نجلاء محفوظ
أؤكد على حق كل إنسان على "حماية" نفسه من أي مصدر إضافي من الألم أو "النكد" أو ما تعارفنا عليه أنه "وجع دماغ"، فيكفي كل واحد منا نصيبه الذي "لا يختاره" عادة من الألم، فليس من "الذكاء" إضافة المزيد.. والأذكى ادخار طاقاتنا لتحسين كافة جوانب حياتنا وتقليص مساحة النكد.
وأود مراجعة ما قمنا بالتعامل معه كبنات حواء ،منذ سنوات طوال، من أن الاهتمام بالشئون السياسية إما مصدرا للنكد أو من شئون الرجال.

كفى إساءة لحواء

وسأبدأ بالأخيرة فعندما تردد حواء هذا الادعاء وتتهم نفسها وبنات جنسها أنهن لا يتمتعن بالعقل والوعي الذي "ينفرد" به الرجال، وتحرم "نفسها "من أهم ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات وهو العقل "وتسرق" من نفسها نعمة الوعي، وقد تعلمنا جميعا ونحن صغار أن الأعضاء التي لا تستعمل تضمر فلماذا تحكم حواء على نفسها بضمور العقل وتدهور الوعي ؟ ألا تسيء لنفسها وتتعامل على أنها أقل شأنا من الرجل ؟

وسامح ربي من قام بالربط "اللعين" بين السياسة والنكد لأننا نستحق كبنات حواء أن نعيش حياة حقيقية، وأن "نشارك" في صنع الحياة من حولنا، وألا نتحول " لأشياء " تكتفي بالأكل والتناسل والنوم ومشاهدة الفضائيات " لتغتال " حياتنا وتلتهم ما تبقى من وعينا، تارة " بإغراقنا " في إعلام الفضائح ومرات بإضاعة أعمارنا في تحديات مع الرجال بدعوى الحصول على حقوقنا المهدرة، ونتناسى أن الرجال يتساوون معنا في عدم الفوز بالحقوق الإنسانية في معظم  الدول العربية، ومن الذكاء التكاتف سويا والتراحم داخل الأسرة لنفوز نحن والرجال والأوطان بحياة أفضل نستحقها وعلينا صنعها.

الأكذوبة الكبرى

ولنتوقف طويلا عند أمريكا صاحبة الصوت " الأعلى " في تحريض النساء على الرجال، لنكتشف الأكذوبة الكبرى، فهاهي هيلاري كلينتون التي طالما "صدعت" رؤوسنا عن حرية المرأة وضرورة ألا تتنازل أمام زوجها، فلنتذكر كيف تعاملت " بانتهازية " فجة أمام خيانات زوجها الرئيس السابق كلينتون العلنية لها، وكيف " انحنت " أمامها لتفوز بدعمه السياسي لها لتكون عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي ثم لتصبح رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، وانتهى بها الأمر لتصبح وزيرة للخارجية لتواصل عدائها المفضوح للإسلام وللمسلمين، ولتناصر الصهاينة بصلف وابتذال.

وتناست وهي زعيمة التحرر من التبعية للأزواج أن " تتحرر" من تبعيتها لزوجها وأن تعود لاستخدام اسم أسرتها، فالمعروف أن المرأة في الغرب "تتخلى" عن اسم أسرتها وتلقب باسم أسرة زوجها بعد الزواج، وإلى الآن لم تتساو مع الرجل في المرتب رغم تساويها في المؤهل والكفاءات.

وفي يوم مناهضة العنف ضد المرأة أثبتت التقارير الأمريكية أن المرأة الأمريكية أكثر امرأة في العالم تتعرض للعنف وللاغتصاب في العالم.. فعن أي حرية يتحدثون؟! ولماذا لا نستفيد "بعقولنا " كنساء ألا نعرف أن الخالق "سيحاسبنا " عما فعلناه بأعمارنا يوم القيامة؟ وأن الحياة ستذهب منا فجأة ولن نأخذ وقتا "إضافيا" لإصلاح أخطائنا، متعنا الرحمن جميعا بالحياة "الذكية " لتكون أوقاتنا لنا وليست علينا.

