عودي طلفلك على الاعتذار والمسامحه وتجني الشجار مع والده أمامه(أرشيف)
غزة- هدى بارود /فلسطين
"بذلٍ" ترجّت ابنة جيرانها الصغيرة ذات السبعة أعوام أن تعطي اللعبة لطفلها ذي العامين والنصف، بعد أن ملأ صراخه المنزل، وانهمرت دموعه على وجهه كالشلّال.. الصغيرة رفضت أن تعطي المرأة لُعبتها، فما كان من الطفل لما رأى إصرارها على الرفض إلا أن ضربها بأقرب حذاءٍ كان أمامه..
والدته خافت من غضب جارتها التي كانت تقف بجوار ابنتها الصغيرة دون أن تحرك ساكناً، ولأنها لا تريد أن تقع ضحيةً لخلافات الأطفال على لعبة، أمسكت يد طفلها بقسوة وضربتها بذات الحذاء.. الطفل زاد حنقه وغضبه وبدلا من الرحيل.. باكيا صار يضرب والدته بكلتا يديه ويشتمُها بألفاظ "الشارِع" : "أنتي كَبة.. أيوانة".. جارته صارت تضحك.. وكذلك والدته، وهو زادت ضرباته وأصبحت مُوجعة.
تصرُّف الطفل "العصبي" كان نتيجةً طبيعية ومنطقية لطريقة رد الوالدتين على ذلك، فهو بإدراكه الصغير وجد أن فعلته انتقام يلقى استحساناً من حوله والدليل "ضحكة".
فهل ابنكما عزيزي الأب وعزيزتي الأم يعاني من عَصبية لا تستطيعان تحملها، وتقفا مكتوفي الأيدي أمامها، أم لكما طريقة "قاسية" في ردها.. أو ربما "حنونة".. "فلسطين" في التقرير التالي تستعرض ثلاث حالات للطرق السابقة، وهي السائدة.. وتعرض كذلك تفسيراً منطقيّاً لعصبية الطفل وغضبه السريع، وحلولاً جيدة لها كذلك..
"دلالٌ" أفسد "دلال"!!
هي طفلة سمراء طويلة نوعا ما ونحيفة، تبلغ من العمر ست سنين، ملابسها نظيفة دائما وضحكتها الرائعة ترتسم على وجهها بسرعة إن أحست بإعجاب من هم حولها، لم لا وهي جذابة بحركاتها وكلامها اللطيف، رغم سمارها.
دلال لأنها أكبر أخواتها ويفصل بينها وبين من لحقها ثلاثة أعوام، كان الدلال مُركزاً لها، فلا تطلب أو تُعجب بشيء إلا وكان حاضرا في "ساعته"، ونتيجة "الحاضر" الكثيرة من والديها ظنت أن تنفيذ أوامرها "واجب".. وإن لم يفعلوه بكت وصرخت بغضب، "ولمّت عليهم الدنيا".
من المواقف التي لا ينساها والدها، رحلة شراء الملابس للمدرسة، عنها يقول :" لأن زوجتي شغلت بأبنائنا الآخرين قررت أن اصطحب دلال بنفسي إلى السوق لنشتري حقيبة المدرسة والملابس.. ولأنها كانت المرة الأولى التي يدخل فيها أحد أبنائي المدرسة، كدت أطير من سعادتي، إلا أن نغصت دلال عليَّ السعادة واليوم برفضها المتواصل لأجمل الملابس وصوتها العالي إن تجاوزت رأيها طالبا من أحد البائعين شراء ما رفَضَتْ، فأضطر لإرضائها بأي وسيلة"
" لا شك أن ذوق الصغيرة جميل، ولكن ما فعلته كان خطأ" عقبت والدتها ذاكرة موقف آخر "سودت" الصغيرة وجهها فيه، قالت :" كنت في زيارة لصديقة والدتي، وكان لها حفيدان في مرحلة الشباب، أحدهما جميل في شكله والآخر أقل حظاً، ولما طلبا اللعب مع ابنتي رفضت الأخير وقالت له أنت "مش حلو" في حين وافقت على اللعب مع الآخر، ولما قلت لها أن ما فعلته عيب أجابتني بعصبية " هو يحبني أكثر" قاصدةَ الجميل فيهم".
