الدستور ـ طلعت شناعة
 "إذا ما بتنام بجيبلك الضبع".. "اذا ما بتوكل أكلك بنوديك ع الدكتور بيغزك ابرة".. وغيرها من المرعبات التي اعتدنا على ممارستها وإخافة أبنائنا منها عبر رحلة حياتهم ضمن الموروث الاجتماعي الذي وصلنا من الاباء والاجداد.

 والنتيحة أن الاطفال ينشأوون ولديهم "عقدة" من الطبيب ومن المدرس ومن الشرطي ومن الشارع ومن كثير من مجالات الحياة.

 ولهذا نجد بيننا من (الكبار) ممن يخشون زيارة الطبيب حتى لا يكشف عليهم ويكتشف مرضا معينا. أو يخافون الحديث مع رجل الأمن الذي يؤدي واجبه ويفترض أن العلاقة معه قائمة على الود والإحترام المتبادل. وكذلك الحال بالنسبة للطبيب الذي يعالج أمراضنا.  تقول سناء مأمون: أنا سيدة أبلغ من العمر  (40) عاما لا زلت أخاف من زيارة أي طبيب حتى لا أرى شخصه. وإذا ما اضطررت اذهب الى مستشفى بصحبة أهلي ولا انظر بوجه الطبيب.

  بينما لا يجد تحسين معروف حرجا من الاعتراف أنه نشأ على الخوف من المدرسة ولهذا تجاوز سنوات الدراسة بصعوبة ولم تكن علاقته بالهيئة التدريسية حسنة. ولم تكن له أية نشاطات ولم يمارس هواياته مثل باقي الطلبة في المدرسة.

سلوكيات مرعبة

 ويرى الفنان الكوميدي نبيل صوالحة أننا نمارس مجموعة من السلوكيات المرعبة بحق ابنائنا مما ينعكس بالسلب عليهم مثل إخافتهم من الضبع والغول ومن عمه ونقول لهم (سب على عمك) او (ابصق على خالك ) وغيرها من السلوكيات التي تجعل الطفل ينمو بشكل عدواني وغير سوي.

 نادية حمدي تقول : لدي أبناء من زوج سابق. وكان ابنائي قد عاشوا لسنوات عند جدتهم لأبيهم. ويبدو أنها كانت تحدثهم عن الغول لكي يناموا فترسخت لديهم مشاعر الخوف من المجهول . وحين آلت تربيتهم اليّ ، صرت أعاني من ساعة ما قبل النوم. فقد اعتادوا على قصص الرعب. وحين أكدت لهم أن الغول حيوان خرافي لا لوجود له في الواقع استغربوا ورفضوا التصديق فقد ترسخ في أذهانهم إحساس بأن ثمة من ينتظرهم عند السرير.

شيطان وغول

 اياس يعقوب رجل أعمال قال: منذ صغري وأنا أعاني من الخوف من كائنات مجهولة وكانت مي تحدثني عن الغول منذ كنت طفلا حين أعصيها. وكنت أنام مرعوبا. وبعد أن كبرت اكتشفت أن تلك كانت مجرد حكايات مرعبة وخرافات هدفها إرغامي على النوم المبكر. بينما الأطفال الآخرين ينامون بهدوء وأمهاتهم كانت تحكي لهم عن الأميرة النائمة وعن السندريلا وعن غابات اللوز المليئة بالطيور الملونة.


 أما ميرفت علام أكدت أنه تعاني من الخوف من (الشيطان) رغم انها لا تعرف كيف يكون شكله. وكانت أمها كلما أرادت وصف شخص كريه قالت أنه مثل الشيطان ، يمتلك عيونا ضخمة وأيد مثل الاخطبوط وجسد مثل التمساح. وحتى الان إذا ما أردات أن تصف شخصا لا تحبه صورته على هيئة الشيطان.

طفولة مبكرة

 الدكتور حسين خزاعي (أستاذ علم الاجتماع ) أشار الى أهمية مرحلة ما قبل المدرسة أو ما أطلق عليها ( مرحلة الطفولة المبكرة ) التي ينمو فيها الوجدان غير المرئي بعكس الرأس وباقي أعضاء الجسم التي يراها الناس ويحسها وبلاحظون تغير أحجامها.

 فالقلب والوجدان والمشاعر التي تنشأ بداخلنا لا أحد يراها وإن كانت تؤثر فينا ليس في الصغر فقط بل في الكبر أيضا.

