هاشم سلامة
اثبتت ابحاث قام بها الدكتور هام جينوت استاذ علم النفس بجامعة نيويورك ان قسوة الآباء على الأبناء توغر صدور الصغار وتحول عاطفة البنوة نحو الأب الى علاقة عداء لا ارادي، لدرجة ان بعض الابناء ينحرفون ويرتكبون اعمالاً معادية للمجتمع، وان هذه النتيجة للعقاب القاسي تدعو الآباء الى تجنب انزال العقاب العنيف بالأطفال، لأن اسلوب العنف ضد الاطفال يقطع خيوط الحب بين الآباء والأبناء. على الآباء ان يدركوا ان الطفل كائن ضعيف في الأسرة والمجتمع، ويحتاج الى وقت طويل، وصبر حتى يتعلم انماط السلوك التي تنسجم مع عادات المجتمع والأسرة وقوانينها، ويقول جينوت ان العقاب المبرّح لا يجدي في عملية التربية، وان العقاب لا يردع الطفل عن ارتكاب الخطأ، بينما اسلوب الارشاد والتوجيه والوعد بالمكافأة للطفل يجعله اكثر تقبلاً للنصيحة والتوجيه، هذا من الناحية النفسية، ولكن ماذا عن النتائج الجسدية، ان الضرب المبرح يترك اثاراً جسمية ضارة كفقدان الطفل للسمع في حالة صفعة بشدة على صدغه، او الحاق اذى بعينه في حالة الصفع الحاد على الوجه، او الكسور، او تهتيك احشائه في حال ضربه على بطنه.. وغير ذلك من الاضرار.
واضافة الى النتائج السلبية على وجدان الطفل او جسده، فقد اكد الدكتور اوفريل جرين في مؤتمر للأطباء في مونتريال بكندا حول كيفية التعامل مع الأطفال: ان القسوة اضافة لنتائجها الوجدانية والجسدية، فانها توقف نمو الطفل، واستدل على رأيه بحالات عرضها في المؤتمر، واستشهد بحادثة طفل عاقبته امه، بحرق يده لأنه يأخذ مأكولات من الثلاجة دون اذنها، ولما جاء هذا الطفل الى عيادة د. جرين لاحظ لدى فحصه ان الصدمة العصبية والنفسية التي تلقاها الطفل قد سببت عجزاً في الغدة الصماء المسؤولة عن افراز هرمون النمو، ولدى نقل هذا الطفل الى احدى دور التربية، لم يتلق دواء بل تلقى جرعات زائدة من الحنان من قبل الأم البديلة بتلك الدار, وخضع لهذا العلاج التربوي لمدة عامين، تحسنت حالته بدرجة كبيرة.
ويقول الدكتور فينسينت فونتانا مدير مركز الرعاية الاجتماعية للأطفال في مدينة نيويورك، ان الضرب هو اسوأ الوسائل التربوية، ويوصي بأنه في حالة عدم جدوى الطرق الاخرى، فانه لا بأس ان يلجأ الأب للضرب البسيط الرادع ولكن ليس قبل سن الرابعة من العمر.
ويعزو مونتانا المعاملة القاسية من قبل الآباء والامهات الى توتر الاعصاب الناجم عن ارهاقهما في العمل خصوصاً في الأسر متعددة الاطفال. وقد يكون ذلك انعكاساً لسوء المعاملة التي يتلقاها احد الابوين من مسؤوليته في العمل، فيفرّغ شعوره الحاقد بابنه، كما ان الاسر المفككة كهجرة الأب، وغياب الام عن المنزل والشجار الحاد بين الاخوة، وبطالة الأب وابنائه الكبار عن العمل، او اصابته بمرض نفسي، كل هذه الظروف تسبب جو القسوة العام في المنزل، فنرى الأب يضرب الزوجة، والزوجة تضرب الطفل، والأخ الكبير يضرب الأصغر سناً وهكذا، فمثل هذا الأمر بحاجة الى رعاية شاملة للأب والأم والأبناء معاً، وحل مشاكلهم من قبل المؤسسات الاجتماعية، حتى تعود مثل هذه الأسر الى جادة الصواب وذلك بالارشاد والتوجيه وبالاعانات المالية التي تساعد في سد احتياجات الاسرة المنخرطة في حالة العقاب والقسوة المتبادلة. كما يجب ان تكون ظروف عمل الوالدين مريحة، وان لا تشوبها قسوة أرباب العمل، وهذا يتطلب حسبما يقول الدكتور فونتانا جهوداً مشتركة بين الاسرة والمؤسسات التربوية واماكن العمل، ومعالجة المشكلة من كافة جوانبها. فخلق الظروف الهادئة بالعمل تؤدي الى هدوء ورضى في نفس الابوين العاملين ينعكس بدوره على المنزل وافراد الاسرة، وبالتالي فان الاطفال هم اول من يجنون ثمار هذه الجهود المشتركة، فتخف القسوة، وتنتفي أسباب العقاب، وتعيش الأسرة بهدوء وسلام.

JoomShaper