هدى سيد
عالم بلا طفولة هو عالم بلا حياة؛ فالأطفال هم الأزهار التي نروي بذورها اليوم لتتفتح غدًا على مستقبل مليء بالأمل والتفاؤل والأمان، ومن أجل عيون الطفولة خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1959 وأكدت عليه اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 العشرين من نوفمبر ليكون اليوم العالمي للطفل، والذي يحتفل به أطفال العالم باعتباره يومًا للتآخي والتعارف، فتقام الحفلات في المدارس ويرسم فلذات الأكباد على وجوهم أشكالًا بأجمل الألوان، ومن المفترض أن تكون السمة الأساسية لهذا اليوم هي نبذ ثقافة العنف ضد الطفل، والتذكير الدائم بضرورة السعي نحو تغيير واقع أطفالنا في أنحاء العالم نحو الأفضل.
ولكن هذا الحلم يتحطم على صخرة الواقع المرير الذي يعيشه أطفالنا في عالم مليء بالعنف والصراعات والحروب والكوارث، والتي تبدل بهجة الأولاد في عيدهم فلا تقوى على تغيير شحوب وجوههم الخائفة ونظرات عيونهم الزائغة ونفسياتهم المذعورة، التي اصطبغت بلون وحيد باهت، جراء ما يدور حولهم من أحداث تجعل الخوف هو المسيطر على قلوبهم البريئة ونفوسهم الغضة.
أكثر المتضررين
وعن الأثر النفسي للأزمات على الأطفال تقول د/ داليا الشيمي، استشاري التقويم النفسي وصاحبة أول كتاب باللغة العربية عن الأطفال في الحروب والكوارث: إن الأطفال هم أكثر المتضررين من الحروب والثورات والكوارث، لعدم قدرتهم على فهم ما يدور حولهم بما يملكونه من إدراك ضيق ينمو بالخبرات، فلا يستطيع الأطفال التعبير بصورة دقيقة عما يدور بداخلهم من خوف واضطراب، وبالتالي يختزنونه كخبرات غير مُعنوَنة، ومع انخفاض خبرات الطفل بما يحدث من تغيرات تشمل مثلًا صوت الرصاص، وانتشار الدبابات ورجال الجيش، وعدم الاستقرار الأمني الذي انعكس على حياتهم فمنعهم من الخروج في أوقات بعينها ومن التنزه والرحلات، سواء مع الوالدين أو الأصدقاء، ولأن الطفل يعتبر مرآة صادقة للوالدين وبالتالي فهو يجسد – لكن داخليًا – كل قلقهم وضيقهم مما يحدث، ومع عدم امتلاك الطفل الانتماء الذي يجعله يرى شيئًا إيجابي في فوز فصيل على آخر فبالتالي يعتبر نفسه في كل الأحوال خاسرًا.
أطفالنا والكوابيس
وتؤكد الشيمي على أن ردود أفعال الأطفال النفسية يظهر بعضها سلوكيًا في حالة الأزمات الكبرى، مع الأخذ في الاعتبار وجود طريقة خاصة بكل طفل في التعبير عن خوفه وقلقه الشديد نتيجة لهذه المواقف، وأهم الأعراض التي تصيب الأطفال خلال تلك الأزمات تتمثل في:
* الفزع الليلي والمعاناة من القلق وعدم الشعور بالراحة، والإصابة بالفوبيا أو الخوف المرضي من الأصوات والظلام وغيرها من مصادر الخوف لدى الأطفال.
* الانتكاسة في بعض المهارات التي تم اكتسابها، فيظهر التبول اللاإرادي بعد ضبطه في فترة سابقة على ظروف الأحداث، أو عدم القدرة على التواجد بمفرده أو غير ذلك من علامات سبق وتخطاها بحكم نموه ولكنه يفقدها على أثر هذه الأحداث (بصورة مؤقتة).
* ظهور بعض الاضطرابات السلوكية مثل قضم الأظافر، والكذب، والعنف في التعامل مع الأشياء والأشخاص، فنجدهم يميلون للألعاب العنيفة حين يتجمعون.
* ظهور مشكلات في الكلام كالتلعثم أو الفقدان الوظيفي للكلام أو الصوت الخافت، وكأنه يتحدث للداخل كما يعرفونه.
