رفيدة يونس أحمد‏
هل الطفل وعاء فارغ يمتلئ يوماً بعد يوم بالمعارف والأفكار المكتسبة كما يراه بعضهم ? أم هناك عوامل أخرى تساهم في تكوين شخصيته‏إضافة إلىالوراثة ? وهناك أيضاً برامج التلفزيون‏والتكنولوجيا الحديثة التي أصبحت اليوم في متناوله ? بهذه التساؤلات استهلت الشاعرة " مناة الخير " / مديرة المسرح القومي في اللاذقية / محاضرتها التي حملت عنوان : أثر التكنولوجيا على شخصية الطفل في دار الأسد للثقافة ونظراً لأهميتها نسلط الضوء على أهم ما جاء فيها من محاور وأفكار ..‏‏ بداية أشارت المحاضرة إلى عدم وجود اتفاق بين خبراء تطور الأطفال على أن استخدام أجهزة الكمبيوتر المحمول والتليفونات الذكية من جانب الآباء يعد شيئاً سيئاً . ويجب على الآباء دوماً توزيع اهتمامهم . وهناك اختلاف بين الكم والنوع عندما يتعلق الأمر بالحوارات فيما بين الآباء والأطفال . ولا يكون الوقت المشتت جيداً سواء كان الآباء يطالعون الصحف أو أجهزة البلاك بيري والتلفزيون يشتت الآباء أيضاً . وأجهزة التليفون الذكية والكمبيوتر المحمول ربما تمكن بعض الآباء من قضاء وقت أطول داخل المنزل . ولا توجد أبحاث كثيرة عن أثر استخدام الآباء التقنية على الأطفال . ولكن يقول خبراء إنه لا شك في أن الآباء الذين يتحدثون ويشرحون الأشياء لأطفالهم , ويردون على تساؤلاتهم يمثلون عنصراً أساسياً في التعليم خلال مرحلة الطفولة المبكرة . ويظهر كتاب بيتي هارت وتو ريزلي الشهير إلى أن الآباء الذين يوفرون بيئة ثرية لغوية لأطفالهم يساعدونهم على تنمية مهاراتهم اللغوية وتعلم القراءة . ويربط الكتاب بين استخدام اللغة داخل المنزل والوضع الاجتماعي والاقتصادي . وحسب ماورد في الكتاب يسمع الأطفال في المنازل ذات الوضع الإجتماعي والإقتصادي الأعلى متوسط 2153 كلمة في الساعة , فيما يسمع الأطفال داخل أسر الطبقة العاملة 1251 كلمة . ويسمع الأطفال من الآباء الذي يعيشون على مساعدات حكومية 616 كلمة في الساعة .‏‏

وعن أثر التكنولوجيا والعنف على الأطفال استشهدت الأديبة الخير بدراسة نفسية حديثة والتي تؤكد : أن العدوانية لدى الأطفال تزداد بسبب أسلوب الحياة المعاصرة وما يطلع عليه الطفل في عمر مبكر من أعمال عنف في التلفاز ومن خلال الألعاب العنيفة على شبكة الإنترنت مقابل تراجع اهتمام الأهل بهم . . ثم تحدثت المحاضرة مناة الخير عن مشكلة إدمان الأطفال لتكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنيت وبعض برامج التلفاز التي تجذب انتباههم , مما جعل بعضهم يعاني من عدد من المشاكل النفسية والأخلاقية بالإضافة إلى إهمالهم المواد الدراسية وإقبالهم على المواقع الإباحية ومواقع الشات . ويعود السبب في ذلك إلى فقد لغة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة .‏‏

