كولون (ألمانيا): ماجد الخطيب
منذ عقدين أو أكثر ووزارة الصحة الألمانية، والمعاهد الصحية، تتابع بقلق محتويات ألعاب الأطفال السائدة في السوق وتحذر من المواد الكيماوية الضارة بصحة الطفل التي تدخل في تركيبتها وصناعتها. وقرع معهد فحص المواد الألماني نواقيس الحذر أكثر من مرة، في الأعوام السابقة، بعد أن أخضع العديد من الألعاب المشهورة لمختلف الفحوصات التي كشفت عن المركبات السامة التي تذوب في ألعاب الطفل أو تتطاير مباشرة إلى مجراه التنفسي.
في هذه الأثناء يدرس الاتحاد الأوروبي إمكانية وضع شروط محددة لإنتاج ألعاب الأطفال، ووضع حد أقصى لوجود بعض المواد فيها، وخصوصا ملينات البلاستيك ومركبات البلاستيك الجديدة، وتتزايد حدة النقاشات، على المستوى الصحي، حول مضار ومخاطر هذه الألعاب، مع ملاحظة أن السلطات الصحية الألمانية حذرت أكثر من مرة من ألعاب الأطفال المصنوعة في شرق آسيا، أو الألمانية المنشأ التي يجري تصنيعها في تايوان وغيرها.
الفحوصات الأخيرة التي أجراها معهد فحص المواد الألماني على 50 لعبة معروفة، ومن أكثر الألعاب رواجا في السوق، تكشف أن أكثر من 80 في المائة منها يحتوي على مواد خطرة على صحة الطفل. وهذه المواد تدخل في صناعة البلاستيك أو تحضير الخشب والأنسجة، ويمكن أن تتسلل إلى بدن الطفل أو إلى عينيه وفمه.
شملت الفحوصات ألعابا من البلاستيك والخشب والفراء وغيرها من المواد السائدة في السوق للأطفال من عمر يقل عن 3 سنوات. ونال 66 في المائة من هذه الألعاب تقدير «ملوث»، أو «ملوث جدا»، مع 5 ألعاب قال خبراء المعهد إنها تشكل خطرا داهما ومباشرا على حياة الطفل لأنها هشة قابلة للتحطم، أو قابلة للانقطاع أو التجزؤ، والتحول بالتالي إلى قطع صغيرة يمكن للطفل أن يبتلعها.
وهذه الاستنتاجات ستكون «مفاجأة غير سارة» لمنتجي ألعاب الأطفال ستنشر النتائج التفصيلية للبحث في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) القادم من مجلة «تيست» التي يحررها خبراء معهد فحص المواد الألماني.
وتحدث هورست بريموس، من المعهد، سلفا عن «مفاجأة غير سارة» للشركات الكبرى لصناعة ألعاب الأطفال، وخصوصا الشركات التي صنعت الألعاب الخمسة الخطرة مثل «ايشهورن» و«فيشر برايس» و«زيجيكيد» و«شتيفي». وأحد أهم استنتاجات المعهد من الفحوصات هو تساوي الشركات الشهيرة والكبيرة مع الشركات الصغيرة من ناحية إنتاج الألعاب التي تحتوي على المواد الخطرة.
وأهم المواد الخطرة التي تكشفت الفحوصات المختبرية عنها هي: المواد العطرية الحلقية المحتوية على الكربون (باكPAK)، المواد الملينة للبلاستيك فاتاليت، الفورمالديهايد، المعادن الثقيلة، ومركبات القصدير. ويعتبر بعض هذه المواد محفزا لنمو الأورام السرطانية، فيما يعتبر البعض الآخر محفزا للإصابة بمختلف الحساسيات.
المهم جدا في النتائج، حسب تصريح بريموس، أن أي لعبة لم تكن خالية تماما من المواد الضارة أو السامة، ونسبة الـ20 في المائة من الألعاب التي نجت من الانتقاد كانت تحتوي أيضا على المواد السامة ولكن بشكل لا يهدد حياة الطفل أو صحته.
المشكلة أيضا أن نتائج فحص نوفمبر 2010 لم تختلف كثيرا عن نتائج فحوصات أخرى أجريت في السنوات العشر الماضية، الأمر الذي يدين شركات صناعة ألعاب الأطفال بتهمة عدم الاستماع إلى توصيات السلطات الصحية وعدم الالتزام بالتعليمات.
وأبسط المواد العطرية الكربونية الحلقية «باك» هي النفتالين، والـ«باك» مواد شبه ثابتة، رغم أن بعضها يشع قليلا، ولا تذوب في الماء بسهولة، لكنها يمكن أن تتفاعل مع الحمض النووي في جسم الإنسان في ظروف معينة. أحد هذه الظروف، حسب دراسات عديدة، هو تفاعلها بدرجة حرارة الجسم مع اللعاب وتسللها إلى جسم الطفل. وفحصت السلطات الصحية الأميركية في الثمانينات العديد من مركبات «باك» وتوصلت إلى حظر استخدام 16 نوعا منها بسب مخاطرها على الصحة العامة. وألزم الاتحاد الأوروبي في أبريل (نيسان) 2008 كافة الشركات بوضع علامة معينة تشي بكمية «باك» الموجود في البضاعة. وأجرت وزارة الصحة الألمانية فحوصا على العديد من المواد المطاطية عام 2009، وخصوصا الأحذية وإطارات السيارات والدراجات الهوائية، ومستلزمات السباحة والغطس، ووجدت كمية عالية من «باك» فيها. ويمكن بالطبع للمركبات السامة أن تنطلق في الجو عند ارتفاع درجة حرارة الإطار أو الحذاء نتيجة الاحتكاك بإسفلت الشارع. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2010 قررت الحكومة الألمانية وضع حد أقصى لوجود «باك» في إطارات وتجهيزات السيارات لا يتعدى عن 1 ملغم/ كغم.
ويمكن لاحتكاك «باك» مع جلد الإنسان، وخصوصا الطفل، أن يتسبب بتجريد البشرة من الدهون مؤديا إلى التهابات وتحرشف وربما إلى حساسية الجلد. كما يتسبب بتقرح الجيوب الأنفية والمجاري التنفسية. و«باك» عموما مادة محفزة للسرطان حسب إجماع علماء العالم، وخصوصا سرطان الجلد والحنجرة والرئة والمعدة والأمعاء. ولأن المادة العطرية الحلقية تتفاعل مع الحمض النووي فإنها تؤثر سلبا في خصوبة الإنسان، وثبت ذلك واضحا في الأحياء المائية الصغيرة التي تتسرب إليها المادة من فضلات السفن البلاستيكية والمواد التي تستخدم لحماية أجساد السفن الخارجية، الملامسة للماء، من ضرر العوالق والطحالب وغيرها من الأحياء المائية.
أما مادة فاتاليت فهي مستخدمة بشكل واسع في العالم كمادة ملينة للبلاستيك وتدخل كثيرا في صناعة ألعاب الأطفال. وهي مادة شبيهة بالهرمون تؤثر سلبا على خصوبة الرجل، وتدفع النمو باتجاه الأنوثة في الأجنة والرجال اليافعين. ويربط العديد من العلماء بينها وبين ازدياد الإصابات بالعقم والبدانة وداء السكري على مستوى عالمي.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي يكتفي بوضع حد أقصى لوجود الفاتاليت في المواد، وخصوصا لعب الأطفال، لكن النمسا خرجت عن هذا الإجماع وقررت حظر استخدام المادة نهائيا في الصناعة بدءا من غرة يناير المقبل. وجاء هذا القرار بعد دراسات جديدة كشفت عن وجود الفاتاليت في لعب الأطفال، في زجاجات المشروبات، في علب الأغذية وفي الأقراص المدمجة وأقراص دي في دي. واستقبل القرار بسرور من قبل المنظمات الصحية والبيئية وبالتجهم من قبل الشركات الصناعية، لكن المتحدث الرسمي الحكومي فابيان فون آيس قال إن الهدف منع وصول فاتاليت إلى غرف الأطفال ومطابخ المواطنين. إذ ترتفع كمية فاتاليت التي تستخدم في الصناعة في النمسا إلى 15 - 20 ألف طن سنويا.
معهد الصحة التابع إلى جامعة فيينا أجرى تحليلات مختبرية على فاتاليت فتوصل إلى أنها تعمل مثل هرمون استروجين، تقلل خصوبة مني الرجل، وتضعف كفاءة الرئتين، وتسبب الأمراض السرطانية والحساسيات. وذكر البروفسور هانز بيتر هوتر أن الاختبارات التي أجريت في غرف الكثير من الأطفال تثبت أن المادة تسربت إلى أجواء الغرف أيضا وكانت أحد أهم أسباب إصابة الأطفال بالربو المبكر.
ويوصي معهد فحص المواد أهالي الأطفال أن يقرأوا بعناية قائمة المواد التي دخلت في صناعة لعبة الطفل، أن ينتبهوا لخلوها من المواد الملينة للبلاستيك «فاتاليت»، وأن تكون اللعبة صلبة لا تتفتت أو تنكسر بسهولة، ثم إنه من الضروري ترك اللعبة التي تفوح منها الروائح الغريبة على الرف. وقال بريموس إن المعهد لا يود إثارة قلق الأهالي دون داع، لكن نتائج الفحوصات، ومحتويات ألعاب الأطفال من المواد الضارة، تكفي نفسها لبعث القلق في النفوس.
80% من لعب الأطفال في ألمانيا خطر على صحة الأطفال
- التفاصيل