وسيم حمزة
أين تقف حدود الخدم في المنازل؟ وهل يمكن تسليمهم مسؤولية تربية الصغار إلى جانب الأعمال المنزلية الأخرى؟
تدل الشواهد على أن شريحة كبيرة من أولياء الأمور بدأت تعتمد بشكل متزايد على «تربية الخدم» لأبنائهم من دون إدراك لعواقب هذه التنشئة في المستقبل وما ستخلفه من تضارب وازدواجية في قيم ومفاهيم الفرد نتيجة للتنوع الذي واجهه في فترة الطفولة.
وينقسم أولياء الأمور إلى فئتين، فئة مدركة لأهمية تولي تربية الأبناء، وفئة أخرى تعتمد على الخدم في التنشئة، رغم ان أصحاب الاختصاص يحذرون من خطورة ما يتلقاه الطفل في سنواته الخمس الأولى، مؤكدين انه يبقى راسخا لديه في الكبر.
ويربط بعض الأشخاص بين سلوك الشباب المثير في المجتمع وحركاتهم ومظهرهم في الأسواق مع ما تلقوه من تربية ودور الأهل ومدى عمق الارتباط بين أفراد الأسرة.
تقول مديرة مكتب التوجيه والتدريب في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في الجامعة ابتسام القعود إن ظاهرة الشباب المنتشرة بكثرة في المجمعات وما يصدر عنهم من تصرفات تعتبر سلبية إضافة إلى أشكالهم الغريبة، هي ظاهرة لا تدعو إلى القلق والخوف، فالشباب هم شباب في أي مكان وزمان، وطالما ان هناك شبابا مستمرا هناك ظواهر غريبة تظهر معه تكون متماشية مع تطورات العصر.
وترى الأستاذة القعود انها مرحلة عادية وعابرة بحياة الإنسان سوف تمر، ينبغي علينا ألا ننظر إليها بقلق كبير، لكنها تؤكد على دور الأهل الأساسي في عملية التربية وإرشاد هؤلاء الشباب، حيث إن البعض منهم لديه أهل لا يرونه متى يدخل إلى البيت أو يخرج منه. وهذا يعني ان غياب الأسرة وبالأخص الوالدين يؤدي إلى حدوث مثل هذه الظواهر.
وتقول ان هذه الظاهرة ما هي الا صرخة من هؤلاء الشباب ورسالة يقولون فيها لاهلهم اننا وحيدون ومظلومون، حيث ان للاب والام الدور الاساسي في ذلك.
وتضيف الاستاذة القعود انه لا مشكلة اذا كانت قصة شعر هؤلاء الشباب غريبة فالاهم هو ان تكون لديهم افكار واشياء جيدة تعبر عنهم. ولهم الحرية في تكوين مظهرهم الخارجي كيفما يريدون لكن ليس لديهم الحرية ابدا في الاساءة للناس الاخرين.
تراكمات الطفولة
وفي سؤالها عن مشكلات الطفولة ومتى تطفو على السطح؟
تقول القعود ان اي مشكلة تظهر على السطح في مرحلة المراهقة سببها شيء عانى منه الانسان في مرحلة الطفولة، قد يكون كبتا مثلا، لكن عندما لاحظ المراهق ان جسده نما وشخصيته تطورت بدأ يعبر عن كبته بسلوك سلبي،
وهي تراكمات مرحلة الطفولة، فالانسان الذي يمر بطفولة سعيدة تكون مراهقته سعيدة والعكس صحيح.
وتقدم القعود مفهوما اكاديميا للتربية، حيث تعرفها بانها احاطة الام والاب والاسرة للابناء بطريقة تسمح لهم بنوع من الحرية تتناسب مع عقليتهم وتحترم افكارهم وتحتضن مبادئهم والاحساس بهم كانسان له حقوق علينا ان نقدرها ونحترمها، ومن اساسيات التربية الحديثة التركيز على انسانية وحقوق هذا المراهق.
اما اسلوب الثواب والعقاب كاحد اساليب التربية فترى القعود ان اسلوب الثواب والعقاب شيء اساسي للكبير والصغير ومهم ايضا في تربية اي مجتمع انساني فلابد من قوانين تحكمه وبالتالي الاسرة يجب ان تكون لها ضوابط تكون ضمن العرف والمعقول، مضيفة ان الحوار المفتوح باحترام عقلية المراهق شيء اساسي في التربية ايضا. وترى ان الوسطية هي الافضل في التربية لا تسلط ولا تساهل.
