بسام ناصر
ورد في أخبار هذا الأسبوع خبر طريف يقول: لجأت الفتيات المنتقبات في الجامعات المصرية إلى الالتفاف على قرار وزير التعليم العالي، بحرمانهن من دخول الامتحانات بالنقاب، عبر الكمامات التي تستخدم للوقاية من العدوى بإنفلونزا الخنازير، خصوصا كبيرة الحجم منها التي تغطي جزءا كبيرا من الفم والأنف، ما اضطر إدارات الكليات للسماح لهن بأداء الامتحانات، التي بدأت السبت الماضي.
وسبق لوزير التعليم العالي المصري هاني هلال، أن أصدر قرارا إداريا بمنع لبس النقاب في المدن الجامعية المصرية، وحرم المنقبات من دخولها، بيد أن محكمة القضاء الإداري ألغت هذا القرار بعدما أقامت طالبتان منتقبتان دعوى قضائية ضده، معتبرة أن النقاب حرية شخصية. ثم لجأ الوزير إلى قرار منع ارتداء النقاب داخل الامتحانات، فقامت حوالي 55 طالبة برفع دعوى ضد قرار الوزير، ولكن محكمة القضاء الإداري أيدت في هذه الحالة القرار بحظر ارتداء النقاب أثناء تأدية الامتحانات، ما دفع الطالبات للتحايل على القرار بلبس الكمامات كبديل للنقاب.
يصعب على المرء فهم وتفسير هذا السلوك الرسمي، فلماذا يلجأ وزير إلى إصدار مثل هذا القرار أصلا؟ وما الحامل عليه، والداعي إليه؟ أليس لبس النقاب من الحقوق الشخصية للطالبات؟ وهل ما يقال في تبرير اتخاذ مثل هذا القرار يمكن أن يقنع أحدا بصوابه؟، فالتعلل بالأسباب والدوافع الأمنية لا يقنع أحدا، إذ من الميسور والمقدور عليه التحقق من شخصية الطالبات المنقبات عبر تخصيص غرفة عند بوابة الجامعة للكشف عن هويتهن والتأكد من ذلك.
لكن يبدو أن القضية برمتها تأخذ طابعا فكريا وأيديولوجيا، وتصدر عن رؤية تضيق ذرعا بالنقاب والمنقبات، إذ إنها تعتبره مؤشرا على التخلف والانحطاط، ففي تصريحات سابقة لرئيس جامعة القاهرة الدكتور حسام كامل ذهب إلى القول "النقاب تخلف، ولن أسمح أن ينحدر مستوى الجامعات المصرية إلى مستوى الجامعات السعودية، ويضيف مخاطبا الطلاب والطالبات "يجب أن تعدلوا أنفسكم من أجل القرار، لا أن تغير الجامعة والوزارة قرارتها من أجلكم".
هي إذن رؤية مسبقة مؤدلجة تنفر من النقاب، وتضيق به ذرعا، وتناضل من أجل منع انتشاره في الجامعات المصرية؛ لأنها تعتبره تخلفا، لكن ما وزن هذه الرؤية في ميزان الشرع؟ ولماذا لا يقوم العلماء والفقهاء باستنكار تصريحات رئيس الجامعة، ورفض قرار الوزير؟ من الغريب حقا أن يصطف شيخ الأزهر في خندق أصحاب تلك الرؤية، وقد سبقهم إلى القيام بإصدار قرار يحظر فيه ارتداء النقاب في المعاهد الأزهرية للفتيات، وفي المدن الجامعية الخاصة بهن.
وقد سبق لوزارة الأوقاف المصرية أن وزعت كتابا بعنوان: "النقاب عادة وليس عبادة" لمؤلفه وزير الأوقاف الدكتور محمود زقزوق على مديريات الأوقاف بالمحافظات لتوزيعه على الأئمة والخطباء لعرضه في خطب الجمعة، إذا فشيخ الأزهر ووزير الأوقاف يقودان معركة الحرب على النقاب، ولكن لصالح من يقودانها؟، وما الذي يسعيان إلى تحقيقه عبر هذه الجهود الحثيثة؟ هل غدا النقاب من المفاسد العظيمة الخطيرة التي تتطلب كل هذا الجهد الكبير، وتستدعي مثل هذه القرارات والكتابات؟
من الأقوال العلمية المعتبرة في مناقشة مسألة النقاب، ما قاله الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" والذي قرر فيه عدم وجوب النقاب، لأن عورة المرأة جميع بدنها، باستثناء وجهها ويديها، ولما عارضه بعض أهل العلم ممن يرون وجوب النقاب، رد عليهم بكتابه "الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم إنه سنة ومستحب". واضح من عنوان الكتاب أن الشيخ الألباني مع دفاعه عن عدم وجوب النقاب لم يقل إنه عادة، بل قرر سنيته واستحبابه، فإذا كان ذلك كذلك فهو من المندوب إليه؛ لأنه فضيلة وعمل من أعمال الدين المبرورة.
في بعض المواقف والمحطات، يخرج المراقب بنتيجة تقول إن من العلماء والفقهاء من يزجون بأنفسهم في معارك خاسرة، لا يليق بأهل العلم دخولها ابتداء؛ لأنهم بسلوكهم ذاك يضعون أنفسهم في المكان النافر الناشز، ويا حسرة على جامعاتنا حينما تصبح معايير التقدم والتخلف فيها لبس النقاب ومحاربته!!.
جريدة السبيل الأردنية