خولة لطفي عبد الهادي
هل يولد القادة أم يصنعون؟
يرى كثير من علماء النفس والتربية أن الإنسان يولد ولديه سمات وخصائص معينة تمكنه من أن يكون إنساناً قيادياً في المستقبل. ويرى آخرون أن للقيادة مهارات يمكن اكتسابها وتعلمها وتطويرها لدى الإنسان. ومع أخذ كلا الرأيين بعين الاعتبار فإن ذلك يعني أن كل إنسان يولد ولديه خصائص قيادية تختلف كماً ونوعاً عن غيره من الناس، وأن من واجب الآباء والمربين تنمية تلك الخصائص وتطويرها إلى أقصى ما تستطيعه قدرات كل طفل، وأن كيفية التأثير على الطفل وطريقة تربيته وتدريبه ستحدد أي نوع من القادة سيكون في المستقبل. وتعليم مهارات القيادة يجب أن يبدأ من البيت ومنذ نعومة أظفار الطفل، ثم تقوم المدرسة بدورها إزاء تربية الأطفال على مهارات القيادة. وإذا كانت تربية الطفل ايجابية وتدفع به قدماً نحو تطوير خصائصه وسماته القيادية بالاتجاه الصحيح، نما ذلك الطفل كما يرغب الأهل ويتمنون ؛ إنساناً قيادياً ناجحاً وفعالاً في مجتمعه. وكم من الأطفال ولدوا بخصائص قيادية فطرية ولكنهم فقدوا الكثير من تلك الخصائص مع مرور الزمن نتيجة تنشئتهم في بيئة محبطة أثرت سلباً على شخصياتهم وسلوكهم. ولتدريب الأطفال على مهارات القيادة ينبغي توفير الفرص العملية لهم لتطوير إحساسهم بالمسؤولية والتكامل مع الآخرين والمبادرة والثقة بالنفس وغيرها من الصفات القيادية الأخرى، لأن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل عندما يتم دمجهم بالعمل بفعالية؛ فالأطفال يتعلمون ما يعيشونه. ومن المهم أيضاً تمثل الوالدين والمعلمين للصفات القيادية لأنهم يمثلون القدوة الأولى للطفل في حياته. بالإضافة إلى مشاركة الطفل في الأنشطة الاجتماعية وممارسة الألعاب المختلفة وتعويده على الأعمال التطوعية ومساعدة الآخرين والتعاطف معهم. ومن أهم المهارات القيادية التي يجب تعليمها للأطفال وتدريبهم عليها:

مهارات التواصل:
من أهم الصفات والمهارات القيادية هي التواصل بالأفكار مع الآخرين. لذلك من المهم جداً البدء بتدريب الطفل على هذه المهارات منذ الصغر. ويكون التدريب على هذه المهارات بسيطاً جداً كأن يقرأ الطفل بصوت عالٍ أمام الآخرين. فهذا الموقف يشبه وقوفه مستقبلاً أمام جمهور لتقديم عرض أو حديث أو محاضرة. ويترافق مع مهارات الحديث والتقديم تدريب الطفل على مهارة الاستماع للآخرين عندما يتكلمون أو يقرأون أو يقدمون عرضاً؛ لأن مهارة الاستماع هي العنصر الثاني الهام لتطوير مهارات التواصل، وأن الاستماع الفاعل هو مفتاح التواصل الناجح مع الآخرين.
مهارات التنظيم: إن القائد الناجح الذي يقوم بتوجيه الآخرين وتحفيزهم يجب عليه أن يمتلك مهارات تنظيم عالية يتمكن من خلالها ايصال رؤيته وأهدافه للعاملين معه. ولتدريب قائد الغد على هذه المهارات يمكن البدء بتعويد الطفل على إعداد قوائم رصد بسيطة على دفتر خاص بأن يكتب الطفل قائمة بالواجبات المدرسية أو الأعمال الروتينية التي يجب عليه القيام بها يومياً، ثم يقوم بشطب المهام التي ينتهي من إنجازها. وهذا السلوك سوف ينمي في الطفل الشعور بالإنجاز والتنظيم.

مهارات حل المشكلات:
هنالك طرق مختلفة لمساعدة الطفل على تطوير مهارات حل المشكلات. ومن أبسط تلك الطرق لعب الأدوار مع طفل أو أطفال آخرين. وفي هذه اللعبة يطرح المربي على الأطفال موقفاً صعباً ويقوم بتحدّيهم بأن يأتوا بحلول إبداعية لهذا الموقف. كذلك ينبغي تحدي الأطفال بأن يأتوا بأكبر عدد ممكن من الحلول. وبعد ذلك تتم مناقشتهم بمميزات وعيوب كل من الحلول المقترحة. وهذا الأسلوب سوف يساعد الطفل على تنظيم طريقة تفكيره عند حل المشكلات التي تواجهه.

