ندى الأزهري
أقوى طفل في العالم في الخامسة من عمره. أرتنا إياه محطة «العربية» في إحدى نشراتها الثلثاء.
مقدمة النشرة ظهرت مبتسمة بعد التحقيق المصور مع أن لا شيء يدعو للابتسام، أما قارئة التعليق على التحقيق فلم يبد في طريقة إلقائها أدنى استهجان للحدث. لعله الحياد المطلوب، كنا سنقول لو لم نلاحظ إعجاباً مبطناً بهذه «الظاهرة» الفريدة.
تدعو البرامج الإخبارية المحللين والمعلقين والخبراء والفاهمين للتعليق على ما يحدث في هذا العالم من أحداث، سياسية في معظم الأحيان، المهمة منها وغير المهمة، الخطيرة والأقل خطورة، وتستضيف خبراء التغذية والصحة وغيرهم للتداول في أشياء مفيدة وغير مفيدة... إنما لخبر «خطير» كهذا تتجاوز الأمر وتتركه يعبر وكأن على المرء القول بعده «لله في خلقه شؤون» ويبتسم، أو الشعور بالإعجاب أمام ما يرى من دون أن يدرك مدى خطورته.
كالعادة قدم الخبر أولاً ثم عرض التحقيق. طفل من رومانيا في الخامسة دربه والده منذ سن الثانية على حمل الأثقال، وها هو الآن وجسده الصغير منتفخ بعضلات جديرة بشاب رياضي، يحاول وهو يعرضها إبرازها كما يفعل رياضيو كمال الأجسام الذين يدهنون أجسادهم بالزيوت. يظهرون الطفل وهو يقفز ويؤدي حركات رياضية خاصة بالكبار. ويتكلمون كأن سرقة طفولة هذا الصغير أمر طبيعي، كأن اغتصاب حقوقه في عيش عمره يمكن التغاضي عنه لمجرد أنه «معجزة» سعى البالغ، وهو هنا والده، لتحقيقها على حساب الطبيعة. يتناسون أن طفلاً قد يعجب بما يرى، أو أن أباً آخر قد تغريه فكرة تحقيق «أمجاده» الشخصية على حساب جسد ولده الغض ويسعى هو الآخر لإدخال الصغير موسوعة غينيس، فهي موضة هذه الأيام وهدف «نبيل»! أين آراء الاختصاصين هنا؟ أين من يعلق ليحكي عن المجزرة التي ارتكبت بحق هذا الجسد الطري وبحق حياة هذا الكائن الصغير.
تبرز «الظواهر» بإعجاب ويلعب الإعلام المرئي دوراً في نشرها متناسياً عن قصد أو عن غير قصد أن ثمة تحريضاً في أخبار كتلك، وهو يبينها إما كمعجزات أو كشيء طريف يستحق الابتسام وبخاصة حين يكون أبطالها صغاراً، ويعجب بالطفل وهو يلعب دور البالغ، وبالبالغ وهو يلعب دور الطفل، حين يُحكى مثلاً عن شباب حطموا الأرقام القياسية في اللعب بالألعاب الكترونية.
وسائل الإعلام ليست مسؤولة بالطبع عما يحصل في العالم، فهي مجرد ناقلة له، مع ما في هذا القول من تبسيط شديد، اذ سنتغاضى عن مسألة التحفيز الإعلامي سلباً وإيجاباً لكثير من الأمور... لكن في وسعها التنبيه ولا سيما أنها تدعو باستمرار إلى احترام الطفل وحقوقه نظرياً، فيما تقدم أحياناً برامج تتنافى مع هذه الحقوق وهي لا تحترم طفولته حين تركض وراء الطفل «الظاهرة» وتبرزه كما لو كان مثالاً يحتذى.
دار الحياة