رحيم هادي عبد الله الشمخي
الطفل العربي يعاني من الحرمان الثقافي، فالتغيرات الاجتماعية والبيئية التي حدثت أخيراً في الوطن العربي، جعلت تربية الأطفال أصعب من أي وقت مضى، فالمطلوب من الأجهزة المسؤولة عن الطفل في الوطن العربي التحرك لحماية الأطفال من الخطر الذي يهددهم نتيجة حرمانهم من جميع الوسائل التي تساعدهم على النمو الثقافي والعقلي.
ولكن ما أسباب هذا الحرمان...؟
إن هناك أسباباً كثيرة أولها أن الأم بعد أن كانت تربي أطفالها بنفسها في البيت خرجت الآن إلى مقار العمل مما ألحق بطفلها أضراراً جسيمة، فهي تبحث عن شخص أمين تترك معه الأطفال دون جدوى، كما أن 3% فقط من أطفال العالم العربي الذين تتراوح أعمارهم بين 3-6 سنوات يستفيدون من دور الحضانة ورياض الأطفال ومما يزيد من حجم المشكلة أيضاً، أن الأطفال حين تتركهم الأم بمفردهم لا يتمكنون من اللعب والمرح بحرية. فالبيوت الواسعة التي كانت تضم العائلات الكبيرة خاصة في المدن تحولت مع الزمن إلى شقق صغيرة يخضع فيها الأطفال لقيود تحد من نشاطهم حتى أصبحوا يعانون من ضيق المكان رغم ميلهم الشديد في تلك الفترة للحركة والنشاط والحيوية، ليس هذا فقط بل عادة ما يؤدي ضيق المكان إلى دخول الصغار في شجارات وخلافات كثيرة فيما بينهم مما يتطلب تدخلاً من جانب المحيطين بهم، وذلك لأن المكان الضيق لا يحد من حركتهم فحسب بل ويثير أعصابهم ويزيد من قلقهم وسلوكهم العدواني.
أما ثقافة الطفل في الوطن العربي فهي منعدمة فلعب الأطفال أغلبها مستوردة ومرتفعة الأثمان مما يصعب على المواطن العادي شراءها كما أن عدم حصول الطفل على بعض هذه اللعب يحرمه من وسيلة هامة جداً تساعده على النمو الثقافي والعقلي، لأن اللعبة تمهد بروز قدرات الطفل العقلية، والنقص لا يتوقف عند حد اللعب فقط بل يتعداه إلى أغاني الأطفال وأناشيدهم التي تعاني من فقر شديد، كذلك يندر وجود مسارح للطفل في الدول العربية، وفي نفس الوقت لا تتوافر الكتب التي تثير عند الطفل الاستعداد للقراءة، كما يعاني الطفل من عدم توافر الأدوات التي تساعده على الابتكار والخلق، وحتى أدب الطفل الذي يوسع مدارك الطفل وينمي عنده حب القراءة والمعرفة يعاني هو الآخر من نقص شديد ولا يتناسب مع مستوى الأطفال، فهو في معظم الأحيان مقتبس من الأدب الغربي، في الوقت الذي يجب أن يكون فيه مستمداً من البيئة العربية نفسها بما فيها من قيم ومثل وتقاليد عريقة وثيقة الصلة بالتراث العربي. وإذا كانت الحضانات ورياض الأطفال ضرورية جداً للأطفال للاحتكاك بأقرانهم وتوسيع دوائر خبراتهم وسرعة نموهم العقلي والوجداني، فإن معظم الأطفال في الدول العربية محرمون منها، فالأطفال الفقراء في الوطن العربي يسعون إلى مساعدة أسرهم عن طريق ممارسة بعض الأعمال الصغيرة على سبيل التسلية مما سبب للأطفال الشعور بالاكتتاب، ونظرتهم للمجتمع والحياة بنظرة غير مستحبة، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات العربية لتحسين الخدمات التي تقدم للأطفال، إلا أن هذه الجهود لا تزال محدودة وقاصرة، فأغلب الحضانات ورياض الأطفال تفتقر إلى الحضانة المتخصصة والمشرفة المعدة إعداداً خاصاً ومناسباً كما أن معظم أبنية الحضانات لم تصمم من أجل ذلك، فهي إما مبان لمدرسة تناسب الأعمار الأكبر فقط، وإما مبان للسكن، وفي كلتا الحالتين لا تفي بأغراض الحضانات، كما أن تعدد الجهات المسؤولة عن رياض الأطفال من حيث الإدارة والتمويل والصرف والإشراف الفني يؤثر بشكل كبير على سير وانطلاقة العملية التربوية، إن تركيز دور الحضانة في العواصم والمدن الكبرى وحرمان أبناء الريف والمدن الصغرى من هذه الدور سبب في تعرض الأطفال للون واحد سائد في الحياة يقل فيه التنوع مما يجعلهم يعانون من جوع ثقافي يؤثر في معرفتهم لذلك يجب التعاون والتنسيق بين الحضانات ورياض الأطفال من جهة وبين المرحلة الابتدائية من جهة أخرى، وفي نفس الاتجاه بما يضمن تجانس وتكامل المؤثرات التربوية والثقافية.

JoomShaper