أعتز وأتألم وأطمئن

وأؤكد " أعتز" بانتمائي لبنات حواء، و" أتألم " كثيرا لأن معظمهن لا يمنحن عقولهن الاحترام الكافي، وأطمئنهن فلن أطالبهن لا بالسير في مظاهرات ولا بالانضمام للأحزاب، فكل ما أتمنى المسارعة بفعله هو اليقين بأن مخاصمة الساسة تنتقص منهن، وأنهن " مطالبات " دينيا ودنيويا بالتصالح الفوري معها وبالإيجابية وبصنع الرجال، فكيف ستصنع رجالا يمتلكون الوعي السياسي ليحموا أنفسهم وأوطانهم من الأعداء المتربصين بنا بصورة تكشف عن نفسها بوضوح غير مسبوق.

فقد نشرت صحيفة الواشنطن  بوست منذ سنوات خريطة جديدة للوطن العربي وقد تم تمزيقه لدويلات صغيرة، وصرح قادة الأمريكان مرارا عن رفض أمريكا للعراق الموحد، وأن "مصلحتها " تكمن في إشعال الفتن بين السنة والشيعة. ومن الغريب أننا لم نتوقف – كما ينبغي- لنتساءل كيف عاشوا سويا دون مذابح أو فتن قبل الاحتلال الأمريكي الذي يسعى للتفرقة بين المسلمين والمسيحيين، ليسهل التهام الجميع بعد أن تتحول لقطع صغيرة "يسهل "عليهم "ابتلاعها "؟

وأكاد أسمع أصوات تعترض: وهل يمكننا  "كنساء" إفشال مخطط أمريكا والصهاينة الاستعماري؟

وأرد ألا " نخجل " كنساء عربيات ومسلمات من الصهيونية ليفني وزيرة الخارجية السابقة والتي ورثت الصهيونية عن والدتها ووالدها اللذين اشتركا في مذابح دير ياسين في فلسطين أيام نكبة 48 ، والتي تواصل القتال " لسرقة " باقي الوطن العربي ومعها الكثيرات، بينما " تبعثر"معظم نساء العرب أعمارهن أمام الفضائيات وللحديث مع الصديقات والشكوى من الأزواج والأبناء، وشحن أنفسهن ضدهم مما يعود  "بالخراب" على الجميع ويسهل للأعداء النيل منا والنجاح في سياسة الاستعمار التي لم تتغير أبدا وهي سياسة "فرق تسد ".

لا لمخاصمة البهجة

وأنبه لخطورة دور الأمهات.. فكما تقوم أمهات العدو "بإرضاع" أولادهن كراهيتنا " وحتمية " القضاء علينا جنبا إلى جنب مع الإعلام والتعليم، على الأم العربية مسئولية "مضاعفة" وسط تراجع غير مسبوق في دور كل من الإعلام والتعليم في غالبية الدول العربية.

وأرجو ألا نسمع من تقول ولكن هذه مسئولية الأنظمة الحاكمة، فكما تسارع كل أم بحماية أولادها من الأطعمة الملوثة وتهتم بتطعيمهم من الأمراض القاتلة، فعليها دور " أهم" وهو حماية وعيهم السياسي وألا يتحولوا إلى "أشباه" للرجال كل همهم في الحياة "اصطياد " الفتيات وتبادل أحدث الأغاني والكليبات على الهواتف المحمولة، أو الجلوس بالساعات أمام الإنترنت أو على المقاهي التي انتشرت بصورة مخيفة.

ولا يعني الاهتمام بمتابعة أمورنا السياسية مخاصمة مباهج الحياة أو الجدية الزائدة والابتعاد عن الترفيه المباح، فهذا أمر مرفوض تماما بل لعلنا سنكون أكثر تقديرا "للنعم" التي لدينا وأكثر وعيا بضرورة الحفاظ عليها، وألا نسمح لأعدائنا بأن يجعلوننا وأولادنا ورجالنا خدما لهم، وأن يسرقوا ثرواتنا وأعمارنا وكرامتنا وحريتنا لنتحول إلى "خراف" تخاف من الذبح وترضى بحياة الخراف وتعيش بأقل قدر ممكن من مقومات الحياة، فهل هذا ما ترضاه حواء العربية لنفسها ؟ هل ترضى أن تصبح خادمة هي وأسرتها لدى حواء الصهيونية؟

ليست تفضلا

فلنتذكر أن مساندتنا الحقيقية لحواء المقاومة التي تنجب من أجل الجهاد في فلسطين ولبنان والعراق ليست من قبيل التفضل وكرم الأخلاق، بل لأنهن يساهمن بدماء أطفالهن ورجالهن في "تأخير" التهام العدو الصهيوني والأمريكي لنا.

