الحرمان الحسي أهم أسباب حركات الطفل «النمطية»
- التفاصيل
خورشيد حرفوش/ (أبوظبي)
- كثيراً ما يشكو الآباء والأمهات من ملاحظتهم لأحد الأبناء بتكرار قضم الأظافر، أو اللعب بالشعر، أو مص الإبهام، أو الرفرفة باليدين، أو هز الجسم، أو عض الشفاه، أو إصدار أصوات معينة باللسان أو الأسنان، أو غيرها من اللزمات الحركية اللاإرادية بشكل نمطي ومتكرر.
لماذا يقدِم الطفل على مثل هذه الحركات؟ وكيف نفسرها؟ وكيف يتعامل معها الآباء والأمهات؟ هل تعد نوعاً من الاضطرابات السلوكية؟
الأخصائي والخبير النفسي روحي عبدات يجيب: "إن الحركات النمطية لدى الطفل حتى بدايات التسعينيات كانت تعتبر أعراضاً ذهنية، ومنذ ذلك الوقت ظل التعامل معها على أنها أعراض لكل من الاضطرابات الذهنية والعصبية، أو أن تكون نتيجة أسباب لا مبرر لها أو غير معروفة. وقد تغيّر تعريف الحركات النمطية عبر العقدين الأخيرين، وانحصر تعريفها في إطار حركات نمطية تسبب أذىً جسدي أو تأثير شديد في الأنشطة الاعتيادية التي يمارسها الطفل. إلى جانب توقع وجود ظروف نفسية يمر بها الطفل مثل القلق، أو ظروف صحية عامة يتعرض، أو على أنها عبارة عن تأثيرات جانبية لعلاج أو عقاقير معينة يتلقاها الطفل، بل يتم التعامل معها كاضطراب مستقل بعيداً عن هذه الظروف الصحية والنفسية. وهذه الحركات يمكن أن تظهر لدى عامة الناس من مختلف المراحل العمرية، بما فيهم الأطفال الصغار والمراهقون، فقد يكون لدى الشخص سلوك واحد من الحركات النمطية أو أكثر، وقد تكون هذه الحركات بطيئة وبسيطة، أو تكون سريعة وشديدة، ومن الواضح أنها تزداد عند شعور الفرد بالملل، والتوتر والإحباط، ويبدو أن هذه الحركات عبارة عن أسلوب لحث الذات، أو أنها تصدر لجلب السعادة، فيما تعتبر سلوكيات غير معروفة. وهي تنتشر بين الرُضّع والأطفال الصغار، وتفيد التقديرات أنه من 15 إلى 20% من الأطفال تحت سن الثالثة يظهرون نوعاً من الحركات النمطية والإيقاعية. ولا شك أن مص الإبهام وهز الجسم هي سلوكيات لجلب الراحة في سن مبكرة، وعادة ما تكون مؤقتة وتتوقف عند سن الثالثة أو الرابعة من العمر، وهي مختلفة تماماً عن اضطراب الحركات النمطية المنتشرة بين أطفال التوحد.
ويوجز عبادات أسباب الحركات النمطية وأعراضها في كونها تصدر نتيجة حرمان حسي "إعاقة بصرية أو سمعية"، أو نتيجة إساءة استخدام عقاقير الأمراض الدماغية، أو لوجود الاضطرابات النفسية الرئيسية كاضطراب القلق، واضطراب الوسواس القهري، أوالتوحد، أو للإعاقة العقلية. وقد تكون الرعاية غير الكافية المقدمة للطفل سبباً في مثل هذه الحركات. وعلى الرغم بأن العديد من المواقف قد تساعد في زيادة الحركات النمطية، إلا أن أسبابها الأساسية غير معروفة، فهناك العديد من النظريات التي قدمت تفسيرات لأسباب هذه السلوكيات كالنظرية العصبية والجينية، ومع ذلك فلا يوجد دليل قوي وواضح يدعم أي اتجاه من هذه النظريات".