مهارات تحديد الرؤية والأهداف:
إن الطفل الذي يعرف ماذا يريد سوف يكون أكثر قدرة على تحقيق رؤيته وأهدافه. ولذلك من المهم جداً تدريب الطفل على وضع أهداف وتوقعات واقعية للفترات الزمنية القريبة والبعيدة. ويمكن مساعدة الأطفال في ذلك من خلال القراءة والاطلاع على قصص النجاح عن القادة العظام والتي تحتوي في مضامينها على دروس مؤثرة ولا تنسى في القيادة. وسوف لن ينسى الأطفال هذه القصص وسوف يستفيدوا من دروسها وعبرها عندما يكبرون. كما يمكن تدريب الأطفال على اشتقاق الأهداف المرحلية باستخدام دفتر تنظيم الواجبات بحيث يحدد الطفل الأهداف المرتبطة بالمهام والواجبات المطلوبة للأسبوع أو الشهر القادم. ويجب تعويد الطفل على متابعة تحقيق تلك الأهداف ومناقشته بالمشاكل التي تطرأ أثناء تحقيقها وتوجيهه لايجاد الحلول المناسبة لتلك المشاكل. وهذا سوف يكسب الطفل مراناً وممارسة إضافية في مهارات حل المشكلات.

مهارات التخطيط:
إن تدريب الطفل على التخطيط من المهارات التي تبني ثقته بنفسه وتقوّي شخصيته. وحتى لا يشعر الطفل بالعجز عند مواجهة مهمة كبيرة، يجب تدريبه على تجزئة المهمة إلى أجزاء أصغر فأصغر ليشعر بقدرته على معالجتها وإنجازها. وهذا الإنجاز سيؤدي إلى تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتعاظم شعوره بالنجاح.

مهارات التعاون والعمل الفريقي:
إن العمل التعاوني مع الآخرين مهارة قيادية هامة لأن العمل الفريقي يؤدي إلى إنجازات أكبر وبوقت أقل من قيام الفرد وحده بالعمل. كما أن الفوائد الاجتماعية التي تنتج عن العمل الفريقي هامة جداً لتكوين شخصية الطفل. أما الأطفال المحاطون دائماً بالحماية والخوف الزائدين من قبل الأهل فسوف يشعرون بالعجز عند مواجهة المواقف الاجتماعية.

مهارات التفاوض والتسويات:
من خلال العمل مع الفريق يتعلم الطفل فن الأخذ والعطاء. وإن التسويات والحلول الوسط في مواقف معينة من أجل إنجاز مهمات محددة تجعل الجميع ينتهي من العمل سعيداً وراضياً بالإنجاز والنتائج. وهذه من أهم المهارات القيادية التي ينبغي أن يتمكن منها الأطفال؛ لأن التمكن من مهارات التفاوض والتسويات تعلم الأطفال التركيز على الأهداف الكبيرة المشتركة وليس على المصالح الشخصية الضئيلة.

التصميم والمثابرة:
إن التصميم والمثابرة من الصفات الهامة التي ينبغي أن يتحلى بها القادة الصغار والكبار ليكونوا أفراداً ناجحين في الحياة. ويجب النظر لكل خطأ يرتكبه الطفل على أنه درس أو خطوة للنجاح في الحياة والمستقبل. وأن العمل من خلال العوائق والصعوبات يعدّ الأطفال للواقع الذي ينتظرهم في العالم الحقيقي. كما أن امتلاك القدرة على تحمل المواقف الصعبة ومواجهتها سوف يقوّي الطفل لطيلة حياته.

تطوير احترام الذات:
هنالك طرق عديدة لتطوير الشعور باحترام الذات لدى الطفل. ومنها قيام الكبار بمساعدة الطفل على الشعور بأنه خاص ومميز ومقدّر. ولتحقيق ذلك على الكبار أن يخصصوا أوقاتاً للطفل يسمحوا له فيها بممارسة الأشياء التي يستمتع بعملها أو الأمور التي تبرز قدراته كالرسم أو العزف أو رواية قصة أو غير ذلك. وعند قيام الطفل بعرض مواهبه أمام الكبار يجب عليهم أن يقدموا له التعزيز الايجابي المناسب، والذي يحتاجه الطفل لتطوير شعور صحي باحترام الذات.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper