رلى مخايل
لا تزال هواجس "العيب" و"الفضيحة" و"خصوصيات العائلة" و"السترة" و"الشرف" تشكل حاجزاً امام الكلام العلني او التبليغ او حتى رفع شكوى قضائية لفضح الانتهاكات ضد الاولاد والاطفال وصون حقهم في العيش بأمان، وتوفير مقومات تساعدهم في نموّ آمن وتقيهم الشرور في المستقبل للعيش بتوازن واقبال على الحياة. انها آفة التحرش الجنسي بالاطفال موضوع "تابو" ... لا ارقام ولا معطيات احصائية تشير الى مدى تغلغل هذه الآفة في المجتمع اللبناني، برغم انه موجود من دون ان يميز طبقة اجتماعية او طائفة او مستوى علمي او حتى ما بين فتاة وصبي. انه موجود في كل المجتمعات، اذ تشير الاحصاءات العالمية في هذا المجال الى ان الفتيات والصبيان معرضون بالنسبة عينها الى التحرش الجنسي. وللاستغلال الجنسي وجوه عدة، منها التحرش، سفاح القربى، الزواج المبكر، الاستغلال المادي، الاعتداء، والزواج القسري. تقول جرمان فرير، وهي مسؤولة دار الامل في مركز النبعة، ان الطفل الذي يتعرض للتحرش لا يتكلم على الموضوع لانه يكون في حال صدمة خوف وعدم فهم لما يحدث معه، ونحن نحتاج الى متابعة طويلة حتى نتمكن من كشف حالته، ومعرفة وضعه.
ومن الملاحظ، كما تقول دورا متري، وهي عاملة اجتماعية، ان الامهات قد يلجأ الينا للكلام على حالات تحرش باولادهن، اذا كان المعتدي من خارج العائلة. فهن يشعرن بالذنب لانهن غير قادرات على حماية اولادهن. اما اذا كانت حوادث الاعتداء من داخل العائلة، فالامر اصعب، اذ تخشى الام على تركيبة العائلة والفضيحة. والاعداد لا يمكن احصاؤها حتى لو قررنا اعداد دراسة وطنية عن الموضوع، تقول هدى قرى، مديرة دار الامل، "لان هناك تستراً تاماً على الموضوع".
حالات كثيرة والخطر واحد
وتشرح متري، انه في عمر صغير، قد لا يتمكن الطفل من فهم ما يحدث معه، اذ ليس عنده القدرة على التمييز ما بين الخطأ والصواب. وفي هذا العمر يتمكن المعتدي من المساومة والتحايل، اذ يقدم له هدايا في مقابل الخدمات التي يحصل عليها من الطفل. والولد لا يتمكن من فهم هذه الاحاسيس. وتقول: "نلاحظ بعدما يشارك الاولاد في حلقات توعية عن الموضوع ويتعرفون اكثر على اسس العلاقات داخل الاسرة، يبدأون بفهم ما يحدث معهم اذا كانوا ضحية تحرش جنسي من احد افراد العائلة. والحالات المبلغ عنها اليوم ليست الا الجزء الظاهر من جبل الجليد".
حوادث كثيرة ترويها العاملات الاجتماعيات في مجال المساعدة والدعم النفسي والاجتماعي في مراكز عدة منتشرة في العاصمة وتابعة لدار الأمل. ففي بعض الحالات يضغط الاهل والمجتمع للتكتم عن حادثة التحرش او الاعتداء الجنسي خوفا من الفضيحة، فيبقى المعتدي حراً طليقاً. وقد تصبح العاملة الاجتماعية التي تتابع الموضوع في خطر ايضا. فهناك واقعة هي ان فتاة كانت تقترب من سن البلوغ وتتعرض لمضايقات شاب لا ترغب في الخروج معه، غير ان خالها كان يدعم هذا الشاب ويريد ان يكون على علاقة بها. الفتاة تنتمي الى عائلة لا خصوصية فيها، حيث العائلة الكبيرة تتدخل في شؤون بعضها على المستويات كافة. تختفي الفتاة لتظهر بعد مدة مرمية على احد الطرق ومعتدى عليها من الشاب الذي كان يلاحقها. واذا كان من المفترض ان يتم التبليغ عن هذه الحادثة الا ان خال الفتاة لم يرد ذلك خوفا من الفضيحة في الضيعة، ومن ان تتعرض الفتاة للقتل لغسل العار. فضغط الاهل على ابنتهم وأسقطت الدعوى الشخصية. وفي وقت بقي المعتدي يراقب المركز الذي لجأت اليه الفتاة وتكلمت فيه على مشكلتها، وظل يراقب العاملة الاجتماعية التي كانت تتابعها ما كان يعرّض حياتها لأخطار.
لا مراكز متخصصة
لإيواء الأولاد
توجد حالات يصعب فيها إبعاد الولد عن الخطر، اذا لم يتجرأ الاهل على اقامة دعوى قضائية، ولا سيما ان مراكز الإيواء المتخصصة للاطفال غير متوافرة. فهناك حالة فتاة في الخامسة من عمرها كان يرسلها جارهم في الحي البالغ من العمر 60 عاما الى الدكان لشراء اغراض له، ويتحرش بها في شكل عنيف ومؤذ. ما ان علمت الأم بالأمر قصدت احد المراكز الاجتماعية لتبلغ عما يحصل لابنتها، الا انها عادت ادراجها بعدما اجُبرت على التراجع عن تقديم دعوى ولا سيما ان زوجها تاريخه سيئ مع الشؤون القانونية وسجله غير نظيف. ولا يزال المعتدي يقطن الحي عينه والفتاة تخشى الذهاب الى المدرسة، فيما يعمل المركز على متابعتها على المستويين الشخصي والعائلي وقانونيا ايضا. ولا تزال الفتاة في خطر حتى اليوم.