أكثر السنوات أهمية في عمر الإنسان
وتضيف القعود ان السنوات الخمس الاولى من عمر الانسان هي السنوات الاكثر اهمية، وتعتبر مرحلة تأسيسية لان كل ما يكتسبه الطفل في هذه المرحلة يبقى راسخا فيه حتى الكبر.
وتؤكد اهمية دور الأم وضرورة تواجدها الى جانب طفلها في هذه المرحلة، حيث تعتبر ان المكان الطبيعي للام هو المنزل، لكن قسوة ظروف الحياة تتطلب منها ان تعمل. وقد أخذت الدولة هذه المشكلة بعين الاعتبار حيث قدمت للامهات تسهيلات مثل اعطائهن اجازات الامومة والحضانة.
الخادمة ومكانها داخل الأسرة
تحدثنا الاستاذة القعود عن تجربتها الشخصية مع الخادمات، حيث تقول انه كان لدي خادمة تساعدني في الاهتمام بابنتي فقط اضافة الى قيامها بالاعمال المنزلية، لكني كنت احرص دائما على عدم تركها مع الخادمة وحدها في البيت حيث كانت والدتي تشرف على تربية ابنتي اثناء غيابي عنها.
واشارت الى ان ترك الطفل تحت اشراف الكامل للخادمة يؤثر سلبا عليه، ومن هذه الآثار اكتسابه لغة مكسرة، واكتسابه عادات غريبة عن عادات مجتمعه، والاهم من ذلك كله قد يتعرض الطفل الى الايذاء الجسدي أو النفسي من قبل الخادمة التي قد تحمل الكثير من المشاكل النفسية.
وتؤكد الاستاذة القعود اهمية اشراف الام على تربية ابنها، وفي حال انشغالها توكل هذه المهمة الى احد الاقرباء. ومن الحلول التي تقترحها القعود ايضا وضع الطفل في الحضانة كونها تتبع اساليب تربية جيدة يشرف على الاطفال اشخاص تربويون متخصصون ومراقبة الاطفال من خلال الكاميرات، بهذا نحمي الطفل من وقوعه تحت سيطرة الخادمة وتعلقه بها، وتذكر القعود ان الخادمة مهمتها الاساسية هي المساعدة في اعمال المنزل وليس التربية.
ضروري ولكن
تقول هلا عبدالخالق التي تعمل مدرسة ان لديها ابنتين، وعندما ولدت البنت الأولى كانت تعمل في المدرسة ولم يكن لديها الوقت الكافي لتشرف على تربيتها، لكنها حاولت جاهدة ألا تضعها بين يدي خادمة لا تبالي بأمرها اذا حدث لها شيء.
وتضيف: كنت ابقيها عند والدتي التي اشرفت على تربيتها تماما، وبعد مرور مدة طويلة من اشرافنا الكامل على تربيتها قررت الاستعانة بالخادمة، لكن ضمن حدود عملها فقط في المنزل، مع اشرافها عن بعد على ابنتي.
وتقول: عندما رزقت بالطفلة الثانية قررت ترك عملي في المدرسة لاهتم بتربيتها مقتنعة تماما بان الخادمة لا يمكن ان تحل محل الأم أبدا.
وكل هذا طبعا بمشاركة والدهما، مع تأكيدنا على اتباع العادات الموروثة في الاجتماع وقت وجبات الطعام لاشاعة جو اسري جميل.
وتتابع: حاليا انا عامل طلابي كما اعامل ابنتي من خلال محاولاتي الدائمة للتقرب منهم ومعرفة مشاكلهم ومساعدتهم على حلها او الاتصال بأهل الطلاب لمناقشة المشاكل ان وجدت.
كما انني اعامل ابنتي كصديقة، فهي تثق بي وتحدثني عن زملائها وانا اهتم كثيرا بالتعرف عليهم وعلى أهلهم لان الاصحاب في بعض الاحيان يشكلون محرضا على سلوك الطفل مسلكا سلبيا.
