قد نتساءل: لماذا توقفت الحلول التي طرحت في يوم السكان العالمي لهذا العام وهو العام العشرون للاحتفال به!! وهي مناسبة استغلتها الأمم المتحدة عبر أمينها العام والمسؤولين عن صندوق الأمم المتحدة للسكان للتذكير بخطورة الزيادة المطردة في عدد سكان العالم، ولم تنس الأمم المتحدة في هذا اليوم إصدار عدد من التوجيهات من شأنها -كما يقولون - السيطرة على انفجار سكاني ينذر بما لا تحمد عقباه في مستقبل البشرية القريب قبل البعيد. إن مفهوم الاستثمار في النساء خيار ذكي، وتمت إعادة التوصيات التي تكرر أهمية الصحة الإنجابية للنساء كي يتم إيجاد حلول للفقر وكي يتم أيضا الحد من زيادة عدد المواليد التي يرى الدكتور راجي أسعد المدير الإقليمي السابق لمجلس السكان الدولي، أنها (مشكلة) لأنها: (لا تسمح للمجتمعات والدول أن تؤدي الدور الأساسي بالنسبة للتعليم والخدمات الصحية لسكانها ولا تسمح للأسر نفسها أن تعلم أولادها بنفس الدرجة إذا كان عدد أطفالها أقل. ويرى أنه مطلوب أن يتم التحول من الأعداد الكبيرة للأطفال الذين كانوا في وقت معين يمثلون احتياجا بالنسبة للاقتصاديات الزراعية إلى آخره, إلى عدد أقل لكن يكون في استثمار هؤلاء الأطفال من الناحية العلمية والصحية خصوصا الاستثمار في الطفلة أو البنت في غاية الأهمية لأن له عائدا اجتماعيا مرتفعا جدا من ناحية الجيل الآخر من الأطفال وصحتهم وتعليمهم، من ناحية التخفيض من الخصوبة إلى آخره، فيعني أن العائد من تعليم الولد يمكن أن يرجع لأهله ويرجع له من ناحية مباشرة لكن العائد بالنسبة لتعليم البنت يرجع للمجتمع ككل وبالتالي يمكن ألا يكون هناك استثمار كاف من ناحية الوالدين بالنسبة لتعليم البنات) !!
إذا قارنا ما يقوله هنا وكيف اختصر حلول جميع المشكلات الكبرى التي تعصف بالعالم
عبارات براقة لكنها تحمل الكثير من السلبيات في تطبيقاتها إذا ما ربطنا بينها وبين جميع توصيات مؤتمرات المرأة وأعدنا قراءة تقارير الأمم المتحدة، وأيضا عرفنا ما نسبة الزيادة السكانية في دول أوروبا الآن ومقارنتها بأعداد المسلمين الذين يعيشون على أرضها وقد كتب عنها، الدكتور عبد الله محمد السهلي في ''الاقتصادية'' في عددها 5768 تاريخ5/8/1430 هـ الموافق 27/7/2009 م، بعنوان (أوروبا المسلمة) وذكر ما جاء في التقرير الأمريكي الذي تناقلته المواقع الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية عن التغير الذي سيطرأ على العالم. إنه طبقا للأبحاث والدراسات التاريخية، فإنه لا تستطيع أي حضارة البقاء لأكثر من 25 عاما ما لم يكن معدل التكاثر السكاني بمقدار 2.11، وأن أي معدل أقل من هذا سيؤدي إلى تقلص هذه الحضارة. وبالرجوع إلى التاريخ لم تستطع أي حضارة البقاء مع معدل تكاثر 1.9، فمعدل تكاثر 1.3 يعني الموت المؤكد للحضارة، لأنها ستحتاج إلى 80 إلى 100 عام لتصحيح عيوبها. وجاء في التقرير أن معدل الزيادة الطبيعية في أوروبا كلها يساوي 1.38 والأبحاث التاريخية كلها تنبئنا بأن هذه الأرقام يستحيل عكسها خلال سنوات قليلة، وبمعنى أدق، فإن أوروبا التي نعرفها اليوم ستختفي من الوجود، أما النمو السكاني الوحيد في هذه القارة فيعزى إلى الهجرة الإسلامية.
إذا الحلول تكمن في تقليص أعداد هؤلاء القادمين إليهم !!
ولأن دولنا العربية والإسلامية في أغلبها دول التنمية فيها لا تسجل تقدما ملحوظا وبالتالي هي دول تابعة ولا تملك إلا أن تكون تحت سلطة الأمم المتحدة في توصياتها في مجملها خصوصا الدول التي تتلقى المساعدات المالية. من قرأ تلخيصا لتقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 نشر في عدد من المواقع الإلكترونية سيجد أنه لا يزال يطالب بـ (تحقيق الأمن سبيل التنمية). وقدم مفهوما واسعا للأمن يتعدى الفكرة العسكرية التقليدية، منوها إلى أن الدول العربية لا تهتم إلا بالمفهوم التقليدي الذي يحقق أمنها الخاص على حساب أمن المجتمع.
ومن بين ما تضمنه التقرير أن من أسباب التراجع الاقتصادي، معدلات النمو السكاني وارتفاع نسبة الشباب، رغم أنها مقومات إيجابية يجب الاستفادة منها بالمقارنة بما تعانيه دول أوروبية من شيخوخة لأعمار سكانها. تجاهل التقرير التأثير السلبي للاستثمارات في مجال الأوراق المالية على الاقتصاد الحقيقي، ولم يستفض في الحديث عن ظواهر اقتصادية، مثل تركز الاستثمارات المحلية في العقار.
وتستمر أخطاء التقرير في رصده البيانات الاقتصادية مثل الصادرات والواردات وغيرها التي تقف عند عام 2005، رغم أن بيانات عام 2007 منشورة منذ شهور طويلة سواء من جانب صندوق النقد العربي أو منظمتي التجارة العالمية أو ''الأونكتاد''، بل إن صندوق النقد وغيره نشروا بيانات عام 2008 خلال الأشهر الأولى من العام الحالي.
وظهر ذلك أيضا في البيانات البترولية التي توقفت عند عام 2006م رغم توافر بيانات 2007م، منذ أشهر عديدة سابقة على صدور التقرير، وهو ما يعطي إيحاء بأن معدي التقرير أرادوا تحسين الصورة إلى حد ما، حيث إنها صارت أكثر قتامة مع الأرقام الجديدة بفعل تأثير الأزمة المالية.
ومارس معدو التقرير الأسلوب نفسه عند ذكر توقعات صندوق النقد الدولي للنمو في العام الحالي، فقد توقف عند توقعات قديمة إيجابية للصندوق، في حين حول الصندوق توقعاته إلى الاتجاه السلبي منذ الأشهر الأولى من عام 2009. وهناك أخطاء أخرى يتضح فيها تأثير وجهات نظر مهندسي الأمم المتحدة في تحليل القضايا الأمنية التنموية الخاصة بدولنا الإسلامية والعربية !!
إن إيجابيات التقرير المطالبة بالآتي:
- المحافظة على الأرض وصيانتها ورعايتها وعلى الماء والهواء والبيئة.
- ضمان الحقوق والحريات والفرص الأساسية دون تفرقة أو تمييز، وهو ما لا يتم إلا مع وجود دولة خاضعة للمساءلة تحكمها القوانين العادلة.
- اعتراف الدولة والمجتمع بسوء المعاملة والإجحاف في حق الفئات الضعيفة، خاصة النساء والأطفال واللاجئين، وتحسين أوضاعهم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية.
- التخطيط لتدارك الضعف في مرتكزات الاقتصادات العربية التي تعتمد على النفط والتخفيف من قلة الدخل، وإقامة اقتصادات منوعة تهتم بالتصنيع وتقوم على المعرفة وخلق فرص العمل وحماية سبل العيش التي ستعتمد عليها الأجيال الآتية في مرحلة ما بعد النفط.
- القضاء على الجوع وسوء التغذية اللذين يواصلان انتقاص القدرات الإنسانية وهدر حياة الملايين.
- الارتقاء بمستويات الصحة للجميع باعتبارها من حقوق الإنسان، وعلاج التفاوت في الجودة والقدرة على الحصول على الخدمات الصحية.
- الإقرار خارجيا بأن الاعتداء على سيادة البلدان وحياة مواطنيها من جانب القوى الإقليمية والعالمية محكوم عليها بالفشل، ولا يمكن أن يقبل بها المجتمع الدولي ولا المواطنون في الدول العربية.
** هذه هي الحلول الشاملة التي إذا تحققت فلن نجد من سيطالب النساء في مجتمعاتنا الإسلامية بتمرير مصطلحات وأدوات الصحة الإنجابية !!
د.نورة خالد السعد صحيفة الاقتصادية الالكترونية