤلاء الأطفال.

 بدوره، طالب مدير مركز "التدريب المجتمعي" الدكتور فضل أبو هين الاهتمام بالتوثيق العلمي للآثار غير المرئية للحرب على غزة، خصوصاً الجروح النفسية التي خلفتها الحرب على الأجيال، مبيناً ضرورة الانفتاح على العالم الخارجي وذلك برفد غزة بالخبرات والامكانيات العلاجية لأن الحدث ونتائجه أكبر من طاقة المؤسسات الأهلية على مواجهته.

 وشدد على أهمية تقوية التنسيق بين المؤسسات العاملة في تقديم خدمات نفسية واجتماعية، لتفادي الازدواجية في تقديم الخدمات، لافتاً إلى مواصلة المركز في تقديم خدماته العلاجية خلال الحرب وبعدها بأشكال متعددة.

JoomShaper