تتيح غرف الدردشة مساحات واسعة لتبادل الحوارات المفتوحة بين الأشخاص، من مختلف الأفكار والأعمار، أماكن تتسع لكل من دخلها اتساع الكون، وبين الحوارات الجادة والهادفة والنقاشات التافهة، يتباين الهدف من استعمال هذه الغرف، فلا قيود ولا حدود على أحاديث تريح المستعمل، وتشفي غليله، كل حسب توجهه وحسب ما يطمح له من خلال هذه الحوارات الساخنة أحيانا.
ففي كثير من الأحيان يستعمل شاب أو شابة اسما مستعارا للدخول في هذه الغرف، وتكون البيانات التي يستعملها أي منهم غير صحيحة، فيوهم الطرف الآخر بصدق حديثه، وتتطور العلاقة الافتراضية أحيانا وتبنى عليها أشياء غير حقيقة، ومن تم يدخل في علاقات اجتماعية وهمية، وقد تثار مواضيع مخالفة للسلوكيات، أو تنتج عنه علاقات غير سوية في غالب الأوقات، وهي تؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية لمستعملي هذه الطريقة في الحديث. وفي هذا الإطار نسوق قصة ربما تشابهها آلاف القصص الأخرى الغريبة التي تتعلق بانتحال شخصية أو شخصيات متعددة افتراضية، يتحدث الفرد من خلالها بأكثر من لون وشكل، هكذا كانت فتاة تجد متنفسها في هذه النافذة المطلة على العالم، بعد انتهائها من واجباتها الدراسية، كونت شبكة علاقات مع صديقاتها المقربات جداً، يتقاسمن أفكارهن الصغيرة وشغف هواياتهن، واندفاعهن نحو الحياة وأحلامهن البريئة، وفي يوم دخلت على نفس الخط من النقاش فتاة أخرى، فتقاربت ميولهما وتوطدت العلاقة التي ظلت خلف الأسلاك، وبعد مرور سنوات عن تبادل الأفكار، كانت رغبة الطرفين تميل إلى رفع الستار والتخلي عن الغموض، تبادلا أرقام هواتفهما الشخصية، وظل الحديث مستمرا، إلى يوم بدأت التجاوزات وانكشف المستور، فأحد الطرفين كان ينتحل صفة فتاة وهو شاب في مقتبل العمر، وفي الجهة الثانية كانت هناك طفلة لم تقو على التخلص من هول الصدمة، أخبرت أهلها، فبحثوا عن الشاب وأخبروا أهله، وكانت الصدمة كبيرة جدا عليهم، لأن شخصيته الحقيقية مختلفة تماما عما قيل عنه، هو طالب نجيب، أخلاقه عالية جدا، والأهم من ذلك كله أنه ملتزم بصلاته في أوقاتها، أما غرفته الشخصية فهي عالمه، وشكل نموذجا يحتذى به وسط أقرانه المراهقين، حيث كان يبدو وقوراً ورعاً وتقياً.
هذه القصة توضح المشاكل الكبيرة المحدقة بالأهل، بسبب هذا العالم الافتراضي، فالكل بات يميل إلى الاستكانة، والصمت، ويبتعد عن تجاذب أطراف الحديث، بحيث يستحيل معرفة أفكار المراهق أو المراهقة من خلال طرح نقاشات لتصحيح أفكارهم ومعرفة آرائهم في بعض المواضيع الأسرية والمجتمعية وميولهم الصحيحة والخاطئة ومحاولة تصحيحها.
هذا واقع يرفضه بعض الآباء ويقاومونه بمراقبتهم المتشددة، في حين هناك من يفرح لاستكانة أطفاله وابتعادهم عن إثارة المشاكل، إذ يظنون أن الأمر سليم ويسير بأبنائهم في الطريق الصحيح، والعكس هو الصحيح، في مرحلة حرجة تتكون فيها شخصية الفرد.
وفي هذا الإطار تقول الدكتورة هبة شركس، استشارية نفسية وأسرية وتربوية: إن هذه الظاهرة أكثر عمقا ومردودها أكثر سلبية على المراهقين إذ تشتت الهوية والشخصية، وتغرق في السلبية وتشتت الأفكار، ويعاني المراهق مشاكل نفسية كبيرة تهدد نموهم الفكري والنفسي وتهدد تركيبة شخصيتهم وتعمل على تشتيت اهتماماتهم.

JoomShaper