القاهرة: دار الإعلام العربية
قد لا يخطر على بالك أن كثيرا من المآسي والعنف التي يتعرض لها الأطفال تكون من أقرب الأقربين.. والأغرب عندما تفاجأ بدراسة حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية تكشف أن العنف الشديد ضد هؤلاء البراعم من الأبوين يهدد 37% من الأطفال، حيث أصبح كثير من الآباء يضربون أبناءهم لأسباب لا تستدعي العقاب، وأحيانا يستخدمون في هذا العقاب الضرب بأساليب غير آدمية بحجة تأديبهم، وتطلعنا الصحف يوميا على عقوبات تتم من الآباء تحت ستار التأديب.. حرق وكي وضرب بآلات حادة أو عصي غليظة بحجة عدم الطاعة أو عدم الالتزام بالتعليمات.. «الحواس الخمس» رصد قضية العنف الأبوي وأثرها في الأطفال في الصغر والكبر.. مروى.أ، امرأة في بداية الأربعينات من عمرها بكت طويلا عندما سألتها عن محمد ابنها الذي جاء إلى الدنيا بعد 3 بنات، وقالت: محمد راح ضحية تصرفات والده العنيفة، كان يضربه من دون سبب وعلى أقل خطأ ضربا شديداً بحجة تأديبه، وحين كنت أتشاجر معه كثيرا بسبب قسوته على ابننا يرد عليّ بأن هذا الولد جاء وسط 3 بنات، ويظن أننا نضعه في مكانة خاصة من الدلال والدلع ولذلك يتصرف بغرور، وقال لي: يجب أن يفهم أن الابن المدلل مصيره الفشل. وعلى الرغم من اعتراضي على هذا الظلم فإنني طلبت منه أن يعاقبه عندما يخطئ خطأ يستحق العقاب، حتى جاء محمد يوما من المدرسة الابتدائية التي كان يدرس فيها في السنة الأولى وزيه الجديد مقطوع بسبب مشاجرة مع زملاء له، وأثناء سؤالي له خرج والده وسأله: «لماذا تشاجرت؟»، فرد عليه بأنهم أهانوه أمام زملائه وتحدوه، فما كان منه إلا أن ضربه بكل قوته ورفعه الى أعلى ورماه على الأرض فكان جثة هامدة في لحظة واحدة.
هذا واحد من المبررات التي يمارس خلالها بعض الآباء عنفا غير مشروع مع أطفالهم بالإضافة إلى الفشل في المدرسة لكثرة اللعب أو محاولة أن يجعلوا منهم رجالا، أو بحجة أن أنهم لا يسمعون الكلام، وغيرها من المبررات.
والدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية في مصر وجاءت نتيجة مسح دقيق كشفت أن 37% من الأطفال آباؤهم ضربوهم أو ربطوهم بإحكام، وأن 26% منهم أبلغوا عن إصابات أو كسور أو فقدان الوعي، وبعضهم تعرض إلى إعاقة مستديمة نتيجة هذه العقوبات، وأشارت الدراسة إلى أن نسبة كبيرة من أسباب اعتداءات أحد الأبوين على الأطفال غير معروفة، نظراً إلى خوف الأطفال من الإعلان عما يحدث لهم.
قسوة وانتقام
والغريب أن الأمهات اللاتي يعتبرن الأكثر حنانا وعطفا على فلذات أكبادهن يدفعهن الانتقام إلى قتل أو تعذيب أبنائهن إذا انفصل الزوج عن الزوجة أو اعتدى عليها بالضرب، وهذا ما جعل أحمد.س.م يبكي منذ وفاة ابنه تحت تعذيب والدته عام 2009 قائلا: كنت أختلف مع زوجتي كثيرا فقد تزوجتها بعد طلاقها من زوجين قبلي حيث كانت حادة الطباع وانتقامية بطبعها فإذا اختلفت معها لا تطبخ ولا تقوم بأي واجبات في المنزل، وعندما أسألها تقول إنها ليست خادمة وعليّ أن أستأجر خادمة تقوم بشؤون البيت، وأخيراً هجرتها وتزوجت من أخرى وأخطرتها بذلك، فبدأت معي في معارك شديدة لم تسلم منها زوجتي الجديدة، وفي يوم من الأيام تم الاتصال بي لأن ابني في المستشفى، وكانت آثار التعذيب شديدة جداً على جسده ورقبته بسبب ربطه بالحبال وضربه بعصا غليظة وحرق وكي وحرمان من الماء والطعام، ومات ابني بسبب ذلك، وللأسف لم أر دمعة واحدة تنزل منها حزنا عليه، فقدمت بلاغا ضدها في قسم الشرطة بشهادة الجيران.
الطفل العربي ونظيره الغربي
ويعلق د. محمد المصري أستاذ علم الاجتماع بأن مثل هذه المرأة التي تقتل ابنها انتقاما من زوجها من المؤكد أنها تعاني مرضا نفسيا، وقال إن الطفل للأسف في مصر والدول العربية يجهل حقوقه، وليس مثل الطفل في الدول المتقدمة الذي من حقه أن يطلب حماية الدولة عبر الاتصال برقم يتم تحفيظه له منذ الصغر، ولذلك الطفل لدينا يحكمه الخوف الشديد، خاصة إذا كان الذي يمارس معه العنف أحد أبويه.