ويكمل عبادات: "يرتبط اضطراب الحركة النمطية بشدة مع الإعاقات الذهنية الشديدة والعميقة، وخاصة مع الأشخاص الذين تأويهم المؤسسات الداخلية، والذين قد يكونوا محرومين من المثيرات الحسية الكافية. ويقدر 2-3% من الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية الذين يعيشون في المجتمع لديهم اضطراب الحركة النمطية، فيما يوجد 25% من المعاقين ذهنياً الملحقين بالمؤسسات الإيوائية لديهم هذا الاضطراب، وتصل نسبة انتشار هذا الاضطراب بين المعاقين ذهنياً إعاقة شديدة إلى 60%، بينهم 15% يظهرون سلوكيات تسبب إيذاء الذات. كما ينتشر اضطراب الحركات النمطية بشكل كبير أيضاً بين الأطفال ذوي الاضطرابات النمائية المنتشرة مثل التوحد، واضطراب الطفولة الانتكاسي، واضطراب اسبرجر. ويمكن ملاحظة هذا الاضطراب لدى أطفال "توريت". وتصل تقديرات ممارسة الأطفال لسلوكيات ضرب الرأس إلى 5%، علماً أن الذكور يمارسونها بمعدل ثلاثة أضعاف الإناث، على الرغم من أن السلوكيات النمطية الأخرى تنتشر بشكل متساوي بين الذكور والإناث. وبغض النظر عن ارتباط هذه السلوكيات النمطية بالأمراض النفسية، فهناك بعض الأشخاص ذوي الذكاء الطبيعي والذين يستطيعون رعاية أنفسهم بشكل كافٍ، لديهم اضطراب الحركات النمطية أيضاً".
تعديل السلوك
يشير عبدات إلى أن تعديل سلوك الطفل يرتكز برنامج تعديل هذه الحركات على تغيير السلوك الذي يُشعر الطفل بالمتعة، بسلوك آخر يُشعره بمتعة مشابهة أيضاً عند القيام به، على سبيل المثال: عندما يقوم طفل التوحد بحك ذراع شخص غريب من أجل استجلاب شعور بالسعادة والمرح الناجم عن الاحتكاك الجسدي، فقد يكون بإمكان الوالدين إحضار مجموعة من المواد مختلفة الملامس بحيث يقوم الطفل بلمس أو حك المادة التي تشعره بالسعادة، والتي تجلب له نفس الشعور الجيد بالراحة. وبالإمكان عمل وسادة صغيرة من هذه المادة للطفل أو بطانية لكي يستعملها في الوقت المناسب.
ويوضح عبدات :" إذا كان ضرب الرأس يُشعر الطفل بالراحة، فبالإمكان استخدام تقنيات مختلفة مثل لف الرأس بقطعة قماش يحصل الطفل من خلالها على الشعور المطلوب المفرح بالنسبة له بدون أن يضرب رأسه. أو ببساطة حاول إيجاد نشاط آخر بديل من شأنه أن يشعر الطفل بسعادة أكثر من تلك التي يجنبها من وراء ضرب الرأس. ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن ذات السلوك قد يكون أيضاً هو وسيلة الطفل للتعبير عن ضيقه وعدم سعادته. لذلك، لا بد أن يتاح للطفل ممارسة نشاط ما من شأنه أن يساعد في تهدئته بدون إيذاء للذات أو الآخرين. ويستطيع الوالدان إلحاق الطفل في نشاط هادف بحيث يصبح من خلاله السلوك مقصوداً، على سبيل المثال: إذا كان الطفل يلوي أصابعه أمام عينيه، يمكنك أن تقلّد هذا السلوك وتقول:
"أنا أراك.. شفتك" بحيث تختلس النظر من خلف أصابعك، وكأنك تلعب معه، وبلطف خذ أصابعه والعب بها وضعها أمام وجهه، ويسأله: "هل تراني"؟. وإذا كان الطفل يلف حول نفسه أو حول شيء ما بطريقة غير هادفة، فاطلب منه أن تلعب معه، وبإمكانك حينها أن تمسك يديه وتجعله يلف حولك، وتلف معه في الوقت الذي تقومان بغناء أنشودة يحبها الطفل، أو مرتبطة بهذا الموقف. وإذا كان الطفل يقفز إلى الأعلى، فبإمكانك أن تقول له: أنا أقفز أكثر منك، وتبدأ بالقفز معه، وإذا كان الطفل يغلق الباب ويفتحه بشكل متكرر، فبإمكانك أن تأتي بوجهك خلف الباب بحيث عندما يفتح الباب تفاجئه بالضحك، أو تعمل حركة معينة في وجهك كالابتسام مثلاً، بحيث تلعب مع الطفل وتشعره بالمرح"