من الحالات اللافتة ايضا وجود 3 فتيات والداهن موقوفان في سجن رومية عند شخص غريب عنهن، يقول انه وجدهن في احدى المناطق واضطر الى ايوائهن. وبعدما علمت المساعدة الاجتماعية التي تتابع قضية الوالدة المسجونة تم الاتصال بمصلحة حماية الاحداث، لكن في احيان كثيرة لا يكون التدخل بالسرعة المطلوبة نظرا لضعف الامكانات المتاحة، اذ ليس هناك اشخاص متفرغون لهذا الغرض. وفي حال صدر امر بحماية الاولاد يبقى السؤال: اين سيتم وضعهم ومن سيشرف عليهم؟ اليوم توجد مؤسسات متخصصة لاستقبال الاطفال ضحايا العنف او التحرش، وايوائهم، انما هناك مؤسسات انسانية تستقبل حالات متنوعة تحت عنوان المساعدة الانسانية.
ولا شك في ان الموضوع يحتاج الى توعية اكثر، اذ ما تزال ردود الفعل على حوادث التحرش الجنسي تنم عن عدم ادراك وفهم لمجرياتها وانعكاساتها. وتخبر نهاد بستاني، وهي مساعدة اجتماعية، انه عندما اتصلت بإحدى المدارس لتخبر المسؤولين فيها الاهتمام بقضية فتاة تلميذة في مدرستهم، تتعرض للتحرش، كانت ردة الفعل ان الادارة ستفصل الفتاة من المدرسة بدلاً من احتضانها.
وهناك حالات تدفع الضحايا الى القتل، كأن يقتل الإبن اباه وهو يراه يعتدي يوميا على اولاده.
القضايا الاشتراعية
الجدير ذكره انه جرى تحديث القانون اللبناني المتعلق بالأحداث، فصدر القانون 422/2002 المتعلق بحماية الاحداث المخالفين للقانون والمعرضين للأخطار. وقد تناول القانون الحدث المعرض للخطر، والذي يشمل الاعتداء الجنسي. وقد نقل هذه التطور الاشتراع اللبناني من الطابع العقابي الى الطابع الوقائي بهدف حماية الاطفال. فعندما تعجز العائلة عن وقف الخطر الذي يتعرض له ولدها اكان من افراد عائلته او من خارجها، منح القانون امكان التبليغ من اجل الحماية القضائية. وهكذا يمكن للقاضي ان يتدخل بناء على شكوى. كما يمكن للقاضي التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي السرعة، وعلى قاضي الاحداث او النيابة العامة اصدار امر باجراء تحقيق اجتماعي في الموضوع.
ووفق مصلحة الاحداث في وزارة العدل، تم التبليغ في عام 2008 عن 44 حادث اعتداء جنسي و23 عملاً منافياً للحشمة، وفي عام 2009، جرى التبليغ عن 28 حالة اعتداء جنسي و36 عملاً منافياً للحشمة.
بين الضحية والمعتدي
لا توجد مواصفات محددة لشخصية الضحية، انما، عموماً، تكون شخصية اكثر انطواء وانزواء وخوفاً وعدم ثقة في النفس. فيصبح الجسد من دون قيمة او تقدير عند الضحية، التي تفقد احترامها لذاتها، لذا، يكون التحرش بداية للانحراف، ويكون الشخص المعتدي هو المسيطر.
اما الاسباب التي قد تدفع الى التحرش، فهي عديدة، منها امراض نفسية، جهل، فقر، عدم احترام خصوصية الغير... ويمكن ان يكون المعتدي ايضاً ضحية اعتداء جنسي في الصغر.
تقول ريتا ابو عتمه، وهي مساعدة اجتماعية، انه لا يوجد الى اليوم "خط ساخن" للتبليغ المباشر عن حوادث التحرش الجنسي او العنف ضد الاطفال. كما ان وضع "الخط الساخن" في الخدمة لا يحل المشكلة، اذ لا بد من تأمين المراكز التي تستقبل هذه الحالات وتوفير الحماية لها. واليوم، يعمل المجلس الاعلى للطفولة على تأمين مستلزمات الحماية للاطفال الذين يتعرضون للأخطار وتأمين حقوق الاطفال الاساسية.
لكن، ما هو المطلوب وفق العاملين في هذا المجال؟ المطلوب رفع قدرات الجمعيات الاهلية العاملة في هذا المجال، انشاء مراكز حماية وايواء، اقرار قانون العنف الاسري، السرعة والتزام اكبر في تطبيق القانون 422 العائد لحماية الاحداث، اضافة الى ضرورة العمل على إعادة تأهيل المعتدي. "نحن كمهنيين نفكر كثيرا قبل ان نبلغ عن حالات مأسوية امامنا، لاننا قد نتعرض للخطر من دون ان تكون لدينا حماية. كما اننا نتأنى كثيرا قبل ان نتخذ قراراً بتشجيع الضحية على ترك العائلة لان مكان الايواء غير متوافر وقد لا تحظى بالرعاية كما يجب" تقول سلام مغربي، عاملة اجتماعية، في خلاصة الكلام.
ولفتت قرى، الى ان دار الامل اشترت منذ 3 اشهر مبنى في الشويفات سيكون متخصصا في ايواء الاطفال وسيشرف عليه فريق عمل متخصص، ولكن نحن لا نزال نحتاج الى دعم مالي لإعادة ترميم المبنى وتجهيزه ليصبح جاهزاً للعمل.
الخوف والفضيحة والعائلة تمنع الإفصاح عن التحرش الجنسي بالأولاد
- التفاصيل