ثلاثة أشهر مضت شهدت مدينة حلب خلالها عدداً من جرائم اغتصاب لفتيات في عمر الزهور، حيث أقدمت ثلة من المجرمين على اغتصاب هؤلاء الفتيات وكان آخرها في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك.
ولكن قبل استطلاع الآراء لابد لنا من أن نقف مع وقائع بعض هذه الجرائم بحسب ماأفادتنا به قيادة شرطة محافظة حلب.
مسلسل من الجرائم
بتاريخ /8/ أيلول/2009/ وفي حي هنانو، أقدم شخص يبلغ من العمر/26/ سنة على اغتصاب طفلة عمرها /8/ سنوات، بعد أن قام باختطافها محاولاً الاعتداء عليها ، ولكنه لم يتمكن منها نتيجة مقاومتها له وقد تمكنت عناصر الشرطة من معرفة المجرم وخلال أقل من /24/ ساعة ألقي القبض عليه ونتيجة التحقيقات اعترف بجريمته النكراء وتمت إحالته للقضاء ليقول كلمة الفصل فيه.
وفي تاريخ/9/ أيلول /2009 وفي محلة الأنصاري فوجئ عناصر الشرطة في تمام الساعة السابعة والنصف صباحاً بوجود طفلة عمرها/3/ سنوات وهي تبكي وتنزف، ونتيجة التحريات التي قام بها عناصر الشرطة تمت معرفة الجاني البالغ من العمر /17/ سنة حيث ألقي القبض عليه ونتيجة التحقيقات الأولية اعترف بارتكابه الجريمة البشعة بحق الفتاة الصغيرة إضافة إلى اعترافه بالاعتداء على طفلة عمرها/4/ سنوات في محلة الأنصاري بتاريخ /2/ أيلول /2009/ ولاتزال التحقيقات جارية معه بغية معرفة المزيد من الجرائم التي قام بارتكابها.
وكان أربعة شبان قد تعرضوا منذ ثلاثة أشهر لطفلة تبلغ من العمر /4/ سنوات، في محلة الحيدرية بمنطقة هنانو وقد تمكنت عناصر الشرطة من إلقاء القبض عليهم خلال الساعات الأولى واعترفوا بجريمتهم وتمت إحالتهم للقضاء حيث ينتظر المواطنون تطبيق الأحكام العادلة بحقهم.
قيادة الشرطة توضح
حول مجمل هذه الجرائم ودور عناصر قوى الأمن الداخلي في اكتشافها والحد منها التقت الثورة مع السيد اللواء عبد الحنان حجو قائد شرطة محافظة حلب، والذي أكد أنه ومنذ ارتكاب الجريمة التي وقعت في محلة هنانو تم تكثيف الدوريات في كافة أنحاء المدينة ولاسيما في الأحياء والمناطق المتطرفة، إذ يتم تسيير ونشر أكثر من /300/ دورية ثابتة ومتنقلة، نهدف من خلالها مراقبة المشبوهين وإلقاء القبض عليهم إضافة إلى مراقبة الأطفال والنسوة بهدف توطيد الأمن والحماية .
وأشار اللواء حجو إلى أن وجود الدوريات يرسخ مبدأ منع الجريمة قبل وقوعها ويقلل من هذه الجرائم حيث يفكر المجرم كثيراً بنتائج وعقاب جريمته قبل قيامه بأي عمل لأن عين الأمن ساهرة وتقف بالمرصاد وتضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن والمواطنين مضيفاً إن مهمة قيادة الشرطة تنتهي عندما يتم تقديم المتهمين للقضاء.
ويختتم قائد شرطة المحافظة حديثه بتقديم النصح للمواطنين ليكونوا أكثر حرصاً على أولادهم ألايتركوهم وحدهم في الشوارع بل أن يبقوا تحت رقابتهم وبإشرافهم ، مناشداً كل مواطن يشاهد أي ظاهرة أن يبلغ قيادة الشرطة وأقسامها إضافة إلى الدوريات المنتشرة في كافة أحياء المدينة وساحاتها.
