الدستور ـ طلعت شناعة
ما أن يبدأ أطفالنا يتحدثون معنا أو يحاوروننا ، تبدأ مشكلة اختيار اللغة المناسبة التي ينبغي أن نخاطبهم بها. وعادة ما يقع بعضنا في مأزق هذه اللغة التي تتواءم مع هذا الطفل . وتزداد المسألة صعوبة حين نكتشف أننا أمام طفل ذكي ونبيه لا يقتنع بكل ما نقوله له.
بيننا من يخاطب الطفل بلغتين. إحداهما في البيت وأُخرى في الأماكن العامة و أمام الناس والآخرين. ثمة آخرون يتكلمون بلغات ويستخدمون مفردات أجنبية في حديثهم مع الطفل ، وذلك بحكم تعودهم على تلك اللكنة وتلك المفردات في عملهم أو في حياتهم.
الكل يُجمع على أن الطفل عامة هو كائن لمّاح وذكي ومن هنا كان لا بد أن نتساءل عن اللغة والكلام الذي ينبغي أن نخاطبه به. مفردات
السيدة نادية فهمي (ربة بيت) تقول: أحيانا أجد مشكلة في كيفية الحديث مع ابني (5سنوات). فهل أتحدث معه باللغة العربية الفصيحة أم بالعامية واللغة الدارجة؟.

وأشارت الى أنها أحيانا تجد الصغير يتلفظ بمفردات غاية بالفصاحة وحين سألته من أين له ذلك ، كان يرد : من أفلام الكرتون.

وبعكسها ترى سهام مسعود أنها تعاني من اختلاف خطاب ابنها عن الكلام الذي يتحدثون به بين أفراد العائلة. مثل استخدامه للانجليزية التي يلتقطها من برامج التلفزيون وبخاصة القنوات التي لا تترجم لغة برامجها كما تفعل سواها.

وتضيف: ابني يدرس في مدرسة خاصة وهم يعلمونه باللغات الاجنبية وبالتالي أصبح كلامه غريبا عن باقي أفراد العائلة.

ويجد منصور عبد الرحيم مشكلة في التواصل مع ابنه الذي يتعلم من الشارع لغته. وثمة مفردات رديئة وقبيحة تظهر في كلامه ولا يعرف كيف يخلّصه منها. ويعترف منصور أن الشارع أصبح البديل للتربية المنزلية في ظل غياب دور الأُم المنشغلة وغياب الأب بسبب العمل وهنا نقع جميعا في الخطأ وأحيانا في الخطيئة ( خسارة ابنائنا).

صداقة
ويرى المهندس نائل غيث أن المهم أكثر من التخاطب مع الطفل أن نصادقه بحيث نقترب من وجدانه ومن عقله ومن الامور التي يحبها وتلك التي لا يحبها ولا يطيقها. أحيانا أجد ابني يتحدث معي كصديق صغير ولا شك أنني أستمتع بحديثه وبلغته التي يوصل من خلالها مفرداته. فطفل اليوم يختلف عن الطفل الذي كنا نعرفه قبل عشرين سنة . فالطفل بات يتعلم من التلفزيون وبات أسيرا ومدمنا للإنترنت. وهو ما يعني أن ثقافته يستمدها من هذا الصندوق العجيب الذي يحمل كل شيء ( الغث والسمين ، الجيد والرديء المناسب وغير المناسب).

لكن هل لدينا جميعا القدرات التي تؤهلنا للقيام بمثل هذا الدور المهم في ظل انشغالنا بحياتنا التي تعقّدت أكثر مما كنا نتخيل؟

طبعا لا وأحيانا نعم. وما بينهما مسافة كبيرة من الفهم المشترك والمعاني العميقة والقيم التي اعتدنا عليها وتلك التي يواجهها الطفل في المدرسة وفي الشارع ومع أصحابه.