* اضطرابات الأكل، سواء كانت زيادة أو نقصان، ولكل منهما تفسيره في التحليل النفسي، والتعبير الدائم عن الرفض، خاصة للأوامر التي اعتاد عليها (التذمر)، وكأنه يختبر حب وصبر الوالدين عليه ليتأكد أنه في حماية منه أو منها، وزيادة معدلات الأحلام، ويختلف فيها الأطفال بدرجة كبيرة، فمنهم من يطورها لتكون أحلامًا مطمئنة بينما يستسلم البعض لها لتكون أحلامًا تزيد من فزعه لتكون (كوابيس).
عبور آمن
وتوضح الشيمي للأمهات طرق التعامل مع الأطفال خلال الأزمات للحد من تأثيرها النفسي عليهم أو التقليل منه إن لم تتحقق الوقاية الكاملة، مع عدم اليأس من طول الوقت، لأن هذه الآثار طويلة المدى مع الأطفال فلابد أن يتم عزل من دون السابعة عن كل وسائل الإعلام التي تتحدث عن الأمر، وإشغالهم دومًا بالتفكير في ألعابهم ومشاركتهم فيها.
تكرار وسائل الطمأنة مع الطفل دون كلمة (اطمئن) بشكل مباشر، لأنها تنقلب بداخله إلى أن هناك ما يدعو للقلق، وبالتالي فتكون وسائل التعبير عن طمأنته متمثلة في المشاركة في كل الأعمال.. إمساك يده، الربت على ظهره، تقبيله المتكرر أثناء الحركة ودون مقدمات، وغيرها.
والتغاضي عن بعض التقصير الذي قد يبدو منه نحو بعض أوامرك، وساعديه على النجاح في تحقيق متطلباتك بأن تكون أقل وأكثر تحديدًا ولا مانع من مساعدته فيها.
لاحظي كل تصرف غريب يبدو عليه وناقشيه فيه بطريقة بسيطة، فمثلًا لو لم يستطع ضبط التحكم في الإخراج أخبريه أن الجو بارد وربما يكون ذلك هو السبب، لذلك علينا أن نرتدي ملابس أكثر ثقلًا، ونقوم لدخول الحمام أثناء النوم.
احذري البكاء أو الانهيار أمام طفلك، فهذا يشعره بعجز يمكن أن نكتب في آثاره كتبًا نفسية حول ما يتركه فيه، وبالتالي فعليك محاولة التماسك قدر الإمكان، وإن حدث رغمًا عنك فأبلغيه بأنك تبكين لألم في جسدك، ولا مانع من تمثيل أنك أُصبت في المطبخ مثلًا، ووضع غيار طبي على يدك أو غير ذلك.
وتبين الشيمي ضرورة أن يتواجد الأب مع أولاده، حتى لو أن عمله لا يسمح بأن يتحدث إليهم كل فترة ليطمئنهم، أما في حالة غياب الوالد بالوفاة مثلًًا أو السفر فيمكن أن يكون ذلك من خلال الجد أو العم أو الخال، وفي حالة وجوده في الحياة وتغيبه عن المنزل يمكن أن تكون مكالمته هي دافع الأمان الذي يأخذونه يوميًا، ولكن عليه عدم الانخراط في الحديث عما يحدث كثيرًا بحيث لا يكون الحديث معه وكأنه حالة من الدخول في الموضوع والاستمتاع بأنه ضحك على الكبير وأخذه للحديث في المنطقة التي يرغب في تفسيرها.
نظمي لطفلك برنامجًا يوميًا مثيرًا، أيًا كانت الظروف، بحيث يعتبر أن هذه الفترة مُختارة وليست مفروضة عليه، فنقول له أننا بعد انتهاء الفصل الدراسي الأول (كما هو الحال في ظروف مصر الحالية) كنا خططنا للسفر، لكني سمعت عن مسابقة في الرسم أو حكي القصص، أو أي نشاط تختارينه، لذلك فضلت أن نجلس جميعًا كي نتدرب أنا وأنت على المسابقة، خاصةً أنهم سيمتحنون الابن والأم، وبعد انتهاء الأحداث لا يوجد مانع من أن تنظمي أنت وصديقاتك أو جاراتك مسابقة فعلية، يفوز فيها كل الأطفال ليتم تخزين الخبرة بشكل جيد في ذهنهم وترتبط بالفوز لا بالانكسار والخوف والضياع.
