الدوحة - رشيد يلوح 
استقطب كتاب الطفل العربي في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا من قبل المختصين وأولياء الأمور على السواء، وذلك لما أصبحت تفرضه التحديات المستقبلية على الإنسان العربي باعتباره عماد التغيير والمواجهة في عالم أضحى يحسم صراعاته استنادا إلى رأسماله الإنساني.
من هذا المنطلق يمثل كتاب الطفل العربي وما يلحق به من وسائل تربوية وتعليمية مجالا يؤثر فيه الكثير من المتدخلين، باحثين ومبدعين ومعلمين ومستثمرين وتجار، ويزداد حجم هذا التدخل وحدته مع ازدياد الطلب، وتعتبر معارض الكتب العربية الساحة الأمثل لجس نبض هذا الكتاب والاقتراب من همومه وقضاياه.
في هذا السياق زارت "العرب" فضاء معرض الكتاب الدولي21 بالدوحة، لتلتقي هناك مع العديد من الناشرين، وتطرح عليهم أهم الأسئلة المتصلة بواقع كتاب الطفل العربي والتحديات التي يواجهها. يغيب عن الكثير من الناس أن أكثر الكتب العربية تلبسا بالهموم والمشاكل هو كتاب الطفل؛ وذلك لغلبة النظرة التبسيطية والسطحية للأمور، ومن أهم أسباب هذه الخصوصية التي تميز كتب الصغار عن غيرها، كونها أدوات خطيرة تستهدف نفوس وعقول أحباب الله، وتعمل في صياغة أفكارهم وتخيلاتهم.

كتاب الطفل ونبض السوق..
لم يخرج كتاب الطفل العربي عن قاعدة الكساد التي تحكم الكتاب العربي عموما، إلا أنه حافظ بشكل جيد على حد أدنى من النشاط داخل سوق الكتاب، متقدما الكثير من العناوين الكبيرة، ويعتقد أحمد الحلبي ممثل دار عالم الأطفال السورية، أن كتاب الطفل العربي عرف إقبالا كبيرا خلال الخمس أوالأربع سنوات الماضية، وذلك بفعل جهود التوعية بأهمية هذا الكتاب، والتي بذلت في المعارض والندوات والمحاضرات، ويضيف: ويبدو هذا الأمر واضحا هنا في معرض الدوحة للكتاب؛ حيث خصصت مساحة واسعة جدا لهذا الكتاب استجابة للطلب المتزايد عليه.
ويؤكد حسان ريحاني من دار الحافظ السورية أن كتاب الطفل يعرف إقبالا كبيرا في كل المعارض العربية، وهو الكتاب الذي لم يتأثر بتاتا بالإنترنت أوغيره، خاصة النوع الإسلامي والعلمي والقصص.
وفيما يتعلق بالاقبال على الوسائل التعليمية قرينة كتاب الطفل، يوضح محمد الحسن، مدير فرع الشرقية لدارالتراث السعودية، أن إنتاج برامج الأطفال التعليمية تأثر بسبب انتشار الإنترنت، بينما يبقى الإقبال على الوسائل التعليمية أفضل من قبل الأطفال والمدارس.
بينما يعتقد عبد الحليم مرعي العباسي، ممثل دار القلم بدبي أن الإقبال على الوسيلة التعليمية أكبر من الإقبال على الكتاب، لأنها تؤدي دورا هاما في تنمية قدرات الطفل الذهنية والنفسية. وعادة ما تقتنيها المدارس ومراكز الاحتياجات الخاصة، فضلا عن الأسر والمعلمين.
وبخصوص آلية إنتاج الوسائل التعليمية يقول العباسي: هناك وسائل تعليمية نستوردها، وهناك وسائل أخرى ننتجها، فبعد أن نحدد نوع المنتج نقترحه على مدير المشتريات في الدار، فيقوم هذا الأخير بإجراءات استيراده أو إنتاجه محليا، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التعديلات والإضافات التي نجريها على الوسيلة التعليمية.

