سهير بشناق
اسماؤهم تختلف ولكن أقدارهم واحدة فقد أوصلتهم الى مؤسسات الرعاية الاجتماعية بسبب التفكك الاسري .
وقصص هؤلاء الأطفال تتشابه ,فمن تعرضهم للأساءة الجسدية والنفسية من قبل اسرهم أو أقاربهم الى التشرد في الشوارع قبل ان تصبح هذه المؤسسات ملجأهم .
حكاياتهم محزنة وتدمي القلوب لانهم لا يستحقون ان يتعرضوا لهذا الالم فالبعض منهم لا يعرف صورة والدته ووالده والبعض الاخر منهم امهاتهم معروفة لدى وزارة التنمية الاجتماعية لانهن يعشن في السجون وعندما يقضين مدة محكومياتهن لا يعدن للمطالبة باطفالهن الذين يكبرون في المؤسسات ويتنقلون من مؤسسة لأخرى تبعا لاعمارهم .
والحزن يتملك نفس الزائر لمؤسسة الحسين الاجتماعية حين يرى اطفالا من مختلف الاعمارحديثي الولادة ,يرقدون في أسرتهم لا تتجاوز اعمارهم الاسابيع او الشهور الاولى وهؤلاء يزداد اعدادهم يوما بعد يوم . وترى اطفالا اخرين يحبون ويحاولون الخطو صوب أولى خطواتهم بالحياة يحدقون بكل زائر يبتسمون لمن يقترب منهم ويرفضون ان يغادروا الاكف التي تحملهم وكانهم يتلمسون لحظات حنان وحب حرموا منها فيطلقون اصواتا طفولية كاي طفل في عمرهم وكانهم يتبادلون الحديث مع من يجلس بجانبهم ويلاعبهم لكنهم يعودون للبكاء ان غابت الوجوه عنهم فتعطشهم للحنان وصمة عار على جبين امهاتهم وابائهم الذين القوا بهم في هذه المؤسسات وحرموهم من حب لا تعرفه سوى الام التي فقدت كل معاني وجودها بتركها لاطفالها .
هذا هو حال اطفال مؤسسة الحسين الاجتماعية الذين ينتقلون بعد ان يكبروا لمؤسسات اخرى ترعاهم وتحاول ان تكمل مسيرة العطاء التي بداتها أمهات مؤسسة الحسين الاجتماعية .
أما النجاح والرغبة في تحدي الصعاب فهو عنوان حياة فتيات وشباب لم تحل ظروفهم الاسرية والحياتية بينهم وبين تحقيق النجاح التعليمي الحقيقي فهولاء الشباب والفتيات حصلوان على معدلات مشرفة في امتحان الثانوية العامة بدورته الشتوية وتمكنوا من الاحساس بطعم النجاح لاول مرة في حياتهم محاولين نسيان ما عانوه من الم .
فامهاتهم غائبات ولا آباء, ولا وعد بالهدايا والأمتيازات ان نجحن أو نجحوا لكن دعم مشرفات المؤسسات الأجتماعية ممن نذرن حياتهن لرعاية هذه الفئات بالمجتمع كان عامل نجاح و شهادة عز لكل ام ومشرفة حلت مكان الام البيولوجية فدفعت بهن الى الامام .
وقد حرصت وزارة التنمية الاجتماعية على تكريم هؤلاء الفتيات والشباب في مؤسساتها في حفل نظمته مؤخرا في مؤسسة الحسين الاجتماعية وجمعت به منتفعين اخرين من مؤسسات رعائية اخرى تتبع للتنمية فكان حفلا عنوانه الفرح لهؤلاء الاطفال الذين شاركوا برقصات واغاني وطنية زملائهم الناجحين بامتحان الشهادة الثانوية ليرسموا جمعيا لوحات حب قد تخفي وراءها احزانا كبيرة لا يملكون امامها سوى التمسك بالارادة والامل بمستقبل افضل .
وزيرة التنمية الاجتماعية سلوى الضامن التي قامت بتكريم الفتيات والشباب من المؤسسات الاجتماعية اشارت الى اهمية هذا النجاح بمعانيه الكبيرة التي تفتخر الوزارة به وتحرص على استمراره ودعمه .
واضافت : ان العمل في تحسين حياة المواطنين هو واجب انساني ووطني علينا جمعيا ان نساهم في انجاحه فان نجاح هؤلاء الفتيات والشباب يعكس مدى اهمية الارادة في حياتهم والتي ان تم دعمها بشكل سليم فانها ستقودهم الى طريق النجاح وسيتمكنون من تحقيق امالهم .
واشارت الى ان الوزارة ستعمل على تنمية مواهب وقدرات الاطفال والاستثمار فيها ليس فقط على صعيد التحصيل الدراسي بل على صعيد بناء الشخصية القوية المستقلة المعتمدة على ذاتها مشيرة الى ان الوزارة ستعمل على هذا الجانب من خلال توظيف من يساعد هؤلاء الاطفال على تنمية مواهبهم وتوجيهها بالطريق الصحيح .
واكدت الضامن ان مستقبل هؤلاء الاطفال والفتيات والشباب هو في التعليم مبينة ان الوزارة ستعمل على فتح المجال للمتطوعين والمهنيين والمدرسين ولاهل الخير في المجتمع ليسهموا في رعاية وتبني المبادرات الريادية لهم والتي من شانها ان ترفع مستوى احساسهم بكرامتهم وانسانيتهم وتلبي احتياجاتهم وفق قاعدة تؤمن بها الوزارة مفادها ان هذه هي حقوقهم الاساسية التي تعد واجبا على المجتمع .
وكما تؤكد احدى الفتيات التي حصلت معدل 93 في امتحان الشهادة الثانوية في الاحتفال بانها تشعر بالسعادة والفخر لحصولها على هذا المعدل فالظروف الاسرية التي اوصلتها واوصلت العديد من فتيات المؤسسات الى الدور الرعائية لم تقف عائقا بينهن وبين رؤية المستقبل بصورة افضل من خلال العلم والمثابرة والرغبة في تحدي الصعاب .
هؤلاء الفتيات والشباب الذين تم تكريمهم كانت عيونهم تشع بالفرح وهم يقفون على منصة التكريم يشعرون بان هناك وجها اخر للحياة غير التي عرفوها فقد ادركوا ان طوق النجاة هو بالعلم والنجاح ليشعروا بانهم قادرين على نسيان الماضي.
وبمقدار اتساع فرح الناجحين وابتساماتهم ,يبقى السؤال الذي يحمل في طياته حزنا كبيرا : من سيعوض هؤلاء الاطفال عن حضن أمهاتهم وتعطشهم للشعور بحنان الام الحقيقي, خاصة وان هناك اطفالا تجاوزت اعمارهم الخمسة شهور ووصلوا لمؤسسة الحسين الاجتماعية بعد ان تعرفوا على وجوه أمهاتهم والفوا رائحتها ,ليجدوا أنفسهم فجاة تحملهم أياد حانية ولكنها غريبة فمن يعوضهم شوقا جارفا لحضن أمهاتهم ؟

JoomShaper