الكثير من أهالي الأطفال يرون في اقتناء الألعاب الإلكترونية بعض الفوائد كأن تحد من خروج الطفل خارج المنزل أو بديلاً من أخذ أبنائهم للحدائق أو النزهات نظراً لانشغالهم وارتباطاتهم، ومن ثم يحرصون على توفير كل ما يريده الطفل وهم لا يعلمون أنهم يغرسون مبدأ الكسل والخمول في أبنائهم وصرفهم عن التحصيل الدراسي إضافة إلى اكتساب سلوك وحالات مرضية نتيجة الالتصاق الشديد بهذه الألعاب الخطرة، وقد يقول البعض: إن هذه الألعاب فيها ما ينمي قدرات الطفل العقلية، مع العلم أن الكثير منها عكس ذلك فهي تعد أكثر ضرراً على العقل والإبداع، كيف لا والطفل يبقى ولساعات طويلة مشدود الذهن وربما مفزوع وخائف ومتوتر أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر لمتابعة جملة من الألعاب ذات الثقافة والمرجعية التربوية المستوردة.
علاوة على ما تسببه هذه الألعاب الإلكترونية من أضرار نتيجة ما تفرزه من إشعاعات وذبذبات على جسم الطفل، وما يصاحب ذلك لاحقاً من تهيئات وأحلام مفزعة أثناء الليل لبعض الأطفال وخصوصاً تلك الألعاب، والقصص، والمشاهد المرعبة المتوافرة على الأقراص المدمجة التي تؤدي أيضاً إلى إطلاق العنان لخيال الطفل في أمور متناقضة.
ويقول علم الاجتماع: إن الطفل عادة يتأثر بالحركة والألوان والانفعالات التي تبث عبر شاشة الكمبيوتر ومن ثم يتولد لديه إحساس تلقائي للمشاهدة والانجذاب، وربما قلة إدارك الطفل للخطر الذي يواجهه من خلال تلك الألعاب هي الدافع الحقيقي للعب.
ويحذر علم النفس أيضاً من خطورة إدمان الألعاب لأنها سوف تجعل الطفل في المواقف الطبيعية يتخيل نفسه إحدى شخصيات الألعاب فيلقى بنفسه من منزله أو يضرب صديقه بسكين، وهو يعتقد أنه يحاكي أحداث اللعبة. وأكد أهمية التعامل مع الأطفال بحذر، ومحاولة إدماجهم في واقعهم الحقيقي بدلاً من تركهم عرضة لهذا المحتوى العنيف والدموي، وأنه يجب أن يحرص أولياء الأمور على المتابعة الدائمة لمضمون الألعاب التي يلعبها أطفالهم، مؤكداً ضرورة التركيز على الألعاب التي تنمي الذكاء عند الأطفال كألعاب الذكاء التي تعتمد على العمليات الحسابية وتكوين الأشكال.
ويؤكد الطبيب النفسي محمد عمران، أن الطفل عادة يتأثر بما يتعرض له ويحاول تقليده وخاصة في المراحل العمرية الأولى حتى سن 7 سنوات مشيراً إلى أنه يتعرض يومياً لحالات الأطفال العدوانيين الذين يرفضون الواقع الحقيقي ويحاولون التعايش مع الألعاب التي تصبح عالمهم الجديد.
ويشير عمران إلى أن الأمهات هن المسؤولات عن ذلك من خلال عدم احتواء الطفل وتركه لساعات طويلة أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر دون رقابة، ومن هنا تبدأ الخطورة وخاصة أن التعرض لتلك الألعاب قد يسبب تحول الأطفال إلى شخصيات انفعالية وعدوانية، وعلى المدى الطويل يتحولون إلى عالم الإجرام إذا كان الاستعداد لديهم مسبقاً وعوامل التأثير متاحة.
تجاه كل هذا ماذا نحن فاعلون؟ في أستراليا تحرّكت مجموعة من البرلمانيين لوضع حد على الألعاب التي تحوي في طياتها عنفًا وجنسًا، فلعبة Nite Trap، صودرت ومنعت من الأسواق بأمر المحكمة حتى صدور تصنيف حكومي لتلك الألعاب كما في الأفلام (للكبار فقط)، ويقترح التقسيم العام (كل الأعمار)، وعاماً (للأطفال فوق سن الثامنة)، وبالغين (لمن هم فوق سن 15سنة) ومحدوداً (لمن هم 18 سنة فما فوق فقط)، ومرفوضاً Refused R منعاً مطلقاً. وبذلك التقسيم والمراقبة والترتيب، قد تزول بعض مخاوفنا (لا كلها بالطبع)، وفي بعض المدن الأميركية يمارس عمدتها التدقيق على بيع، وشراء، وتأجير الألعاب الإلكترونية مانعين ذلك بتاتًا خلال ساعات الدرس وأيام الدراسة، وبالطبع فإن مسألة المنع التام ستعيد إلى أذهاننا (تفاحة آدم) المحرمة، وأن كل ممنوع يصير مرغوبًا أكثر، لا لشيء إلا لأن أهم ما في الموضوع هو ضمير الإنسان نفسه، ولي أمر كان أو مراهقاً أو بائعاً، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الوالدين لأنهما المتحكمان في عملية الشراء واللعب والوقت لأولادهما كما يجب أن يراقبا بحذر وبحب عملية اختلاط الأولاد بأولاد آخرين، وتبادلهم تلك الألعاب وتوخي ضرورة التعاون والتواصل مع أولياء الأمور الآخرين بغية تكوين شبكة اجتماعية متآلفة ضد خطر عنف اللعب الإلكتروني بكل ما يحويه من دمار نفسي وعصبي، ولمنع تلك الآفة من أن تصبح وباء، من أجل تحقيق وعي اجتماعي عام يتمحور حول أخطار استخدام تلك الألعاب وآثارها الجانبية وخاصة على النشء. هذا ما قامت به بعض الدول التي قد تكون من الدول المصنعة لهذه الألعاب فماذا عنا نحن هل سنبقى الطرف المتلقي المغيب عن كل ما حوله؟ وهل سيبقى الطفل العربي ـ رغم كل الحظر عليه ـ عرضة أكثر من غيره للتلصص وسرقة الوقت، المكان والزمان، لممارسة تلك الألعاب خلسة في البيت أو مع صاحب، دون رقابة أو في نواد ومقاه (الإنترنت كافيه)، حيث المكسب المادي لمالكيها هو الحَكَم لا غيره؟
إذاً فنحن نحتاج إلى نظرة بعيدة، إلى خطة محكمة، ربما إلى لجنة مستقلة تتأمل ما كان، وما سيكون، ترصد مواطن الخطر، تحدد المشكلات التي قد يتسبب بها الكمبيوتر وألعاب التلفزيون والآثار المحتملة للعب الإلكتروني.