مصطفى مهدي
  ربما لأن المجتمع تغير، ولأن التضحية والحب والوفاء صارت سلعا كاسدة في عصر لا يؤمن إلا بالماديات، فتحولت العلاقات وتدهورت، وحتى أوثق وأنبل علاقة وهي التي تربط الوالدين بأبنائهما ساءت هي الأخرى.
  كثيراً ما نسمع عن هذا الأب الذي ارتبط بامرأة ثانية بعدما انفصل عن الأولى، وتلك الأم التي ارتبطت برجل آخر بعد طلاقها، وهو أمر معقول ومقبول، لكن أن يكون ذلك على حساب الأبناء وعلى حساب استقرارهم وسعادتهم، فهو الأمر الغريب، خاصّة إن بقي هؤلاء الأبناء دون أب ودون أم، أي أن يرتبط كلا الوالدين مرة أخرى، ويدعانهم معرضين لكل المخاطر، النفسية والاجتماعية، بل ومعرضين للانحراف والضياع، ويزيد الآمر تعقيدا إذا ما كان هؤلاء الأبناء صغارا، إذ يكون تركهم في تلك الحالة اعتداء عليهم وعلى حقوقهم في التربية في كنف عائلة مستقرة.   ألفنا في السابق أن يضحي احد الوالدين، على الأقل، من اجل الأبناء، فإذا تزوج الأب وترك زوجته، فتضحي هذه الأخيرة من اجل أبنائها، وتسخر ما تبقى من حياتها ووقتها لهم، وهكذا يفعل الأب في غياب الأم، لكن ما لاحظناه مؤخرا هو أن كلا الوالدين صار يضحي بأبنائه، من اجل سعادته الخاصة، فإذا ما انفصلا يسارع كل واحد إلى تكوين أسرة أخرى، و قد يجد الأبناء أنفسهم يسكنون مع الأقارب بل عند الغرباء، بعد أن تخلى عليهم اقرب الأقرباء.

  وفي هذه الحال يكون الطفل عرضة لكل الآفات الاجتماعية، ويكون ضعيفا أمام كل المخاطر التي يمكن أن تحدق به، خاصة في الطفولة ومع بلوغه سن المراهقة،  وخاصة وهو يرى انه لا يشبه أصدقاءه، من حيث أنهم يملكون أسرة وبيتا وحياة سوية وهو لا، فتتربص به المخدرات والانحراف وربما السرقة إذا ما رافق غياب الوالدين تدهور في الحالة المادية للطفل، وللذي يتكفل برعايته، كما انه قد يصاب بأمراض او عقد نفسية ترافقه طول حياته، وربما تجعله عدوانيا، او منطويا، او حتى شريرا وحقودا، لأنه تعرض للخيانة من اقرب أقربائه، من أمه وأبيه.

  يحكي لنا صالح، صاحب الثانية والعشرين سنة، انه عانى الأمرين بعدما تخلى عنه والده وأمه، وارتبط كل منهما وكوّن أسرة أخرى، وتركاه في سن الثانية عشر مع جدته التي حاولت رعايته، لكن تلك الصدمة لم تفارقه، وجعلته يحاول نسيانها بالمخدرات ومع رفقاء السوء، وبكل طريقة ممكنة، وأكثر من ذلك تخلى عن دراسته، وصار يتسكع في الشوارع، ورغم أنّ الأسوأ لم يحدث فلم يرتكب جريمة كبرى ولم تطأ قدماه السجون، إلا انه كاد يفعل، ولولا رحمة الله به، يقول لنا، لكان مصيره سيئا، إلا انه استطاع أن يعمل ويكون نفسه من جديد، بل هو في طريق تكوين أسرة، ولن يفعل مع ابنه، حتما، ما فعله به والده.

  أما فوزية، فقد تخلى عنها والدها وأمها، ولم يعودا يسألا عنها في المناسبات المتباعدة، وقد جعلها فقدان حنان والديها، تبحث عن الحنان في مكان آخر، فكان أي شخص تجد فيه شيئا من العطف تتعلق به، وعندما بلغت سن الخامسة عشر، ازداد الأمر سوءا، حيث صارت مطمع كل الرجال، وتمكن زميل لها في المدرسة من أن يخدعها في شرفها بعدما جعلها تحبه، وبعدما لم تجد أمامها من يوجهها ويأخذ بيدها إلى بر الأمان، وبقيت تضع أملها في كل شاب يتقرب منها، وتوالت النكبات والخيبات، وزادت حالتها سوءا، ولكنها تمكنت من الخروج من تلك المعاناة بعدما التقت صديقة لها استطاعت أن تساعدها وتكون أحن عليها من أبيها وأمها.

JoomShaper