وتضيف: من الضروري ايضا اثارة النقاش في مواضيع متنوعة امام الطفل، مما يساعد على توسيع مداركه وتوعيته.
وتقول: انني ألاحظ مدى تأثير الخدم على الاطفال من خلال طلابي، ويظهر ذلك من خلال مشاركتهم في الدرس، إذ ان الخادمة هي التي تكتب لهم وظائفهم ونشاطاتهم وهذا شيء غير مفيد.
وترى انه يجب ان يكون هناك اهتمام اكثر من قبل وسائل الاعلام كونها تستطيع الدخول الى كل بيت، وتبرز هذا التقصير بالقول ان مواضيع التربية لها خصوصيتها بعض الشيء في مجتمعنا نتيجة لتمسك كل شخص بوجهة نظره حول التربية ورؤيته لها على انها هي التربية الصحيحة.
وترى ان التمسك ببعض العادات التي تساعد على استمرار تواصل العائلة مع بعضها ليس خطأ، كما اني التزم بحضور مجلس اولياء الامور لما فيه من فائدة تعود على الطفل والأهل والمدرسة، لكن بعض الاهالي وخاصة اولياء امور الطلاب ذوي التحصيل العلمي الضعيف لا يهتمون بمجلس اولياء الامور ولا يحضرون الاجتماع رغم دعوتهم لحضوره، أما اهالي الطلاب المتفوقين فيواظبون على حضور هذا الملتقى.
وترى ان هناك اهمالا من قبل اولياء الامور بمتابعة اخبار ابنائهم في مجال التعليم.
وتختم بالاشارة الى ان العمل ضروري ولكن ليس ضروريا اكثر من اطفالنا.
كاميرات للمراقبة
وترى هنادي الموّاج التي تعمل موظفة، أن ماهم عليه الان بعض الشباب المراهقين من تصرفات ومظاهر غريبة، في ظل هذا التنوع الكبير من جامعة او مدرسة واصدقاء يقضي الشاب وقته الأطول معهم اذا ما قورن بوقت جلوسه في البيت مع اسرته، في ظل ذلك ترى من الصعب جدا معرفة من اين يمكن للمراهق ان يلتقط هذه الافكار والتصرفات الغريبة.
وتؤكد هنادي اهمية التربية واهمية احترام مرحلة المراهقة التي تتميز بالطيش والتي مررنا بها جميعا.
وتضيف بان الوسيلة الجيدة لمعالجة مثل هذه التصرفات عند المراهقين تكون من خلال تقرب الاب من ابنه والام من ابنتها وتكوين علاقة صداقة بينهم لكسر الحواجز، اضافة الى توجيههم نحو ممارسة نشاطات معينة مثل الرياضة او الموسيقى.
وتقول هنادي انا لدي طفل واحد عمره خمس سنوات حيث اعمل جاهدة للحؤول دون تركه مع الخادمة في البيت، من خلال تكليف والدتي بالاهتمام به بعد ان تفرغت تماما لتربيته في السنة الاولى من عمره، ذلك لما للخادمة من تأثيرات سلبية عليه، وفي بعض الاوقات اكون مضطرة لتركه مع الخادمة لكنني اتخذ احتياطات ممتازة من خلال وضع كاميرات للمراقبة في كل غرف البيت.
وتضيف انه كان لدي خادمة وكان ابني قد اعتاد عليها ثم اضطرت للرحيل مما شكل فراغا لطفلي وبدأ يسأل عنها وعن سبب رحيلها وبقي مدة شهرين على هذه الحال الى ان تأقلم مع الخادمة الجديدة.
اما في ما يخص اساليب التربية فترى المواج ان أسلوب الحوار في التربية يعتبر أفضل الأساليب، وتضيف انني أهتم بالتربية وما توصل إليه هذا العلم مع ملاحظة بعض الاختلافات بين المضامين التربوية المقدمة، وتؤكد ان التربية لا يمكن تطبيقها على نوع واحد فهي تختلف باختلاف طبيعة الطفل نفسه، وتشير إلى ان هناك فرقا ما بين تربية الولد وتربية البنت.
وان من السلبيات التي يجب ان تزول من عملية التربية في مجمعنا هي تسلط الأب أو الأخ الأكبر على باقي أفراد العائلة.
