العرب اليوم - آيه الخوالدة
موضوع بالغ الحساسية تهرب من مناقشته غالبية المطلقات, بل وتنكرنه ـ أيضاً.. إنه الاحتياج العاطفي والإحساس بالفراغ والحرمان.. حيث تذهب بعض المطلقات بعيداً في إنكار هذا الاحتياج, فتزهو الواحدة منهن بأنها ارتاحت من وجود الرجل في حياتها, ولا تعرف أنها تعطي صورة سيئة عن نفسها, وفي الوقت نفسه فإنها تكلف نفسها الكثير حيث تخفى احتياجها الطبيعي لتواجد الرجل في حياتها مع إظهار عكس ذلك مما يشكل ضغطاً نفسياً لا مبرر له..
وحول هذا الموضوع بجوانبه المختلفة, تقول ام محمد:  انفصلت عن زوجي بعد زواج دام ثلاثة عشرة عاما, وذلك لانه اراد الزواج بأخرى, وانا رفضت الاستمرار معه, لذا حصلت عل الطلاق وعلى حضانة ابنائي الاربعة, ولم استسلم يوما لشعوري بالحاجة الى رجل في البيت, وقمت بتأسيس مشروع خاص بي, حيث استفدت من قروض المشاريع الصغيرة, وانا اليوم انفق على ابنائي واشرف على تعليمهم منذ ما يزيد على اربع سنوات.
بينما ريما التي انفصلت عن شريك حياتها بعد زواج دام ستة اشهر فقط, لم يسمح لها اهلها بالعمل, وما تزال حبيسة جدران غرفتها, تصرح: للاسف, منذ ما حصلت على الطلاق وانا اقطن مع اهلي, الذين منعوا عملي او خروجي من المنزل بتاتا, لدرجة انني حُرمت من رؤية صديقاتي ومعارفي, وانا اليوم بانتظار قدوم زوجي المستقبلي الجديد للخروج من هذه البوتقة.
وفي حديث مع ام امجد, متزوجة منذ اربعين عاما, تبين : من تدّعي من المطلقات بأنها قادرة على العيش وحدها والاستغناء تماما عن الرجل, هي خاطئة, اذ لا بد من احداث نوع من التوازن والاستقرار النفسي بوجوده, كما انها لا تستطيع ادارة المنزل وتربية الابناء وحدها.
امل, ام لثمانية ابناء, انفصلت عن زوجها بعد مرور عشرين عاما على زواجهما, ولم تحظ بحضانة اي من ابنائها. في حديثنا معها تقول: لقد تغيرت الاوضاع والحياة الان, اذ لا اعتقد بوجود الكثيرات اللواتي يقبلن البقاء مع ازواجهن بعد ارتباطهم بزوجات جدد. لقد كان قرار ابتعادي عن ابنائي امرا صعبا, لكنني قررت الاستقرار والاستقلال بنفسي بعيدا عن كل المظاهر والضغوطات الاجتماعية, وبما انني اقيم في مجتمع قروي, قررت مساعدة الفتيات اللواتي لم يكملن تعليمهن, بتأسيس مشروع صغير للحياكة والصناعات اليدوية والخياطة.
وحول رأي علم الاجتماع في هذا الموضوع, يوضح د. منير كرادشة, استاذ علم الاجتماع: المجتمع في كثير من الاحيان ينظر الى هذه الشريحة الاجتماعية نظرة قاسية, وعلى المرأة المطلقة في مواجهة هذا الامر رفع سوية التعليم والاستثمار في هذا الجانب وان يقترن بدخول سوق العمل, للحصول على وظيفة تضمن لها نوعا من الاستقلالية والمساهمة الاقتصادية والنضوج الذاتي والخبرات الحياتية.
ويكمل كرادشة حديثه: كما ان الوظيفة تحقق لها العديد من الاثار الايجابية على نفسيتها, بما انها انسانة منتجة ولها دور في المجتمع, ومن هنا تتخلص من تبعيتها للرجل ويمنحها الاستقرار النفسي, الاجتماعي والمادي, كما ان بعض المطلقات تقع في خطأ ربط نفسها بشخص او شخصين, عليها ان تكون سيدة نفسها وتبني العلاقات مع العديد من الاشخاص, وان تطور في شخصيتها وثقافتها, بالانتساب الى الدورات والدراسات.
وفي النهاية لا بد من الاشارة الى انه من السيئ جدا ان تشعر احداهن بالظلم والقهر والانسحاب والانزواء والانعزال من المجتمع.
يفترض بكل مطلقة ـ من أجل سلامها النفسي ـ أن تتعامل بأمانة مع نفسها وألا تخجل من إحساسها الحقيقي أو تتهم نفسها بالضعف, أما إذا شعرت المطلقة بالرغبة الحقيقية في الاستغناء عن الرجل, فهذا حقها بدون شك, ما دام لا يسبب لها ألماً نفسياً وليس ناتجاً عن الخوف أو الشعور بالنقص أو انعدام الثقة بالنفس..
والثابت نفسياً أنه يمكن للمرأة المطلقة أن تعيش حياة متوازنة نفسياً من دون وجود للرجل في حياتها متى اختارت هي ذلك بكامل إرادتها, ومتى نجحت في إشباع عواطفها, سواء بتدعيم علاقتها بأبنائها أو بأسرتها وأصدقائها والانشغال بالحياة الاجتماعية.
وهنا لابد أن نتوقف عند خطأ شائع لدى العديد من المطلقات حيث يشعرن بإحساس - لا مبرر له - بالنقص وبأن الواحدة منهن يجب أن تبذل جهداً نفسياً كبيراً حتى يقبل الناس على صحبتها.
فمن الخطأ أن نختزل شعورنا بالأمان العاطفي في علاقة واحدة.. فإننا بذلك نرتكب عدة أخطاء منها: أننا نضيق على أنفسنا الخناق من دون مبرر, وأيضاً أننا على هذا الأساس نتوقع الكثير جداً من طرف العلاقة, وبذا نرهقه ونتسبب في فشل العلاقة أيضاً, فضلاً عن أننا نضغط على أنفسنا كثيراً جداً لإنجاح هذه العلاقة التي لن تستمر إلا على حسابنا..
والحل يكمن ببساطة في توزيع الاهتمامات الإنسانية.. ما بين الأبناء.. وصديقات العمل والقريبات.. فضلاً عن الكف عن التصرف وكأن المطلقة يجب عليها أن تفعل الكثير ليتقبل الآخرون صحبتها سواء بالإغداق العاطفي أو المادي, وأيضاً عدم إرهاق الأبناء ومطالبتهم بترك حياتهم الخاصة, فإنهم وإن فعلوا ذلك لبعض الوقت فلن يشعروا بالراحة.

JoomShaper