يطلق بعضهم اسم مرحلة الطفولة المبكرة على مرحلة ما قبل المدرسة, حيث إنها تبدأ بنهاية العام الثاني من حياة الطفل, وتستمر حتى بداية العام السادس وتعد مرحلة مهمة في حياة الطفل, حيث أن نموه فيها يكون سريعًا وبخاصة النمو العقلي, وتشهد هذه المرحلة مجموعة من التغيرات التي تطرأ على الطفل كالاتزان الفسيولوجي والتحكم في عملية الإخراج وزيادة الميل إلى الحرية, ومحاول التعرف إلى البيئة المحيطة, والنمو السريع في اللغة, ونمو ما اكتسب من مهارات الوالدين, وتكوين المفاهيم الاجتماعية, وبزوغ الأنا الأعلى, والتفرقة بين الصواب والخطأ والخير والشر, وبداية نمو الذات وازدياد وضوح الفوارق في الشخصية حتى تصبح واضحة المعالم في نهاية المرحلة.
وفي هذه المرحلة ينمو وعي الطفل بالانفصال والاستقلالية, فلم يعد ذلك المخلوق الذي كان يحمل على الكتف, أو يحبو إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى آخر, بل صار الطفل الآن قادرًا على الوقوف على قدميه والتحرك بواسطتهما ما يجعله يعتمد كثيرًا على التجوال هنا وهناك, مستكشفًا ومنقبًا في اهتمام واضح, بل إنه يخاطر في تنقله, والمخاطرة تفتح له آفاقًا جديدة للمعرفة, ويستطيع هنا استيعاب الظواهر الخارجية, وفيها يتعرف إلى خواص الأشياء وعلاقة كل منها بالآخر.
أي أن الطفل ينجذب إلى الاتصال بالعالم المحيط ومكوناته لاستكشافه والتعرف إليه, فهو في هذه المرحلة يكتسب معلوماته من العالم الخارجي عن طريق حواسه, وقد أثبتت البحوث أن الحواس تولّد شعورًا باللذة عند الطفل أكبر مما تولده عند البالغ.
والطفل في هذه المرحلة يستخدم الأسئلة والاستفسارات الموجهة للمحيطين به لمعرفة المزيد عن العالم الخارجي, حيث يكوّن كل طفل لنفسه ما يُسمّى ببنك المعلومات, فاللحاء المخي في هذه الفترة يكون غاية في الحساسية, وهذا يجعل من السهل تخزين المعلومات والخبرات ورموز الأشياء لاستخدامها في اكتساب الخبرات في المستقبل وتفسيرها والتعامل معها.
فالطفل خلال هذه المرحلة يتمكن من اكتساب ما يقرب من خمسين مفهومًا جديدًا كل شهر, وبذلك يضيف هذه الثروة الهائلة إلى محصوله اللفظي بما يساعده على الاتصال بالآخرين وفهمهم والتجاوب مع متطلبات الحياة الاجتماعية, كما أنه يعمل كعنصر أساسي في النمو العقلي السليم للطفل.
ويتصف الطفل في هذه المرحلة بالخصوبة المفرطة في الخيال والقدرة على الربط بين الأسباب ونتائجها, بالإضافة إلى أن النمو العقلي في هذه المرحلة يكون في منتهى السرعة حيث أكد العالم النفسي (بلوم) أن 50% من النمو العقلي للطفل يتم ما بين الميلاد والعام الرابع من عمره, و30% منه يتم بين العام الرابع والثامن من حياة الطفل.
وتؤكد الاتجاهات المعاصرة في تربية أطفال ما قبل المدرسة, أهمية تعريض الطفل للمثيرات الحسيّة المختلفة, وإكسابه المفاهيم المناسبة بما يساعده على اللحاق بهذا الركب الهائل من التطور التكنولوجي والعلمي المعاصر حتى لا نضيع عليه الوقت، وحتى لا نهدر الكثير من طاقاته وقدراته العقلية, وحتى لا نفقده الكثير من الخبرات قبل أن يصبح في عمر اللحاق بالمدرسة.
ويحاول الطفل في هذه المرحلة أن يعيد بناء كل ما تم تنميته في السنوات الأولى من حياته سواء كان من النمو في اللغة أو في العمليات الرمزية, إلا أن إدراك الطفل للمفاهيم التي يبنيها مازال هشًا في الحدود, التي تظل هذه المفاهيم في منتصف الطريق بين تعميم المفهوم وفردية العناصر, التي تكوّن المفهوم من دون أن يصل الطفل إلى مستوى أحدهما بسبب تذبذب وعدم استقرار قدراته التصويرية, ولأن إدراك الطفل للمفهوم في هذه المرحلة من التعلم يرتبط بتكوين مهارات وممارسات يقوم بها الطفل، ويصحح منها شيئًا فشيئًا حتى يكتسب تعميمات وقواعد ترتبط بالمفهوم الذي يدركه في مرحلة لاحقة.
مرحلة ما قبل المدرسة
- التفاصيل