وأضاف أن العنف ضد الطفل يؤدي إلى إضعاف شخصيته واهتزازها أمام زملائه وأقرانه، ويتملكه إحساس بالإحباط والضياع، وتكون تلك الصورة راسخة في ذهنه، وعندما يكبر يكون ميالاً للانتقام، وهذا ما ظهر على الطفل أسعد، الذي يقول والده إن أمه كانت عصبية تضربه شكل مستمر، وأنه نصحها بأن تصادقه وتعامله بحنان قبل سفره للعمل في الخليج، لكنه فوجئ بعد سفره باتصال من جاره بأن زوجته وشقيقها يضربان ابنه بشكل غير تربوي، بل أصبح يبادلهما الضرب والعنف، وتصل شتائمهم إلى أقصى الشارع، وبعد ذلك أصبح الابن عدوانيا ويميل إلى العزلة ولا يتحدث كثيراً، ولكنه يحاول أن يأخذ في البيت أي شيء بعنف؛ إذا لم يعجبه الأكل يركل الطاولة بما فيها، وإذا طلب شيئا لا يصبر بل يريده دون نقاش، ورغم محاولات الأب مع الطفل إلا أنه أصبح أكثر عدوانية.
صباح محمد حسن قالت: انفصلت عن زوجي بسبب اعتدائه عليّ وعلى ابنه وابنته بشدة يوميا ولأتفه الأسباب، وكان سبب انفصالي الحقيقي عنه عندما حضرت من السوق ووجدته يربط ابني بأحد الأعمدة داخل المنزل ويضربه بعنف لأنه تشاجر مع أخته ولم يتركاه ينام براحته، وقال إن الولد صوته عال ويجب أن يُربى، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل اعتدى عليّ أنا أيضا بالضرب المبرح وعلى ابنتنا من بعدي، فلم يكن أمامي إلا أن أخرج من هذا المنزل، وأخذت ولديّ وذهبت إلى منزل أسرتي، والآن الولد والبنت في حالة نفسية سيئة، وجاءت نتيجة ابني سيئة جداً، بل مستواه الدراسي في تراجع شديد، وقدرته على الاستيعاب أصبحت ضعيفة، وكذلك أخته، وأنا الآن طلبت الطلاق وفي انتظار قرار المحكمة خوفا على ولديّ ومستقبلهما.
غياب القوانين والتشريعات
ويرى د. يسرى عبدالمحسن، أستاذ الطب النفسي أن أغلب حالات العنف التي يمارسها الآباء على أبنائهم هي تنفيس عن الضغط النفسي الذي يقع عليهم، وهذا ظلم يقع على الأطفال الذين لا قوة ولا قدرة لهم للدفاع عن أنفسهم، مشيراً إلى أن الطريقة التي يتم بها تأديب الطفل تعرض الطفل إلى عوامل نفسية سيئة، ويتم ذلك كله في ظل غياب قوانين وتشريعات لحماية الأطفال بشكل صريح، وقال إن مثل هذا العنف موجود بكثرة من الآباء تجاه أطفالهم، وهذا شيء خطير مع غياب مراكز لتأهيل الطفل من جديد، فهي مراكز تحتاج إلى خبرات كبيرة وإعداد جيد، وطالب المجتمع بأن يقوم بدوره في الضغط على المسؤولين لتوفير الحماية للأطفال.
إبراهيم ناصر (مهندس) قال: إن زوجتي ظلت تعذب ابني من زوجتي المتوفاة بشدة دون أن أدري، لأنها تعامله أمامي معاملة طيبة وكأنه ابنها، وكنت سعيدا بذلك، ولكني لاحظت عندما تحاول أن تمثل عليه الحنان والحب في حضوري لا يتجاوب معها، بل تكون نظراته مركزة في عينيها وهو متجهم، وخلوت به مرة وسألته عن حاله، ولماذا يتعامل مع أمه هكذا، فلم يفصح، بل أكد أنها ليست أمه. فهمت أن هناك شيئا غامضا، فسألت زوجتي بعد أن نام ابني عن علاقتها به، فهاجت وغضبت وشتمت فيه اعتقادا منها بأنه وشى لي بمعاملتها له في غيابي، فطمأنتها بأنه لم يقل عنها شيئا، ولم تقتنع، وذهبت إلى عملي صباحا، وعدت فوجدت ابني تعرض لتعذيب وضرب مبرح، ولم تستطع أن تخفي آثاره، ومجرد دخولي جلست هي تبكي وتلطم وتقول إن ابني اعتدى عليها بالضرب من دون سبب. فجأة أدركت أن الموضوع أكبر من ذلك دخلت حجرة ابني وجدته في حالة تحتاج إلى طبيب بشكل عاجل، واستدعيت الطبيب في المنزل وأكد أنه تعرض لتعذيب بدني ونفسي سيئين جدا، ومن دون رحمة. وعندما واجهتها قالت إنه لعب ووقع على الأرض عندما كان يضربها، لم أتحدث كثيرا. طلقتها فورا، ولا يزال ابني يعالج لدى طبيب نفسي، ولايزال صامتا لا يتحدث إلا قليلا جداً، مع نظراته الصارمة لكل شيء.

JoomShaper