الرفاهية والضغط
تقول القعود ان مفهوم التربية لا يمكن ان يكون ابدا حبيس النظريات والكتب وانما هو اساس الحياة، لكن كلا منا ينظر اليه بمنظور مختلف وينبغي على الاهل ان يتابعوا ما توصل اليه هذا العلم من خلال ما تقدمه وسائل الاعلام من برامج وندوات تناقش موضوع التربية.
اما في ما يخص تأثير المستوى المادي- سواء كان مرتفعا او منخفضا- على عملية التربية تقول القعود ان اغلب الاسر التي تعاني مشاكل عائلية هي الاسر الغنية جدا والاسر الفقيرة جدا، حيث ان الرفاهية الزائدة تنشئ انسانا لا مباليا ليس لديه حس بالمسؤولية، اما الاسر الفقيرة جدا فقد تصل الى مرحلة الضغط الذي يولد الانفجار.
أصوات أشباح!
قال الاستاذ عدنان خربوطلي الذي يعمل مديرا لاحدى شركات النفط: كانت لدي خادمة لديها مشكلات نفسية وعقلية ولاحظت ذلك بعد فترة من عملها لدي، حيث كانت تختلق أشياء غريبة كسماع أصوات داخل البيت لا أحد يسمعها سوى هي أو رؤية تخيلات تتحرك مما زرع الخوف والرعب في نفوس أطفالي.
ابنتي تتكلم الفلبينية لكنني لا استطيع ترك وظيفتي
السيدة (أ.س) موظفة بنك تروي لنا قصتها مع ابنتها، حيث تقول: أنا لدي ابنة وحيدة عمرها ست سنوات تتكلم اللغتين الهندية والفلبينية بشكل جيد ذلك لأن الخادمات يشرفن على تربيتها بشكل كامل، ويمضين معظم الوقت معها، ذلك لأني لا اراها إلا بضع ساعات في اليوم نتيجة لظروف عملي بحيث حرمت من رؤيتها في فترة استراحة ما بعد الظهر بسبب دوام العمل الكامل.
وتضيف: حاولت كثيرا تنظيم وقتي لكني لم استطع لانفصالي عن زوجي ومسؤولة عن تأمين كل متطلبات الحياة واحتياجات المنزل، ووجدت نفسي أمام خيارات صعبة لكن في كل الأحوال لا استطيع ان اترك عملي.
وتؤكد (أ.س) على ان للخادمات تأثيرات سلبية على تربية الطفل من خلال ما تنقلنه للطفل من افكار غريبة عن مجتمعنا، بحيث يقتنع بها الطفل ان لم يلاحظ الأهل ذلك فورا، مثل
ابنتها التي علمتها الخادمة الابتعاد عن الاشخاص ذوي البشرة السوداء واقنعتها بأنهم اشخاص سيئون لابد من الابتعاد عنهم ومعاداتهم. وتضيف أن ما هو أهم وأخطر من ذلك ممارسة الخادمة لطقوس الصلاة الخاصة بالدين الذي تنتمي إليه، أمام ابنتي مما اثار فضول الصغيرة لمعرفة ما معنى هذه الحركات وبدأت بتقليد كل ما تقوم به الخادمة أمامها.
وتقول السيدة (أ.س) انني احترق على ما يجري لي ولابنتي، كما أنني أشعر أحيانا بأنني بعيدة عنها كليا ولا أعني لها شيئا بل الخادمة اصبحت كل شيء بالنسبة لابنتي.
ماذا أفعل؟ لا يوجد حل!
وتضيف لقد ادخلتها منذ مدة ناد رياضي حتى أبعدها عن الخادمة لكن لم يجد ذلك نفعا بسبب صغر سنها.
كما انني لا استطيع أن اطلب من الخادمة الرحيل خوفا من أن يؤثر ذلك نفسيا على ابنتي بسبب تعلقها الشديد بها.
فعندما اترك ابنتي مع الخادمة اكون مطمئنة عليها مائة في المائة.
وتقول: انني أتابع سير تطور ابنتي في مجال الدراسة من خلال مواظبتي على حضور مجلس أولياء الأمور فقط.
جريدة القبس