والأوقاف تستنكر
الدكتور أحمد محمد قدور مدير أوقاف حلب أوضح أن هذه الحوادث غريبة عن مجتمعنا ودخيلة عليه، وهي من آثار التفلت الاجتماعي الناتج عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا في ظل غياب رقابة الأهل إضافة إلى قيام بعض شبابنا بالتقليد الأعمى لما تبثه بعض القنوات الفضائية الهادفة إلى تمزيق شمل الأمة ومحو هويتها الثقافية.
وأضاف قدور إن المديرية وانطلاقاً من دورها في التوجيه والإرشاد تعمل على نشر الوعي في صفوف المجتمع بما يتماشى مع منظومة الأخلاق العربية والإسلامية، مؤكداً أهمية دور المنبر في توجيه البوصلة نحو الأهداف الرامية إلى تحصين الأجيال وبناء الوطن والحفاظ على القيم والمبادئ التي تتحلى بها أمتنا والمتمثلة بالحفاظ على كرامة وإنسانية الإنسان.
الجريمة تحد للشريعة الإسلامية
إن من أهم الأسباب التي نتجت عنها هذه الجرائم الوحشية هي ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء الآثمين إضافة إلى ضعف التأثير التربوي وغالباً مايدخل في هذا الأمر التفكك الأسري الذي يولد أمثال هؤلاء الشاذين.
هذا ما أشار إليه الأستاذ الشيخ سعيد سعدو رئيس دائرة التفتيش الديني في مديرية الأوقاف والموجه الاختصاصي السابق لمادة التربية الإسلامية، موضحاً أنه يجب على المؤسسات التربوية والدينية والهيئات والمنظمات الاجتماعية أن يذكوا في قلوب أبناء الأمة روح التربية الإيمانية.
الإحسان- مراقبة الله
واستنكر سعدو هذه الجرائم معتبراً إياها تحدياً واضحاً وصريحاً للتعاليم والقيم التي تدعو إليها الشريعة الاسلامية إضافة إلى الشرائع السماوية الأخرى، لأن كل الشرائع أنزلها الله لتحافظ على كرامة الانسان، وما قام به المجرمون هو اعتداء على إنسانية الإنسان..
وناشد رئيس دائرة التفتيش الديني وباسم أرباب الشعائر الدينية المعنيين بأمور العدالة أن يضربوا وبيد من حديد كل من تسول له نفسه اقتراف مثل هذه الجرائم، ولهذا فإن أفضل عقوبة يمكن أن تطبق بحق هؤلاء هي الاعدام.
وانتهاك للتعاليم المسيحية
نيافة المطران يوحنا ابراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذوكس، يؤكد أن المسيحية تتفق مع الاسلام ومع كل أصحاب الضمائر الحية في تحريم الاعتداء على الغير، فكيف إذا كان المعتدى عليه فتاة قاصر..
وأشار نيافته إلى أن هذه الحالات ستزول، ولكن لا بد من معالجة أسبابها، من خلال تضافر المجتمع بكافة هيئاته، ويتوجب على رجال الدين المسيحي نشر الوعي حول خطورة مثل هذه الجرائم وآثارها على الفرد والمجتمع.
واستنكر ابراهيم هذه الجرائم واصفاً اياها بأنها أفعال ضد الانسانية، ضد الشرائع السماوية، وهي انتهاك لتعاليم المسيح عليه السلام الذي قال في إحدى وصاياه:«لاتزن»، وقال في وصية أخرى :«من قال لأخيه: أحمق، فقد استحق نار جهنم»، فالمسيحية بكل تعاليمها لا تقبل أن يكون هناك اعتداء على طرف من قبل طرف آخر..
ودعا نيافة المطران شباب الأمة وأبناءها إلى ضرورة العودة إلى الدين، لأن بعد الانسان عن الدين يؤدي إلى الكثير من الجرائم..