إن ضربته "ندمت"..
كانت الحالة السابقة نموذجاً محايداً، لا قسوة ولا حنان، ونتائجه "سلبية"، وكذلك كانت النتائج في عائلة أبو عزيز الذي لا يعرف حلاً لدلع الأطفال غير "الضرب"، وعزيز للأسف "أكل وشبع "كَتِل" (ضرباً) لغضبه، وما كان يتعظ.. عمره الآن ثمانية أعوام، لا يبكي كثيراً لكنه يضرب كل من يعترض تصرفاته، فلا سَلمَ منه مدرسه ولا إخوته أو والدته.
تظن والدة عزيز أن عصبيته موروثة عن والده، وأنها أخطأت لما كانت تكتم في نفسها الحزن وهي تحمل به، إذ إن ما تشعر به من "غيظ" انتقل بطريقة "ما" إلى طفلها –وهو جنين-، وأن مشاكل أشقائه أمامه كذلك أثرت عليه، وما عصبيته السريعة إلا مُحصلة جميع العوامل السابقة.
يكتسب الأطفال سلوكهم من العائلة، ومن من الممكن أن يكون للغضب علاقة بالوراثة، ولكن الصحيح والمؤكد أنه سلوك مكتسب من البيئة المحيطة، وعلى الوالدين تجنب عرض خلافاتهما أمام أبنائهما، والابتعاد عن الصراخ لحماية أبناءهما من اكتساب هذا السلوك السيئ
قالت :" المشكلة أن القسوة عليه لا تجدي أبداً، فإن صرخت في وجهه صرخ، وإن ضربته رد لك الضربة بأقوى.. ودائماً يستخدم أسلحة، إما المكنسة أو الحذاء وحتى الأطباق الزجاج والكؤوس".
والد عزيز العصبي لا يستحمل صراخ الطفل وغضبه، وأول وسيلة لإنهاء "المهزلة" كما يسميها، هي العصا أو اليد، ولأن الطفل لا يبكي بسرعة تزداد الضربات ولا يوقفها غير دموعه إن لم تكن والدته موجودة طبعاً.
العوامل السابقة مجتمعة -مثلما قالت والدته- سببا يمكن اقتراحه لحالة الطفل "سريع الغضب، وكثير الانفعال، والمعتدي بالضرب على الآخرين".
بكى حتى "أطاعوه"
إياد طفل لم يتجاوز عمره أصابع يمينه فقط، إلا أن أسلوبه لا يُطاق.. بكاؤه سريع و"حرده" أيضا سريع، فهو إن أعجبه شيء طلبه.. إن حَضرَ، استعمله قليلا ورماه، وإن لم يحضر "بكى" كأن أحدا ما قُتل له.
والدته مهما حاولت لا تجد طريقة أخرى لإرضائه غير تنفيذ طلباته، فمنظره وهو يدق رأسه بالأرض أو يضرب نفسه، بالتأكيد لا يعجب أحداً، فكيف يُرضي والدته!!
من المواقف التي تَذكرُها والدته، يومَ وضعَ يده خطأ في صحن "شوربة" قليل السخونة وبكى، ولما لم يجد الاهتمام زاد صراخه وارتفع صوته حتى جاء والده وأشقاؤه، ولو زاد قليلا لحضر الجيران!.
تتكرر مواقف إياد كثيراً، وكلما حاول والداه تجاهل تصرفاته غضبَ أكثر، حتى يلتفتا، حتى أنه أصبح "استكسابي"، لا يرضى إلا بألعاب غيره، ولا يُعجبه غير الذي في يد غيره.
والده اصطحبه مرة في رحلة مع أصدقائه وأبنائهم إلى البحر، وفي الوقت الذي استمتع به الأطفال، أقران وليد، كان الأخير شديد "العصبية" إذ إن كل الألعاب أعجبته، فلا يسكت عن البكاء إلا إن بكى غيره، وإن والده حاول إلهاءه أو لفت نظره لشيء آخر، اكتشف الحيلة ورفع صوته.
غضبهم "سلوك" مكتسب!
