د. عبدالرحمن الطريري
كثيراً ما نقرأ أو نسمع أن أباً ضرب طفله الصغير ضرباً مبرحاً أعاقه عن الحركة, أو أن أماً كوت ابنتها, أو أن زوجة أب حرمت أبناء زوجها من الأكل أو النوم, أو طلبت منهم تنفيذ مهام لا يقدر عليها إلا البالغون, كما نسمع أن أباً حبس ابنه أو ابنته في غرفة مظلمة لا يرى نور الشمس فيها فترة طويلة, وحرمه من التعليم أو اللعب والتعبير عن طفولته بعفوية. هذه الممارسات وغيرها نسمعها في مجتمعنا وغيره من المجتمعات, وما ظاهرة أطفال الشوارع الذين أخذوا من الجسور والحدائق والمقابر والخرائب, مقراً لهم إلا إحدى الظواهر التي أفرزتها إساءة التعامل مع الأطفال الذين لا يجدون إلا الشارع بيتاً لهم وحضناً بارداً, لكنه أدفأ ــ في نظرهم ــ من المنزل والوالدين, أو أحدهما, حيث لا يجدون في البيت أو مع الوالدين إلا ما يسيء لطفولتهم ويفقدهم حلاوة طعمها, لذا فإن الشارع يمثل بديلاً أفضل من المنزل في نظرهم ولو بصورة غير حقيقية. تنبه العالم منذ فترة ليست بالقصيرة, وأوجد التشريعات التي تحرم إساءة التعامل مع الأطفال, وأصدرت هيئة الأمم المتحدة وثيقة حقوق الأطفال مساهمة منها في الحد من الممارسات العبثية التي يقدم عليها أب أو أم أو معلم مع طلابه. تأملت في هذه الممارسات فألفيت أنها ممارسات فردية شاذة وغير مقبولة, وتسيء إلى الأطفال أيما إساءة تؤثر في مستقبلهم, بل ربما تخرج منهم مجرمين وقتلة ناقمين على المجتمع وعلى الأسرة على حد سواء. ترى ما الذي يدفع الأب أو الأم أو المعلم إلى إساءة التعامل مع الأطفال؟ إن الجهل يمثل سبباً رئيسا, حيث إن افتقاد أصول التربية يجعل الوالدين يجتهدان, ولكن بصورة تضر بأبنائهما, لكن آخرين ربما يعتقدون, وهذا جهل أيضا, أن الشدة والصرامة من شأنها أن تربي أبناءهم بشكل أفضل, حيث يعتقدون أن التحكم أو توجيه السلوك بالصورة الحسنة والمقبولة اجتماعيا, لا يتأتى إلا من خلال ممارسة العنف والقوة مع الطفل الذي لا حول له ولا قوة إلا البكاء, أو الهروب من المنزل في نهاية المطاف. فئة أخرى ممن يسيئون للأطفال هم من المرضى, أو الذين يعانون اضطرابات نفسية قد تكون ذات علاقة بطفولتهم, حيث كان الآباء يمارسون معهم الضرب والقسوة, لذا فهم يسقطون مشاعرهم العدائية نحو ممارسي العنف معهم ويمارسون العنف سواءً آباء أو معلمين مع أبنائهم بدلاً من هؤلاء.
ومع بشاعة الممارسات القاسية مع الأطفال من قبل الوالدين والمعلمين إلا أنها تبقى ممارسات فردية يعاقب عليها القانون، فيما لو وصلت إلى الجهات المعنية, أو يواجه ممارسوها نقداً أو ضغطاً اجتماعياً من الأقارب والجيران والمعارف, لكن بعد أن يكون قد وقع الفأس بالرأس وحدث التأثير السلبي في العلاقة والمشاعر بين الابن وأبيه.
قبل أسبوعين حكمت محكمة إسرائيلية على طفل فلسطيني لم يتجاوز سن الـ12 من العمر بالإبعاد عن منزل والديه لمدة خمسة أشهر وحرمانه من الالتحاق بالمدرسة, وذلك بعد اعتقال دام عشرة أيام, والسبب رميه المستوطنين بالحجارة دفاعاً عن نفسه وأهله, وأشجار زيتونه, التي كثيراً ما تعرضت للقطع والإحراق من قبل المستوطنين الذين تحميهم سلطات الاحتلال. تأملت في هذا الحكم الجائر فوجدت أنه يختلف عن الممارسات الفردية, حيث إن هذا فعل مؤسسي صدر عن جهة قضائية, وهنا مكمن البشاعة للطفولة, والإنسانية. الكيان الصهيوني له سجل حافل في الممارسات المجافية للإنسانية، حيث كان الاحتلال يكسر أطراف الأطفال, ويقتلهم, وهم رضع, أو كما في حالة محمد الدرة الذي قتل بدم بارد أمام شاشات التلفزيون على أيدي الجنود الصهاينة, كما أنه يعتقل في سجونه الآن 300 طفل لا لشيء إلا أنهم ممسكون بالحجارة دفاعاً عن كرامتهم وحياتهم, كما يحرمهم من الذهاب إلى المدرسة, أو وضع العراقيل التي تصعب هذه المهمة, وذلك بإجبارهم على المرور بطرق طويلة وصعبة وخطرة في الوقت ذاته, كما أن وضع مدارس الفلسطينيين يؤكد افتقاد الطفولة الفلسطينية حقوقها في ظل الاحتلال.
ممارسات الأفراد ــ كما قلنا ــ تبقى فردية رغم بشاعتها, لكن الممارسات الحكومية المدعومة بقرارات قضائية تبقى هي الطامة الكبرى, ذلك أن العالم يشاهد, وعلى شاشات التلفزيون كما يرصد أحرار العالم، ممارسات العدو الظالمة مع الأطفال, لكنه لم يحرك ساكناً، بل ربما يبارك ممارساته, ويدافع عنها كما في مواقف الولايات المتحدة الرافضة لأي إدانة, أو ذكر سيئ للكيان الصهيوني. إن النظام العالمي الجديد لا مكان فيه للطفولة ولا للمساكين, والضعفاء, كما أن قضاياهم مصيرها النسيان.

JoomShaper