ومرض نفسي
أما الدكتور محمود مرشحة رئيس رابطة الحقوقيين بحلب يرى أن جرائم اغتصاب الفتيات هي فعل تأباه الشرائع السماوية وترفضه تقاليد مجتمعنا، وهي ظاهرة تنم عن خلل وشذوذ، وإن مرتكبها هو مريض نفسي، لأن أسباب الجريمة ليست اقتصادية أو شهوة جنسية، خاصة إذا علمنا أن الفتيات هن ما بين /3-8/ سنوات، ولهذا علينا أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت أمثال هؤلاء المجرمين لارتكاب جرائمهم النكراء...
وقلة ضمير
من جانبها الأستاذة مناضلة تلجبيني عضو مجلس ادارة رابطة الحقوقيين تجد أن السبب في ذلك هو قلة الضمائر وانعدامها، اضافة إلى التوجيه غير الصحيح من قبل الأهل والمؤسسات التربوية والتوجيهية في ظل الفساد الوارد إلينا عبر وسائل الاتصالات الحديثة، حيث أدت هذه الأسباب بمجملها إلى ولادة شواذ في هذا المجتمع يجدون في الاعتداء على الغير سبيلاً لسعادتهم وارضاء لشهواتهم الشيطانية...
وترى تلجبيني أن العنف الجسدي والنفسي الذي يمارس أثناء الاغتصاب هو من أكبر الجرائم، ولا يمكن محوه، لأن آثاره تنعكس على نفسية الطفلة الصغيرة وترافقها حتى آخر لحظة من حياتها، ولذلك فإنه لا بد أن تكون هناك عقوبات صارمة بحق هؤلاء المجرمين الشواذ وأقلها الاعدام، وذلك بالاعتماد على الأحكام العرفية وليس على القانون، لأن القانون في هذا المجال بحاجة إلى تعديل، ليتناسب مع طبيعة هذه الجرائم ومرتكبيها الذين نجد بعضهم ضمن سن الأحداث.
العامل الاقتصادي بريء
بدوره عضو غرفة تجارة حلب ليون زكي لا يجد أن للجانب الاقتصادي دوراً في تفاقم هذه الجرائم، وكذلك ليس للبطالة دور، لأن السبب الاقتصادي يمكن أن يؤدي إلى السرقة، ولكن السبب في جرائم الاغتصاب ولمثل هذه الفتيات الصغيرات، هو خروج المجرم عن انسانيته، ويرى أن هناك عوامل عدة أدت لارتكاب مثل هذه الجرائم منها الكبت -تعاطي المواد المخدرة - وأحياناً انعدام دور الأهل والمدرسة التربوي، ولهذا فإن نشر الثقافة الاجتماعية والإنسانية من شأنه أن يحد من هذه الجرائم، ويقي المجتمع من عواقبها الوخيمة، إضافة إلى أن أنجع علاج لمثل هؤلاء المجرمين هو الاعدام.
والأسرة متهمة
أما السيدة روعة معاز رئيسة جمعية الشهامة للنهضة الإنسانية ترى أن أسباب الجريمة هي ضعف التربية الأسرية، وعدم التوجيه من قبل المربين في المدارس، ولهذا يجب إعادة النظر بالجانب التربوي في المؤسسات التعليمية، وبعد ذلك نطالب برقابة السلطات الأمنية لهؤلاء الشباب، ونأمل أن يكون للجمعيات الخيرية دور في نشر الوعي والتوجيه، وأن لا يقتصر الدور فقط على الإطعام.
والتربية غائبة
السيدة فريال سيريس عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام النسائي وعضو مجلس الشعب، تعرّف الاغتصاب على أنه العمل الذي يتم عن طريق العنف والتهديد والقيام به بالإكراه، وله أسباب عديدة ناتجة عن تراكمات مجتمعية، منها انعدام الوعي الأسري، والوازع الديني والأخلاقي..