عادة ما تأتيك الاجابات من المثقفين أنه لا بد من تعويد الطفل على القراءة وتحديدا كل يوم وفي الغالب قبل النوم. والسؤال الذي يظهر ماذا نقرأ له وماذا عن القصص التي يحب بعض الاطفال سماعها منها والتي تنتمي الى ذاكرتنا ووجداننا والتي نحب أن نمزجها بين حديثنا خلال جلوسنا معهم.؟

بعض الخبراء والمحبين للغة العربية يصرون على أن تكون لغتنا عربية صميمة تنقل للصغير تراثنا ومعارفنا وعاداتنا وبالتأكيد قيمنا وأحلامنا وما عجزنا عن تحقيقه عبر سنوات عمرنا.

آخرون يطالبون بضرورة وجود العلم كعلم في الحديث ليكون أكثر اقناعا وأكثر نجاعة. وبذلك نخلط المعرفة بالعلم ونذيبهما معا في وجدان هذا الصغير لكي نضمن له (رجولة) جيدة.

مساحة
ليندا الخطيب (طالبة دكتوراة في علم النفس الطفولة) تقول: يجب أن يحرص الآباء على أن تكون هناك مساحة حوار مشتركة بينهم وبين أبنائهم. ففي هذه الأيام نجد القليل من الآباء الذين يهتمون بمحادثة أبنائهم.فيجب على الوالدين التحدث مع أطفالهم بشكل دائم ومستمر ، ولكن ما هي الطريقة المناسبة للتحدث مع الطفل ، أو ما هي اللغة المناسبة للتحدث مع الطفل ، وهذا يختلف حسب عمر الطفل ، ولكن يوجد شيء مشترك بين جميع الأطفال الصغار حيث أنهم يحبون التحدث عن أنفسهم وعن الأنشطة التي يمارسونها ، فيجب على الوالدين الإصغاء لهم وإعطاؤهم الإنطباع الايجابي بأنهم يتحدثون كلاما مهما ، ونحن نجد أن معظم الآباء وأكثرهم يستخدمون الطريقة الطفولية أثناء حديثهم مع أطفالهم ، ولا يراعون المستوى الفكري لطفلهم ولا يعرفون المستوى الذي يتكلم به ، فهذا الأسلوب الطفولي الذي يستخدمونه أثناء الحديث معهم قد يشعرهم بالمهانة ، والاستمرار في الحديث مع الأطفال في هذا الأسلوب يحد من قدراتهم الفكرية ويجعلهم ينظرون الى أنفسهم نظرة دونية.

فيجب على الوالدين أثناء حديثهم مع أبنائهم أن يراعوا النقاط التالية:

ھ الإصغاء للأطفال وهم يتحدثون معهم ، وإعطاؤهم انطباعا إيجابيا بأن كلامهم مهم.

ھ الحديث معهم بشكل مطول ، وبكلمات واضحة ومناسبة لأعمارهم.

ھ عدم استخدام الطريقة الطفولية أثناء الحديث معهم ، فيجب أولاً الإستماع الى الطفل ومعرفة المستوى الذي يتكلم به ، ومن ثم بدء الحوار معه ومناقشته بأشياء يفهمها.

ھ يجب أن يكون الحديث بين الوالدين والأبناء على شكل حوار من طرفين وليس من طرف واحد وهو الأب أو الأم ، والسماح للطفل بأن يقود هو المناقشة فهذا يعتبر تعزيزا إيجابيا له.

ھ يجب على الوالدين النظر الى طفلهم وهم يتحدثون معه والتواصل معه بالعينين والنظرات ، فهذا مهم يعوّد الطفل على النظر في عيون الذين يتحدث معهم فيكون عنده الثقة بالنفس .

ھ فيجب على الوالدين الحديث مع أطفالهم كأنهم يتحدثون مع أصدقائهم ، مع مراعاة أعمارهم وعدم استخدام المصطلحات التي لا يستوعبونها.

JoomShaper