مما لا شك فيه أنّ مجتمعنا يزخر بالأطفال الموهوبين في المجالات المتنوعة. فهناك الموهوبون في مجال الإنترنت والحوسبة،وهناك الموهوبون في مجال الرياضيات، والموهوبون في مجال العلوم، وغير ذلك من المجالات...
الطفل محمد صلاح طه، من قرية شعب ، هو من هذه الفئة الموهوبة، يعشق كتابة الشعر والقصائد والخواطر، ويستحق، برأيي، أن يطلق عليه لقب "الشاعر الصغير".
محمد هو تلميذ في الصف الخامس في مدرسة "جليل" العربيّة اليهودية المشتركة- ثنائية اللغة. نشأ وترعرع في قرية شعب الجليلية. والداه يعملان في وزارة التربية والتعليم، ولهما الدور الرئيسي والكبير في تنمية مهارته الكتابية.
أود أن أعترف أن قصائد الطفل، والتي يتم نشرها عبر الشبكة العنكبوتية، كانت تصلني من الإعلامي نادر أبو تامر والمربية هيفاء مجادلة التي استضافته في ندوة خاصّة جمعته مع طلابها في مدرسة القاسمي، كما ساهمت في نشر قصائده وأشعاره إيمانًا منها بموهبته الإبداعيّة المتميّزة.
لفتت نظري قصائد شاعرنا الصغير، والتي تربّعت على مواقع الانترنيت، لفتتني بأسلوبها ومضامينها، ودفعني ذلك إلى إجراء مقابلة معه، حتى يتسنى لمجتمعنا التعرف على هذا الطفل الموهبة، آملاً أن يكون ذلك حافزًا ودافعًا لأطفال آخرين في تنمية وصقل مهاراتهم ومواهبهم المتنوعة.
هل لك أن تعرّف نفسك؟
إسمي محمد صلاح طه، عمري 10 سنوات، أعيش في قرية شعب، أتعلم في مدرسة جليل ثنائية اللغة، من هواياتي: كتابة الأشعار، كرة القدم والمطالعة. في المدرسة أحاول دائمًا أن أساعد الآخرين، أحترم الطلاب، الطالبات، المعلمين والمعلمات.
كيف بدأ عشق محمد لكتابة القصص والأشعار؟
بدأت كتابة الأشعار حينما عشت فترة الحرب على غزة، فأخرجت مشاعري وأحاسيسي لأكتب أوّل قصيدة لي، ومن هناك بدأت أتعرّف على الشعر والشعراء، وأمارس هواية الكتابة الشعرية، بعد ذلك بدأت بنشر قصائدي في المواقع الإلكترونية، والصحف المحلية، بمساعدة والدي وزملاء له، وعن طريقها تعرّف عليّ الناس، وحظيت بمحبة جزيئة من القرّاء، وإن شاء الله سأكمل مشوار الكتابة.
كيف تختار الموضوع الذي تكتب عنه؟
أختار الموضوع حسب ظروف القصيدة، فإذا وقعت حرب، أخرج أحاسيسي وأكتب عن الحرب، وإذا كنت أريد أن أطلب شيئًا من والديّ وأنا على علم أنهما قد يرفضان طلبي، أكتب الطلب بنمط القصائد، وحينما لا أستطيع المقاومة بجلوسي على الأريكة ومشاهدة التلفاز، أدخل إلى غرفتي وأحاول كتابة قصيدة. وأحيانًا حينما أقرأ أشعارًا لمحمود درويش، الشّاعر الفلسطيني المشهور، تبدأ الكلمات تتزاحم في ذهني، فأحاول ترتيبها على شكل قصيدة.
هل تعتقد أنك ولدت طفلاً موهوباً؟
أولاً كنت طفلاً عاديًا مثل بقية الأطفال، ولكن حينما رأيت الحرب التي شُنّت على غزة على شاشة التلفاز، وبدأت أسمع الناس يتحدثون عنها، أخرجت كل مشاعري لأكتب قصيدة أولى، ومنذ ذلك الحين بدأت أخرج كل ما لدي شعرًا، قصائد يعجب بها الناس، ولذا أعتقد أنني طفل موهوب جزئيًا، لأني لم أسيطر على موهبة الشعر بصورة كاملة.
هل تعتبر نفسك طفلا قارئا؟ من شجّعك على القراءة؟ ماذا تقرأ؟ هل تؤمن حقا أن الكتاب خير جليس في الزمان؟
نعم أعتبر نفسي طفلاً قارئًا، فإن أخبرتكم كم أقرأ في اليوم فلن تصدقوا، فالكتاب أصبح رفيقي في كل مكان.
أولاً حينما كتبت أول قصيدة، بدأ أبي يحثني على القراءة، ومن ثم العائلة كلها، والتي كانت قدوة كبيرة في بناء مستقبلي.
أقرأ الشّعر والقصص والروايات والمقالات، وكل ما يقع بين يديّ أقرأه.
نعم أؤمن أن الكتاب خير جليس، فلو لم يكن رفيقي لما أصبحت شاعرًا، فهو الذي يبني مستقبلك، إمّا أن تتركه وتتراجع إلى الوراء، وإمّا أن تصحبه معك لتنسج مستقبلك.
كم كتابًا قرأت حتى الآن؟
لا أستطيع التحديد بالضبط كم كتابًا قرأت، ولكن أستطيع القول أنني قرأت مئات الكتب، فأبي كان يعطيني كل أسبوع رزمة كتب تحوي عشرات الكتب، وكذلك أحضر لي مجموعة أحببتها تحوي 300 كتاب، وهناك كثير من الكتب التي تتواجد في مكتبة بيتنا، وأنا أقرأ اليوم كتبًا أعلى نسبيًا من عمري.