اختيار الكتاب.. القرار الصعب
يرى موظف المبيعات الداخلية بدار المنهل الأردنية أيمن محمود الطويل، أن الطفل عادة لا يستطيع أن يختار لنفسه الكتاب المناسب، بينما بإمكان الوالدين القيام بهذا الأمر من خلال تفحص الكتاب. ويضيف: وهنا لا بد أن أشدد على دور الوالدين اللذين تقع على عاتقهما مسؤولية الاختيار والتمييز بين الغث والسمين، خاصة الأم التي تكون أكثر اطلاعا على حاجيات وميول الطفل، وتستطيع أن تختار له الكتاب المناسب والأفضل.
وأشأر هذا الناشر إلى مشكلة تحدث عند قراءة كتاب الطفل، يقول: بعضهم يمسك الكتاب ويقول: يمكنني قراءة هذا في خمس دقائق فقط، وهذا خطأ كبير، لأن كل صفحة من كتاب الطفل تمثل عالما واسعا برسوماتها وألوانها وإيحاءاتها المتعددة، لذلك بإمكان الوالدين أن يتوقفا عند كل جزئية في تلك الصفحة وتحويلها إلى منبع معرفي أو أخلاقي يثري شخصية الطفل ويقويها.
وللأسف هناك بعض الآباء يبحثون عن كتب الأطفال الأقل سعرا، في حين يغيب عنهم أن الكتاب الأرخص سعرا هو أيضا أقل جودة، وفي كثير من الأحيان لا يكون مفيدا وهادفا، ويضيف: نحن مثلا في دار المنهل نعتمد مجموعة من الآليات المهنية والعلمية الدقيقة لإنتاج أي كتاب، من اختيار المؤلف والنص والمدقق اللغوي إلى اختيار الرسام، واختيار الورق الجيد، ولأننا نحرص دائما على الأجود والأفضل فإن التكلفة تكون أكبر، لكننا متيقنون من أننا ننتج كتبا جيدة ومفيدة للطفل العربي.
أما نادر جلال مدير تسويق شركة تروكلرز لكتب الأطفال المصرية فيرى أن الطفل العربي عموما يفتقد إلى المبادرة فيما يتعلق باقتناء الكتاب، لذلك نجد أن الآباء هم من يتكفل بهذه المهمة، ويوضح: هناك استثناءات نلاحظها بين الفينة والأخرى لأطفال يقبلون على اقتناء الكتب المناسبة لهم، وتُنبئ اختياراتهم عن خبرة وذكاء أظن أنهما من ثمار التربية والتنشئة التي حصلوا عليها في بيوتهم.
وهي ذات المعاني التي يؤكد عليها مؤنس هاشم حطاب مدير دار (ألف باء تاء ناشرون) الأردنية، إذ يؤكد هو الآخر: يجب علينا انتقاء المميز للأطفال، ولاشك أن للآباء دور أساسي في هذا الأمر.

كتاب الطفل.. يتيم في مأدبة بعض الناشرين
أما ظاهرة تطفل البعض على مجال النشر للطفل، فيرى نادر جلال من شركة تروكلرز لكتب الأطفال أنها ظاهرة سيئة، ويضيف: هؤلاء الناشرون ينظرون للأسف إلى كتاب الطفل من الناحية التجارية، فيلجؤون إلى الإنتاج بحسب ميول الطفل ورغباته العفوية، ولا يضع في حساباته مصلحة الطفل ومستقبله، بحيث ينتج له كتبا تربوية وتعليمية غير هادفة، بينما عملية النشر للطفل هي بالأساس رسالة ذات أهمية ودور مصيري في المجتمع.
واعتبر أيمن محمود الطويل من دار المنهل أن ظاهرة تطفل غير المتخصصين على مجال كتاب الطفل معضلة كبيرة، لأنه يفسد أكثر مما يصلح بترويجه لكتب ومنتجات غير هادفة وتفتقد للمواصفات التربوية والعلمية.
ولمؤنس هاشم حطاب رأي مغاير في الموضوع، وضحه بقوله: هناك نوعان من الكتاب، الأول هو الكتاب الشعبي، والثاني هو الكتاب المميز، وهذا سوق يوجد فيه كلا النوعين، ويبقى على القارئ الانتقاء والتمييز بين النوعين، وهذا يعود بالطبع إلى ثقافة القارئ الذي يستطيع اختيار الكتاب الذي يخلو من الحشو وفيه أفكار مميزة ورسم جيد وأدوات طباعة مميزة. وأضاف: ونحن لن نستطيع أن نلغي الكتاب الشعبي من السوق، لأن القدرة الشرائية بدورها تضغط، ليس كل الأسر تستطيع شراء الكتاب المميز لأن سعره أكثر.

