عرضت قضية المرأة في المجتمع الاسلامي بعد عصر الراشدين الى مفهومات وممارسات ابتعدت بها عن معطيات المصادر الاولى للاسلام المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة المشرفة ، واختزل دور المرأة في قوله تعالى مخاطبا نساء الرسول صلى الله عليه وسلم «وقرن في بيوتكن» وزاد الامر اختزالا كثرة الاحاديث الضعيفة والمكذوبة على رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وهي في معظمها تكريس لتقاليد ومراسيم لا علاقة لها بالدين.

وفيما يرى البعض ان ثمة هجمة تغريبية تقف وراء تصدير المرأة كقضية ومشكلة ، وتحاول من خلالها تفكيك بنى المجتمعات الاسلامية وتغريبها ، يرى اخرون ان الخطاب الاسلامي المعاصر تجاه المرأة ما زال عاجزا عن تقديم رؤية اسلامية صحيحة لمكانة المرأة ودورها ، فالخوف على المرأة او منها ، ومن ثم التركيز على حمايتها جعل هذا الخطاب مثقلا بكثير من المحاذير والاحتياطات التي ربما عطلت المرأة عن القيام ببعض ادوارها في المجتمع ، وحولتها الى مجرد «الكترونات» تدور حول نواة «الرجل» على مستوى الافكار والممارسات ايضا.

 

لا شك بان البعض قد حمّل قضية المرأة اكثر من ان تحتمل، وقدّمها على اجندات تبدو اولويات او مداخل لانصافها وقد حدث ذلك حين تم عزل هذه القضية عن سياساتها الاجتماعية والانسانية ، او عن قضية الرجل تحديدا... اذ لا يمكن اعادة الاعتبار للمرأة في الوقت الذي يعاني فيه الرجل من ازمة ، ولا يمكن ان تستقيم معادلة «التحرر» وانتزاع الحقوق وازاحة هواجس الخوف من المرأة ، ما دام الرجل ، وكذلك المجتمع ، محاصرا بهذه الآفات.

لقد مضى اكثر من قرن على المطالبة بتحرير المرأة ، ولم تنته هذه الدعوات الى نتائج ملموسة ، صحيح ان حال المرأة في بعض اقطارنا العربية والاسلامية اصبح افضل مما كان على صعيد التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، لكن مشكلة «التخلف» التي تعاني منها مجتمعاتنا ما تزال قائمة ، وهذا يعني ان عزل قضايا المرأة وحقوقها ، والتركيز عليها كأجندة مستقلة ، لا يقدم كثيرا من الحلول لواقعنا بل انه قد يساهم في ترسيخ تراجعه وتخلفه ايضا.

لنقل بصراحة ان المشكلة التي نعاني منها لا تتعلق - فقط - بحقوق منقوصة تطالب بها المرأة او حتى الرجل ، ولا بخطاب غير واضح ولا ناضج نصدره في كل مرة ونفشل في تطبيقه ، وانما المشكلة في نظرتنا وموقفنا من «الانسان» ومن قضايا العصر ومن قيم ديننا ومن امتنا ، وهو موقف للأسف ما زال سلبيا ومحفوفا بالشكوك والالتباسات.

حسين رواشدة

جريدة الدستور

JoomShaper