أُلاحظ أنك تركّز على كتابة الشعر، وتقلّل من كتابة القصص النثرية أو المقالات، لماذا؟
لأني أجد في الشعر وسيلة تعبير أحبها، فمن خلال الشعر أستطيع إخراج كل مشاعري التي تشغل فؤادي، وأعتقد أنه يجذب القرّاء.
رأيت لك صورة في احد المواقع بجانب ضريح محمود درويش، متى بدأت علاقتك به؟
بدأت علاقتي به بعد موته، حينما علمت أنه شاعر وطني ومحبذ لدى الجميع، بدأت أقرأ له الأشعار والقصائد حتى أحببته حبًّا جمّا، وبدأت أكتب أشعاري بنمط كتاباته، وأيضًا كان حلمي في ذاك الوقت أن أزور قبره، وحينما تحقّق الحلم، كتبت قصيدة له. ولأكون صادقًا، هو أيضًا كان قدوةً لي بكتاباته، وأحيانًا أعتقد أنه ما زال على قيد الحياة، ففعلاً، "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، ومحمود درويش أثّر فيّ حينما ترك حياته ببصمة موقّعة بعدم الاستسلام.
قصائدك وصورك غزت المواقع والصحف المحلية، وشاركت في برنامج إذاعي، وتمّت استضافتك في ندوة طلابية، ماذا منحك الظهور إعلاميَا وأنت في هذا العمر المبكر؟ ألا تعتقد أنك قد تفقد طفولتك نتيجة كتاباتك وشهرتك على مستوى الوسط العربي؟
لأكون صريحًا، شعرت ببعض الحزن والحرج، فتصور شاعرًا في فجر عمره أصبح بلمح البصر شاعرًا يقرأ له الجميع، ويدعونه إلى مقابلات مع الذين أكبر منه، فأشعر أحيانًا أنني أفتقد طفولتي، فلا أريد أن أعيش عيشة الكبار في هذا العمر.
نعم أشعر أنني أفتقد طفولتي أحيانًا، فحينما يناديني أبي مثلاً ليريني قصيدتي الجديدة التي نُشرت في المواقع الإلكترونية، أحاول قدر المستطاع أن أظهر الاهتمام والمبالاة لبهجته، وأحيانًا ينظر إلي خلسةً ويراني غير مبالٍ فيسألني: ألا تهمك هذه الأمور؟ أشعر حينها أنّه يعاملني معاملة الكبار.
أين ترى نفسك بعد إنهائك دراستك الثانوية؟
أرى نفسي بعد إنهاء دراستي الثانوية متربعًا على قمة الشعر، ناضجًا متعلمًا، وربما في ذاك العمر أظهر اهتمامًا أكبر للقصائد التي تنشر لي.
ما الذي ينقص الأطفال بعمرك كي يصبحوا مثل محمد؟
أولاً أنا طفل مثلهم، ولكي يصبحوا مثلي أنصحهم بالمطالعة وقراءة الكتب، فأنا أخصص يوميًا ساعة ونصف لمراجعة دروسي العادية، وساعتين للقراءة الحرة وللكتابة الشعرية.
ما هي أمنيتك في الحياة؟
لأكون صريحًا، أمنيتي هي أن لا أكون شاعرًا، بل لاعب كرة قدم، فأنا أجد فيها المتعة والتعاون مع المجموعة، والفوز والخسارة، وكل هذه الصفات أحبها، وأحبذها، وأفضّلها عن بقية هواياتي.
من هو مثلك الأعلى في الحياة؟
مثلي الأعلى هو جدي، فأنا أذهب إليه كلّ عطلة أسبوع، وهو يحدّثني عن الشعراء القدماء، ويقرأ لي بعض الأشعار، وخلال يومين أتواجد عنده أتعلم ما يوازي أسبوعًا كاملاً.
كلمة تهمس بها للأطفال في عمرك، ماذا كنت تقول لهم؟
لكل أطفال العالم أقول: قد لا تحبذون الشّعر مثلي، لكن لكلٍ هوايته، أنصحه بممارستها كي يتقنها، وأنصحكم كذلك بالقراءة فهي مفتاح كل شيء.
بجملة واحدة، ماذا تعني هذه الكلمات لمحمد:
العائلة: جرعة أمل تحدد مصيرك، إمّا أن تكون سعيدًا فيها، أو لا تكون. العائلة تنسج خريطة سعادتك بانتظام، تعطّر حياتك بالحب وبالسعادة.
المدرسة: تُعلّم ما لا تَعلم، فيها ترافق أصحابًا جددًا، وتبني فكرًا.
المال: لا يهمني، ولا أفضّله، فهو أحيانًا يجلب الخصومات بين الناس. وأطلبه إذا أحتجته.
الكتاب: خير رفيق في كل مكان وكل زمان، هو يعطيك من دون أن تعطيه.
الكذب: كم أكره هذه الصفة، فهي تجلب الخصومات.
التعاون: هو عملُ يحبّه الله ويفضّله، التعاون يعطي المحبة والمساعدة والإخلاص في كلّ مكان وزمان.
الموهبة: هي هبة من الله، ولكلّ إنسان موهبة يتقنها.
الحياة: هي نعمة الله، علينا أن نستغلها ونفرح بها.
في ختام لقائنا مع الطفل الموهبة، نبارك لأهله على هذه الموهبة.
ونناشد جميع الأهالي أن يعملوا على تنمية مهارات ومواهب أبنائهم وبناتهم وتطويرها. ونتمنى أن تعمل قيادة الوسط العربي على إيجاد وإنشاء إطر ملائمة لمواكبة هؤلاء الطلبة الموهوبين.(شاهين صرصور)
لقاء مع الشاعر الصغير محمد صلاح طه
- التفاصيل