التأليف والترجمة وخصوصية عالم الطفولة
ويعتقد أحمد الحلبي أن مجال التأليف للطفل يعتريه ضعف كبير، ويوضح هذا الأمر بقوله: هناك ضعف في الإنتاج والتأليف، مثلا يقصدنا كُتاب سبق لهم أن نشروا بعض الأعمال، فيقترحوا علينا بعض النصوص التي نكتشف فيها ضعفا وتراجعا؛ لذلك نضطر للجوء إلى متخصصين ليس فقط في الكتابة ولكن في نفسية الطفل، ولهذا أيضا نعتمد لجنة تأليف في الدار تعمل على تمحيص وتقييم الكتب المقترحة.
بينما يؤكد نادر جلال أن هناك كُتابا متخصصين للطفل، لكن المشكلة في ضعف اللجوء إلى هؤلاء الكتاب والتعامل معهم؛ ويضيف: للأسف نادرا ما يهتم بهم، نظرا لكون الكثير من العاملين في هذا المجال يفضلون اللجوء إلى كُتاب هواة أو غير متخصصين، لأنهم بنظرهم أقل تكلفة وأسرع.
وفي نفس السياق يقول مؤنس هاشم حطاب: يبقى على عاتق الناشر العربي ثقل كبير جدا في تحدي نجاح كتاب الطفل، وهذا الكتاب مثقل بالكثير من الإشكالات، أهمها غياب المؤلف المتخصص، معظمهم هواة نتيجة تجارب نجحوا فيها، حققوا تجارب نوع من الكتابات المميزة على صعيد الكتاب العربي. لكن لم تصل إلى مرحلة الارتقاء، لأن الكتاب العربي ينافس الكتاب الأجنبي.
وفيما يتصل بجوانب الكتاب الفنية يقول مؤنس: على مستوى الرسم كنا دائما نتهم بكون الناشر العربي لم يرتقي بالمستوى الفني للكتاب العربي، هذا الأمر حاليا استطعنا التغلب عليه، حيث ظهرت كفاءات عربية مميزة على مستوى الرسم، لكن مازالت مكلفة، والناشر يتطلع دائما إلى أن لاتزيد تكاليف الكتاب، والسبب بالدرجة الأولى هو طبيعة السوق، فأنا لن أغامر بإنتاج كتاب طفل بمستوى عال جدا، وفي نهاية المطاف لاأستطيع بيعه. ويشدد هذا الناشر على ضرورة الكتابة للطفل باللغة العربية الفصحى، وتجنب استخدام اللهجات المحلية، والتأثير السلبي لهذا الاختيار لايخفى على أحد.
ومن جهته يؤكد حسان ريحاني من دار الحافظ أن مؤسسته تحرص كل الحرص على اختيار المؤلفين الأكفاء والذين راكموا تجارب كبيرة في هذا المجال، ويضيف: نحن نتعامل مع الكثير من المؤلفين في سوريا والكويت والإمارات والجزائر، وما يهمنا بالأساس هو جودة النصوص.
وبخصوص كتاب الطفل العربي المترجم من اللغات الأخرى، فهو الآخر يثير بعض الأسئلة، وفي هذا الإطار يقول أيمن الطويل: الترجمة من اللغات الأخرى مسألة صحية، لكن من واجب الناشر أن يختار النصوص المنسجمة مع ثقافتنا، وبذلك نكون قد فتحنا أمام الطفل مجالات ثقافية واسعة.
وحول هذا الموضوع يصرح مؤنس هاشم قائلا: أثق جدا في الكتب الأجنبية المترجمة، لأنها تشتمل على أفكار جديدة، لكن على الناشر أن ينتقي ويكون حذرا في هذا المجال، لأن لدينا قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، وتبقى المضامين العلمية المشتركة بين الجميع مساحة جيدة للاستفادة. وإذا أحسنا الاختيار والتعريب سنكون قد وصلنا إلى كتب أطفال مترجمة جيدة، والسبب أن هناك تجارب غربية رائعة، ولايمكننا تجاهل هذا الأمر.

JoomShaper