وإن انعدام هذه العوامل في الأسرة ولدى الفرد ذاته يؤدي إلى وقوع مثل هذه الجرائم، كذلك يلعب الجهل والتسرب من المدارس دوراً هاماً في هذا الجانب، وعدم حدة وصرامة القوانين، ولهذا فإنه يتوجب على الجهات الوصائية تعديل القوانين وبما يتماشى مع كم ونوع الجرائم التي أصبحت تتكرر يوماً بعد يوم...
وعلى المؤسسات التعليمية أن تولي اهتماماً للأمور التربوية لأن انعدام الجانب التربوي في مدارسنا ومفاصلنا التعليمية أدى لنشر الفوضى في صفوف المجتمع، وكذلك علينا كمجتمع أن نعمل على تحصين الأبناء بالقيم والأخلاق لأنها هي السبيل للحد من الجرائم.
يجب تعديل القوانين
وتضيف سيريس أنه في منظمة الاتحاد العام النسائي يتم التركيز على الاهتمام بالمحافظات التي تعاني من تزايد في عدد السكان/ المحافظات الشمالية والشرقية/ من خلال التوعية عن طريق الفرق الداعمة، والاهتمام بدور المرأة لأهميته ولأنهاعنصر البناء الأساسي في المجتمع.
كما أنه في مجلس الشعب تمت المطالبة بأن تكون العقوبة بحق المجرمين هي الإعدام، وكذلك ستتم المطالبة في بداية الاجتماعات القادمة بضرورة تعديل القوانين الخاصة بجرائم الاغتصاب.
وتتساءل أخيراً: لماذا التأخير في إصدار الأحكام القضائية بحق هؤلاء المجرمين.
اعتداء على الإنسان
رئيس مجلس فرع نقابة المحامين بحلب الأستاذ أحمد الحاج سليمان يشير إلى أن الإنسان خليفة الله على هذه الأرض، وكل اعتداء على الإنسان هو تحد لإرادة الخالق عز وجل، واعتداء على الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان، هذه الحقوق التي كرستها الشرائع السماوية إضافة إلى التشريعات الوضعية التي أقرتها المنظمات والهيئات وأبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الخاصين المرتبطين به، إضافة إلى عدد كبير من الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل وحقوق الإنسان.
ويستوجب الإعدام
وفيما يخص هذه الجرائم يؤكد الحاج سليمان أن مرتكبيها هم أشخاص غير أسوياء تأصل فيهم السلوك الإجرامي لدرجة غياب الوعي كلياً، إضافة لغياب البعد الإنساني، وهم بالتالي يشكلون حالة خطيرة يجب اجتثاثها من المجتمع كلياً، والمطلوب أن تكون هنالك محاسبة رادعة وقوية لهؤلاء المجرمين من خلال قضاء سريع عادل منصف ونزيه يعلن للجميع، وأن تترك العقوبات الصدى الطيب لدى المواطنين، وحتى يعلم الجميع أن بلدنا تحكمه سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
ويناشد رئيس فرع نقابة المحامين الجهات القضائية بضرورة العمل على تقصير أمد التقاضي، فحينما يتم الإسراع في إصدار الأحكام وتتم العقوبة فإن ذلك يترك أثراً ردعياً أكبر وتأثيراً أقوى.
وماذا بعد؟
بعد هذا العرض لمسلسل الجرائم، وماقيل فيه من آراء نجد أن الاسراع ربما يشكل ضرورة ورادعاً يمنع وقوع مزيد من هذه الجرائم.
صرخة الرأي العام
معظم الآراء التي توصلنا إليها والتي جاءت معبرة عن رأي الشارع بكافة فئاته طالبت بالإسراع في إصدار الأحكام القضائية، وأن العقوبة لهؤلاء المجرمين هي الإعدام.
فؤاد العجيلي - الثورة