د. كميل موسى فرام -
أصبحت جهود الأهل بتوفير الظروف المثالية لاستنباط علامات الابداع بمستقبل الطفل وترجمتها لواقع بالتوقيت المناسب الهدف الأسمى والحصري والذي يحتل العنوان والمحتوى بأجندة العائلة التي قرأت تاريخ العظماء، فقررت المغامرة بدخول أبنائها لعالم الابداع منذ الصغر خصوصا بعد أن أضحت مفردات التكنولوجيا عاملا أساسيا في رسم شخصية الطفل منذ ولادته، بل ومنذ لحظة تكوينه مرورا بتوفير الظروف الصحية والبيئية المثالية للولادة، ليبدأ الطفل حياته في عالم مليء بالتقدم والتغير على مدار الساعة.
الاهتمام بالمفردات الصحية يوفر العناصر التي ترصف طريق النمو على المسار الصحيح خصوصا بتوفر البرامج الوقائية واعتماد برامج المطاعيم ضد الأوبئة بصورة الزامية ومجانية ضمن جدول عمري يبدأ بسن مبكرة، ومع الثورة الهائلة في تشخيص الأمراض ومعالجتها أصبحت العناية الصحية بالفرد ركنا أساسيا من أركان الشعوب وحياتها وثروتها.
وصول الطفل لسن الثالثة من العمر يمثل فصلا جديدا من فصول الاكتشاف والاهتمام، تترجم بأحد صورها العفوية قدرته على الابداع المستقبلي حيث يجد من حوله كل مغريات ومحفزات التفكير والنمو، فألعاب الأطفال المتوفرة حتى اللحظة تمثل وسيلة تعليمية ووسيلة للتسلية تساعد الطفل على صقل شخصيته، وتغذية مفاصل العبقرية والتميز، وبرامج الأطفال التلفزيونية والمخصصة حصريا لهم تساعد على ترجمة الخيال بأفقه الواسع إلى واقع ملموس يعتمد على التقليد السلبي والايجابي على حد سواء، وهو أمر يتطلب فرض الرقابة الدائمة على مدار الساعة من قبل الأهل والمربين على ما يشاهده الطفل وما يعمله، خصوصا أن هناك بعض مفاصل العنف والخيال الزائد في البرامج والمسلسلات التلفزيونية الموجهة لهم، ناهيك عن توفر الأشرطة المسجلة بتكنولوجيا سهلة ومتوفرة ورخيصة الثمن لتكون في متناول الجميع.
الطفل بصورته البريئة مقلدٌ ذكيٌ ومبدعٌ لما يشاهد من مفاصل الجمال والعنف، فيحاول أن يتصرف ويقلد بعفوية وبراءة ترقى لدرجة الانبهار وتمثل في حقيقتها خطراً محدقاً لو نفذت بمفهومها الطفولي دون مراقبة وتوجيه، وحتى تناول وجبات الطعام الأساسية والضرورية تمثل مهمة صعبة على الأهل، وكأن الطفل يمتحن نقاط الضعف بالوالدين، فيضرب عن تناول الوجبات إن لم يكن هناك وعد بمكافأة، أو أنه يريد معاقبة الكبار لشدة تعلقهم به، وهو أمر يمثل مفصلا ضعيفا في مفاصل التطور والنمو والحرص على حياته المستقبلية لو رُحّل بغلاف الأمل.
الاعتماد المتزايد على تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، وفرّ بين أيدي الاطفال العابا واجهزة الكترونية تمثل في واقعها محفزا للتفكير الذي لا يشترط أن يكون نمطا صحيحا في واقعه بصورة مطلقة، ولنتذكر دائما أن شيوع أجهزة المشاهدة وتوفرها قد جعلها وسيلة أساسية في تحديد سلوك الفرد وصقل شخصيته.
إن واقع انتشار الأجهزة الكهربائية والالكترونية يجعل الطفل محاصرا بين موجاتها على مدار الساعة كما ان النمو الهائل والتكاثر العشوائي لأجيال الهواتف الخلوية وتعدد صورها واستعمالاتها، والتنافس غير الشريف بين الشركات المصنعة تحاصر الأهل وتورطهم بالاستسلام لشراء الحديث منها وبطريقة الاستخدام المحدد وهناك حصار من نوع آخر من قبل الشركات المسوقة والتي تتقن فنون الإغراء وتسهل من قدرة الطفل على استخدام الأجهزة الخلوية كلعبة مسلية على الأقل، بالرغم أنها تصدر ذبذبات إشعاعية لم يتبرع أحد من المختصين بتقديم شهادة دامغة لنا على سلامة استخدامها من قبل أطفالنا.
تجسيد علامات الابداع بمستقبل الطفل منذ الولادة يُترجم قدرة الأهل على تحديد الأهداف المتعلقة بمستقبله وتنفيذها بدقة ، ضمن أسوار العواطف والحرص، وبما يشكل المظلة الواقية لمستقبل مشرق باستحقاق، وهذا يعني مسؤولية حصرية للأهل ويتطلب جرأة التجرد في اتخاذ القرار وتحديد مسار المستقبل بين اشواك الأيام.

أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية

JoomShaper