اجعلي أبنك يتحدث كثيرًا، بحيث يقول كل ما يدور في ذهنه وتصححيه له، ولا توقفي حديثه مهما بدا سخيفًا أو كان أسئلة مكررة، فإن لم يسألك أنت فمن يسأل؟؟ فربما يكون أستمع إلى الأحداث عبر وسائل أو حديث بينك وبين أشخاص آخرين، ورغب في أن يكوِّن رؤية خاصة.
إذا لم تستطعي عزل الطفل عن الأحداث، فابدئي بتفسير الأمر له بأنها أوقات بسيطة سوف تمر، وحدِّثيه عن أنه في كل زمان نمر به، يوجد خير وشر، ويا حبذا لو قمت بعمل ذلك من خلال مسرحية، يلعب هو فيها دور الشر وتلعبين أنت فيها دور الخير الذي يقاومه، فهنا ينفس هو ويبقى في موقف الفعل، وفي نفس الوقت يشعر بقوة الخير المتمثلة في مقاومتك، فنلعب مثلًا عسكر وحرامية، ونتحدث عن الأحداث بهذا التصنيف، ثم تتبادلا الأدوار ليجد نفسه وقد أعد خطة لمواجهة الشر وأصبح هو (الفاعل) لكن في كتيبة الخير.
الأطفال في سن أكبر لابد من مشاركتهم في الفعل وليس مجرد التمثيل، فمثلًا في أحداثنا قد يكون من المفيد أن ينزل الطفل إلى الشارع - من 8 أو 9 سنوات – ليمد اللجان الشعبية بالمياه، أو بالغذاء مثلًا، أو نحدد لهم توقيتًا بسيطًا يتناسب مع عمرهم، فمثلًا نجعل وقت وجودهم من 5 إلى 7 مساءً، كما يمكن أن يكون لهم دور فيما بعد بأن يساهموا في تنظيف الشوارع أو نشاط في جمعية من الجمعيات التي أتمنى أن تبدأ في تنظيم برامجها للعمل بعد انفراج الأزمة قريبًا إن شاء الله (أو هكذا نتمنى).
انتهزوا هذه الفرصة ونمُّوا الوازع الديني عند أطفالكم، فهو من أهم العوامل التي تساعد على خفض القلق والتوتر، بأن نتحدث عن حماية الله لنا، ونتحدث عن حبه لنا، ونحدثهم على فكرة (كله خير)، ونروي لهم قصص الأنبياء وما عاشوه، ومع ذلك تمسكوا بالفضيلة وأصبحوا أنبياء.
احكوا لهم عن أزمات عايشتموها، وكيف مرت بسلام، وكنتم تعتقدون أنها لن تمر، ويا حبذا لو اشترك الأجداد في ذلك، ولا مانع من أن نحضر لهم صورًا مثلًا لانهيار منازل في بلد، وليكن ما حدث في الزلزال أو في لبنان، ثم نحدد لهم صور هذه الأماكن بعد التعمير، وكل هذا يمكن الحصول عليه بضغطه على جهاز الكمبيوتر الخاص بك الذي تقرئين لي عليه الآن.
إذا كنت من النوع الذي يدخل في خوف شديد لا يمكن أن تخفيه، فتقبلي أن يتحول أبنك إلى حامٍ لكِ، ولا تسخري من ذلك، فقدره أن يكون معك، وبالتالي فإن من خلقه جعله مؤهلًا لذلك، فدعيه هو يتمم على باب الشقة، ودعيه هو يأخذك في أحضانه ويربت على كتفك.. دعيه يقول لك أن لديكِ رجلًا، فإن لم تكن إرادة الله أن تملكي مواصفات القائد الفعال في مثل هذه الأزمات فاسمحي لطفلك أن يكون هو القائد، وشجعيه على ذلك، بأن تسعدي في حضنه، وتجعليه يشعر باطمئنانك لتلك الإجراءات التي يأخذها، كأن ينام هو في الجهة الخارجية من الفراش، بدلًا من أن ينام في الداخل، أو ينام في حجرته في حالة غياب الأب.
أظهري لأبنك بطريقة غير مباشرة وجود كل السلع التموينية وكل ما يحبه داخل المنزل، فكثير من الأطفال يقلق من احتمال غياب اللبن الذي يحبه في ظل ظروف مثل هذه، ولكنه لا يعبر عن ذلك مباشرةً، وبالتالي يظل في حالة قلق.
اليوم العالمي للطفل.. متى يتحقق الحلم؟
- التفاصيل