الحالات السابقة نماذج لأطفال فشلت محاولات أهلهم في ترويضهم، فصارت طباعهم أشد، وغضبهم أكثر حدة.. دكتورة علم النفس في الجامعة الإسلامية فتحية اللولو، فسرت الظاهرة وأوضحت أسبابها، ناصحة ببعض الطرق التي يُمكن للأهل باستخدامها التخلص من غضب أبنائهم.
وبالمناسبة فإن غضب الأطفال غير المدركين لتصرفاتهم، له سببان، أحدهما سلوكي، والآخر جيني.. عن ذلك قالت د. اللولو :" يكتسب الأطفال سلوكهم من العائلة، فغضبهم أو عصبيتهم ترجع إلى الحالة التي يرون عليها أهلهم أو الطريقة التي تُقابل بها تصرفاتهم، وبالأخص من الوالدين".
بعض الأطفال يسعون إلى تحقيق أهدافهم وأغراضهم باستخدام الصراخ أو "الحرد"، وفق د. اللولو التي أكدت على أن التهاون مع الأطفال في هذه المسألة تجعلهم يظنون أنها طريقة صحيحة لتلبية حاجاتهم، ويساعدهم ذلك على تكرار سلوكهم.
ورداً على ما يقال بأن الجنين يكتسب "عصبيته" وراثيا، أو ينتقل له غضب والدته أثناء الحمل، قالت :" هذه فرضيات لا أساس علمي يؤكدها، من الممكن أن يكون للغضب علاقة بالوراثة، ولكن الصحيح والمؤكد أنه سلوك مكتسب من البيئة المحيطة"، مُضيفة :" عادة يكون أبناء العائلة المُنغلقة على المجتمع أكثر هدوءاً من أولئك المتواجدين في جو اجتماعي مُعقد".
ونصحت د.اللولو الأمهات بالتدرج في التخلص من غضب أبنائهن، وبطرق صحيحة.. فهي إن منعت عنه الحاجة التي يريدها بشدة لفترة من الزمن، تعلمه أن الصبر جيد، وإن شغلته بمثير آخر لتنسيه طلبه، تعوده على أنه " ليس كل ما في يد غيرك لك".
مُتابعة " إذاً فالطفل بالأساليب البسيطة المذكورة سابقاً يتخلص من عادة سيئة ويكتسب أخرى حسنة، ولا بأس إن عودته على القناعة والإيثار بأن يعطي إخوته أو جيرانه من ألعابه وطعامه مثلا".
وقالت :"التعلم بالتدريج يضمن نتائج جيدة للطفل والأهل معا، فإن كان الطفل سريع الصراخ، وعاقبته والدته بصراخ موازٍ، أو أسكته أحد بذلك فإن صراخه سيزداد بعد فترات وصوته يعلو أكثر.. وإن حاول أحد إسكاته بالحنان وتوفير ما يريده دون عناء، اعتبر أنها الطريقة الصحيحة وتعود عليها".
وتجدر الإشارة إلى أن حالة العصبية تتطور لدى الصغار فيصبح من السهل عليهم أن يضربوا أمهاتهم إن لم تُلبِّ رغباتهم، فإن حدث وضربك ابنك عزيزتي القارئة، عليك أن تغيري تعاملك معه نهائيا، وتبدئي بعقابه.
العقاب تبعا للدكتورة اللولو يكون بالغضب الكلامي، والامتناع عن مخاطبة الطفل، كأن تقول له والدته :" أنا زعلانة منك، ما رح احكي معك إذا ما تأسفت".. الطفل ليتخلص من المأزق سيعتذر، وتعوده على الاعتذار يؤسس لخلق جيد.
وعن الطريقة التي يمكن للعائلة فيها حماية أطفالهم من اكتساب "العصبية والغضب السريعين" نصحت :" إن تجنب الوالدين عرض خلافاتهما أمام أبنائهما، وابتعدا عن الصراخ والصوت العالي فإنهما يحميان أبناءهما من اكتساب هذا السلوك السيئ، وبالتالي لا تظهر المشاكل".
عصبيّة "الطفل" طَبْعٌ أم تطبُّع؟
- التفاصيل