فقد "أجلت" المقاومة الشريفة في العراق تقسيم العالم العربي وفقا للخريطة التي نشرتها الواشنطن بوست، والمقاومة اللبنانية أجهضت "مؤقتا " الحلم الصهيوني الأمريكي بالشرق الأوسط الجديد الذي سارعت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بإعلانه فور العدوان الصهيوني على لبنان، و"عطلت" المقاومة الغزاوية الرائعة للعدوان الصهيوني مشروعه الصهيوني الأمريكي بإعلان نسائها قبل رجالها " إما أن نعيش فوق غزة أو ندفن تحتها".

فلابد من مساندتهم حتى لا تخور قواهم وينتصر الصهاينة ويزحفون إلينا، فكما تؤكد القراءة الواعية للتاريخ هم لم يلتزموا يوما بأي معاهدة و الحقد "الأسود"هو دينهم الحقيقي.

لا للعار

ومن "العار قيام سيدة أمريكية يهودية بالإضراب عن الطعام لعجزها عن الوصول لغزة في الذكرى الأولى لمذابح غزة وهي في الخامسة والثمانين من عمرها، وأن تشتري نساء العرب والمسلمين المنتجات الأمريكية والبريطانية وترتاد المطاعم الأمريكية هي وأطفالها، بالرغم من مقاطعة الأمريكيين لمعظم هذه المطاعم لأنها تقدم أطعمة ضارة بالصحة ورغما عن قيام اتحاد العمال البريطاني بالدعوة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وقيام الجامعات في كثبر من البلدان الأوربية بمقاطعة الجامعات الصهيونية، وقيام ناشطين من 42دولة أجنبية بمحاولات لدخول غزة في ذكرى عام على مذابح إسرائيل وتحملهم النوم في العراء لعدة أيام في سبيل ذلك.

ولا تدعم حواء العربية مستقبلها قبل أن تدعم المقاومة لا بالمال ولا بتوعية أولادها وصديقاتها، وتكتفي بالدعاء وبتمرير رسائل المحمول والبريد الاليكتروني التي  تدعو للدعاء لنصرة إخواننا، ولا نستهين بأهمية الدعاء بل لنتذكر أننا عندما نريد إعداد الطعام لأنفسنا ولأولادنا لا نكتفي بالدعاء ونحن جالسون في أماكننا، بل نسارع بدفع المال لشرائه وببذل الجهد لطهيه وكلنا رضا لأننا نعرف أننا لا نستطيع العيش دون طعام.

ولا مفر أن نزرع اليقين أننا وأولادنا بل وأحفادنا سنتعرض للضياع ما لم نسارع بحماية أنفسنا وأولادنا من المصير التعس الذي يصنعنه الأعداء لنا ونتغافل عنه، ولابد من التأكد من الحصول على التوعية السياسية من المصادر المحترمة، وعدم السماح لأحد بتكسير هممنا وإشاعة الخوف في نفوسنا، وكما تقول الأغنية الشعبية المصرية الرائعة: اللي يكسر مجاديفي يحرم عليه صباحي.

فلنتعاهد كبنات حواء بحرمان كل من يحاول تكسير المجاديف وهي التي يتم بها الإبحار في المراكب ،ليس من تحية الصباح فقط ولكن من أي تواجد في حياتنا وحياة أولادنا، ولنقم بإرضاعهم بحب ولطف وذكاء وتدرج أيضا ،ودون حماس زائد أو انفعال مبالغ فيه، حب الأوطان وضرورة أن يكونوا رجالا "حقيقيين"، لأن البديل هو تنفس الذل وهو ما أثق أن كل حواء عربية ستقاتل بذكاء وستتمتع بالنفس الطويل للحيلولة دونه، لتتنفس وأولادها العزة التي "تستحقها "والتي يرضاها لنا الرحمن .. أليس كذلك ؟

كاتبة وفنانة تشكيلية، ومستشارة في القسم الاجتماعي بشبكة "إسلام أون لاين.نت"، ورئيسة القسم الأدبي المناوبة بجريدة الأهرام المصرية .

إسلام أون لاين

JoomShaper