من يتوهم أن المرأة حرة طليقة بلا قيد يخطي في حقها ويرفعها عن منزلة أرادها الله عز وجل ورسوله الكريم أن تكون فيها، وتختلف هذه القيود الحافظة للمرأة بين دين أنزل وشرائع أرادت أن تجمل من صورتها وقوانين تنظم العلاقة بينها وبين الرجل، ويأتي بعد ذلك عقل الإنسان الذي ينظم بين كل هذه القيود.
وعلي كل الأحوال والتقديرات فإن الإسلام صان المرأة وحفظها، فخلق منها إنسانا مستقلا وإن سلمنا أن هناك قيود لهذه المرأة كما ذكرنا في بداية حديثنا - رغم اعتراضنا على هذا اللفظ  - فاستخدامنا له من باب محاولة الوصول بالقارئ ومعه لنقاط التقاء، ورغم ذلك فإن هذه القيود هي في حقيقة الأمر تحمل حرية المرأة التي انتزعت منها منذ أن ظهرت على وجه الخليقة، فبدت المرأة ذات رأي ولها استقلال مالي عن زوجها، ولا يتم نكاحا إلا بإرادتها وموافقتها، وبات أقوال القدامى من " شاوروهن وخالفوهن" تراثا أحمقا، محاه الإسلام، ووضع بدلا منه "النساء شقائق الرجال"، فجعلها جنبا إلى جنب مع الرجل في الحقوق والتكاليف غير أن لكل منهما طبيعته التي تقسم هذه التكاليف بينهما حسب طبيعته.
والحرية التي يظن أعداء المرأة أن الإسلام حرمها منها ليست بحرية، فهؤلاء بما شرعوا جعلوا المرأة سلعة تشترى في سوق النخاسة، تحت

دعوى الحرية، عرضوا جسدها للبيع، وما بقي لها ما تحتفظ به.
والحرية حقيقة في الإسلام باب لا يجادل فيه إلا من أراد أن يشوه صورة هذا الدين  ناصعة البياض، حيث كفل الإسلام للمرأة حريات كثيرة، وإن شئنا أن نحرر المصطلح، فالحرية تكمن فيما أعطاه الإسلام لهذه المرأة فحررها من أي سلطة تتحكم فيها بغير حق وأعطاها حرية الإيمان والدين والعقيدة، فالمرأة لا تغير دينها بتبعيتها للرجل، وفي نفس السياق حرم الإسلام على الرجل أن يكرهه زوجته غير المسلمة على تغير ملتها أو أن يهينها بسب عقيدتها أو يمنعها من ممارسة شعائرها.
وفي نفس السياق أعطى الإسلام للمرأة حرية اختيار الزوج كما أعطاها حرية العمل، طالما كان هذا العمل غير مخل وضمن ضوابط شرعية تلتزم بها المرأة وتحافظ من خلالها على ما عليها من حقوق وما لها من واجبات.
وعلي قدر ما يحرم الإسلام على المرأة أن تخرج بزينة أو أن يظهر من جسدها على قدر ما أعطاها حرية في بيتها تلبس ما تريد وتتزين كما تشاء والهدف من ذلك أن ذلك لا ينشر فسادا في المجتمع.
وبمقارنة ذلك بحرية الآخرين في الغرب وأذيالهم في الشرق نجدهم أصلوا لأن تكون صورة المرأة تجارة تستخدم في دعاياتهم وبخاصة الصور الفاضحة أو الجنسية الخادشة للحياء من خلال إعلانات أو دعاية تجارية وكل ذلك يكرس أن المرأة جسد ومتاع جنسي، فنجد علي سبيل المثال إصدارات هؤلاء يعتمد 60% منها علي إعلانات تعتمد في توزيعها علي جسد هذه المرأة، فكثير من إصداراتها تعتمد علي هذه الصور، ومجلة " Glamour  " الأمريكية وهي متخصصة في شئون المرأة احتوت احدي أعدادها علي ( 339 ) إعلانا حملت صورا جنسية فاضحة نظير ( 65) مادة فقط من التحرير الصحفي الحقيقي، بما يدل أن الهدف هو جسد المرأة وبالتالي ما يزعمون ليست بحرية.
وفي المقابل نجد هؤلاء يدعون أن حرية المرأة تأتي من منطلق أنها تملك جسدها وبالتالي فلها حق التصرف فيه، وهذا مخالف للعرف والقانون والفطرة كما أنه مخالف للإسلام والعقيدة المنزلة.
والإسلام جعل المرأة حرة في كل شيء دون أن تكون هناك حرة في ممارستها للفواحش والمنكرات، وجعل تصريح هذه الغرائز في " الزواج "، في ربط الجنس بالزواج، وعليه يقوم بناء الأسرة ويتكاثر الناس وتنشأ في ذلك علاقات اجتماعية من شأنها تماسك هذه الأسر في علاقات حب وتواصل، فتكون هناك مساهمة في عمران المجتمع.
وفي ذلك يمنع الإسلام هذا الجنس من التبذل والامتهان ويري ضرورة ألا يكون الحصول عليه سهلا لأي شخص وفي أي وقت، لأن ذلك يفقد الغريزة الجنسية وظائفها في تنمية البشر.
وختاما نقول إن الحرية التي أعطاها الغرب المتحلل للمرأة أثرت بشكل فاعل في المرأة ذاتها وفي المجتمع من خلال القضاء على نواته الأولي الممثلة في "الأسرة" التي ما عاد لها طلبا بسبب الحرية الجنسية المعروضة من خلال جسد المرأة في الشوارع والطرقات، وفي ذلك يقول الأنثروبيولوجيون أن هذه الحرية التي حازتها المرأة الغربية أفقدتها فعاليتها الميتافيزيقية وجعلتها تعود إلي عصر الجواري، حيث جعلت الحرية الجنسية لديها والتي كانت تذكي نشاط الجنس الأخر بتمنعها لا بسهولة الوصول إليها، ينشر حالة من القلق النفسي وبث الفراغ في النفوس الحساسة عندما يصل الجنس بحريته إلي درجة لا يمكن معها أن يستوعب فيه الحنين الإنساني، وهذا من شأنه تدمير العائلة والأسرة التي يرتكز عليها ومن شأنه أن يقطع - وهذا هو الأهم - قوة الدفع الإبداعي الإنساني نحو رغبة الطرفين ببعضهما البعض.

 

د. سامية مشالي

لها أون لاين

JoomShaper