 الناس يركزون على ما هو مرئي.بينما لا يعتنون بما هو غير مرئي مثل الكره والحب والتعلّق. وهذه تنمو مع الطفل منذ سن مبكرة. وتنشأ المشكلة حين يكبر الطفل ويبدأ بالتمييز بين الأشياء وبين القصص التي يسمعونها.

 هؤلاء الأطفال عادة ما يعيشون في كنف الأم والأب والجد والجدة إذا كانوا على قيد الحياة. ويصدقون ما يسمعون من الآباء والأجداد باعتبارهم الانموذج والقدوة. والخطورة أن الأطفال في تلك المرحلة السنية لا يميزون بين الخطأ والصواب أو ليست لديهم أدوات عقلية تجعلهم يفسرون الظواهر والقصص ويدققون صحتها من كذبها.

 ويضيف الدكتور خزاعي: أثبتت الدراسات العلمية في الأردن أن %25 من الطلبة الأردنيين يذهبون الى المدارس وهم يعانون من الخوف من المدرسة ومن المدرسين. أي أن ربع الطلبة الذين على مقاعد الدراسة عانوا أو يعانون من إحدى أشكال الخوف في مرحلة ما قبل المدرسة. وهم ـ الطلبة ـ يخشون أما من المدرسين أومن التعرض لاعتداء ما أثناء توجههم الى المدرسة. ولك أن تتخيل قدرة وإمكانية هؤلاء على الفهم والتركيز في دراستهم.

 ونسأل الدكتور خزاعي عن البديل لهذه القصص المرعبة ، فيرد ، لا بد من اللجوء الى السرد الايجابي. أي رواية قصص عن الحب والتسامح والمحبة والخير والقيم من خلال حكايات تمنح المستمع راحة نفسية قبل النوم أو خلال الجلوس مع الكبار أو في الغرف الخاصة بالاطفال.. كذلك لا بد من الحديث وتناول موضوع المشاركة والتعاون وإبعاد الأطفال عن السرد الالكتروني المتمثل في قصص وافلام الإنترنت الغريبة والمرعبة.

اشكال الخوف

 من أنواع الخوف نوع من المخاوف التي تصيب الأطفال تبعاً لتقدم نمو الطفل هناك النوع بسيط يتعلق بدافع المحافظة على البقاء ويشمل مخاوف الأطفال العادية التي تظهر في الحياة اليومية وتسهل ملاحظتها كالخوف من الظلام والحيوانات واللصوص. فالظلام هو مايعده الطفل نوعاً من الوحدة حيث يترك المرء وحيداً دون وقاية أو طمأنينة وهو المكان الذي يتوقع مجيء الأخطار فيه وهذا ما يسمى بالخوف من المجهول ولعل الطفل حين يصفر وهو يصعد الدرج في الظلام صفيراً خفيفاً أو يغني لا يفعل أكثر من تعزيز إحساسه بالطمأنينة والأنس كما يفعل البسطاء بإبعاد الخطر الكامن في الظلام بوساطة التعاويذ.

 ونظراً لما يحدثه الظلام من رعب فإنه يصبح شخصاً يمكن أن ينزل العقاب بالطفل ويمكن تفادي الخوف من الظلام بأن نعود الطفل النوم وحده وألفة الظلام حيث تكون الحالة الملازمة للنوم الهادئ .

 والخوف من الحيوانات والشرطة والأطباء والأماكن العالية كلها من المخاوف الموضوعية البسيطة الأكثر شيوعاً وعلى الآباء أن يعرفوا ذلك ليسهل التغلب على الخوف ويصبح أمراً ممكناً فالأطفال يخافون من أي شيء جديد أو غريب ولكن هذا يزول بسرعة إذا ما هُيىء للطفل الوقت الكافي حتى يألف موضوع خوفه إلا أنه لا بد من الإشارة هنا إلى أنه لا يجوز دفع الصغار وإقحامهم في المواقف التي تخيفهم بغية إعانتهم في التغلب على الخوف والخوف الذي يتصل بالتجارب الحقيقية في مرحلة الطفولة قد يكون أمراً ضرورياً للإبقاء على النفس وتوجيه السلوك غير أنه يجب عدم الإسراف في إثارة مثل هذه المخاوف لئلا تزداد شدتها وتصبح عاملاً معوقاً لنشاط الطفل.

 

JoomShaper