أما بالنسبة للتلفاز فمن المعروف أن شاشات وسائل الإعلام تجذب الصغير أكثر من الكبير فيقوم هذا الطفل بدور المتلقي دائماً للرسائل الإعلامية دون أن يقوم بمناقشتها مع والديه . ومما لا شك فيه أن ما يراه الطفل على هذه الشاشات وألعاب الكمبيوتر من عادات غريبة علينا وعلى مجتمعاتنا المحافظة يترسخ في ذهنه ويشب عليه . وجلوس الطفل لفترات طويلة أمام الشاشات تكسبه طباعاً سيئةً مثل الكسل ـ عدم التعاون مع الأهل . الأكل أمام التلفاز يصيب الطفل بالتخمة وزيادة الوزن مع الأضرار الناجمة عن ذلك منها قلة الحركة ـ العزلة ¯ الإهمال في النظافة الشخصية ـ سوء الأدب مع الآخرين أيضاً هناك غياب القدوة وتوقف الطفل عن التفكير والإبداع وحب استكشاف العالم من حوله والقراءة . وكذلك الأمر ينسحب على الأنترنيت فنحن نعيش في عصر تتزاحم فيه الأفكار وتتصارع الشعوب في ظل فضاءات مفتوحة تبث من خلالها برامج الفضائيات عبر شبكة الإنترنت وقد أصبحت الموجه الأول لأطفالنا لما تقدمه من مسلسلات أجنبية وبرامج مستوردة ومضامين متباينة واستطردت المحاضرة قائلة : لا يمكن هنا أن ننكر دور التكنولوجيا والفضائيات في تطوير معارف الأطفال وتعليمهم وتوسيع مداركهم . كما لا يمكن أن ننسى أيضاً التأثير السلبي لهذه التكنولوجيا في إكساب الطفل سلوكيات ضارة وقيماً وأفكاراً بعيدة عن مجتمعنا . وغياب الوعي الأسري والرقابة المطلوبة من قبل الأسرة تجعل عملية السيطرة على الطفل صعبة جداً .‏‏

ووجود الكثير من مقاهي الإنترنت وغياب الرقابة الصارمة من أخطر الأمور التي بدأت تترك بصماتها واضحة على العائلات . فترك الطفل على هواه بدون توجيه ورعاية من قبل الأسرة وغياب البديل من البرامج الإعلامية الهادفة والتي تخاطب عالم وعقل ووجدان الطفل العربي مما يساعد بدون شك على أن تكون التكنولوجيا الحديثة هذه نقمة وليست نعمة لأطفالنا . إن الاهتمام من قبل الأسرة والمجتمع والأجهزة الإعلامية على اختلاف أنواعها ووسائلها بالطفل وبعالم الطفل يساعد على أن تكون التكنولوجيا الحديثة أداة يمكن أن تكون في مصلحة وفائدة أطفالنا . ولا ننسى المتاعب المهنية التي قد تسببها أجهزة الكمبيوتر من حالات مرضية . ولا ننسى أيضاً ضرورة وجود بدائل وأنشطة تمنح الطفل المتعة كالتي يشعر بها الطفل عند جلوسه أمام الإنترنت مثل ألعاب الفك والتركيب أو إحضار لعبة جديدة كل شهر تشغله عن التفكير في استخدام الإنترنت . والأهم تشجيع الأطفال على القراءة والمطالعة وغرس هذه العادة لديهم . من جهة أخرى توعية الأبناء وقضاء أطول وقت معهم الطريق الأنجح الذي سيمكنهم من الإطلاع والاستفادة من إنجازات العصر , وسيحميهم من مغبة الانحراف والخطأ . ولا سيما أن براءة الأطفال تغيب وسط زحام التكنولوجيا .‏‏

وختمت المحاضرة الأدبية " مناة الخير " محاضرتها بالقول : الطفل هو جوهرة الأمة وثروتها الحقيقية التي يجب الإهتمام بتنشئتها على أسس دينية وتربوية وعلمية ونفسية واجتماعية . وكل هذا لن يتأتى لنا إلا بحسن التربية والتنشئة والمراقبة والمتابعة والتعليم والتثقيف . فالأمة لن تقوم لها قائمة إلا بهم . ولن تندثر وتنحدر وتتلاشى إلا بهم . والأسرة هي بيت القصيد , هي البداية والنهاية , وهي ملاذ الطفل ومأمنه . فلا نتهاون في دورها أبداً .‏‏

JoomShaper