د. سناء عبد القادر السخن *

الشهر العالمي للتوعية حول سرطان الثدي أو الزهري لأكتوبر (بالإنجليزية: Pink for October) هي مبادرة عالمية بدأ العمل بها على المستوى الدولي في أكتوبر 2006 حيث تقوم مواقع حول العالم باتخاذ اللون الزهري أو الوردي كشعار لها من أجل التوعية من مخاطر سرطان الثدي. كما يتم عمل حملة خيرية دولية من أجل رفع التوعية والدعم وتقديم المعلومات والمساندة ضد هذا المرض ، وقد كان الأردن رائدا في المنطقة في نقل هذه الحملة العالمية للمجتمع المحلي من خلال نشاطات عدة تبادر بها مؤسسات حكوميه وخيرية، ولهذا سأتناول في هذا العدد بعض الأسئلة اللتي تراود ذهن الكثيرين فيما يتعلق بأورام الثدي .

ماهو ورم الثدي الخبيث أو ما يعرف بـ (سرطان الثدي) ؟
هو ورم خبيث ينشأ في أنسجة الثدي، نتيجة لنمو الخلايا الموجودة في قنوات الحليب نمواً غير طبيعي، خارج عن السيطرة، بسبب حدوث طفرة في الحمض النووي للخلايا ، ومع تطور المرض ينتشر الورم الخبيث إلى أجزاء أخرى من الجسم، منها العقد اللمفاوية، أو الجلد، أو العظام، أو الكبد، أو الدماغ.
مشاكل الثدي عند السيدات كثيرة، هل جميعها مرتبط بالورم الخبيث ؟
قلة منها مرتبط بالورم الخبيث، أي أن ما نسبته (90%) من مشاكل الثدي عند السيدات لا علاقة له بالأورام، وآلام الثدي ناتجة عن استخدام المنبهات والتدخين والكحول والعلاج الهرموني، ومعظم الكتل حميدة ، خاصة في عمر ماقبل 40 عام ولكن ينبغي استشارة الطبيب المختص دائماً للتأكد.
هل أمكن للعلم تحديد أسباب معروفة لورم الثدي الخبيث ؟
ليس هناك أسباب محددة، ولكن توجد عوامل تزيد من فرصة أو احتمالية حدوثه، إلا أن وجود هذه العوامل لا يعني أن الإصابة بالمرض هو أمر حتمي، ومن هذه العوامل : العمر حيث تزداد نسبة الإصابة كلما تقدمت المرأة بالعمر،ولهذا نلاحظ ان نحو (50%) من الحالات يتم تشخيصها بعد سن الخمسين سنة في العالم العربي وبعد سن الستين في العالم الغربي – شعوبنا عامة اصغر عمرا - ، ومن العوامل الأخرى العلاج الهرموني ( وخاصة الحبوب التي تحتوي على البروجستين)، وحدوث الطمث في سن مبكرة (قبل الـ 11 سنة)، وعدم الإنجاب أو تأخر حدوث الحمل لما بعد سن الخامسه و الثلاثين، والامتناع عن الرضاعة الطبيعية، ووجود تاريخ شخصي أو عائلي للإصابة بالمرض، كما تلعب الجينات دوراً في حدوث المرض فوجود طفرات في بعض الجينات مثل (BRCA1, BRCA2) يزيد من احتمالية الإصابة ولكن نسبة الوراثة لا تتجاوز 5-10%من الحالات ، علاوةً على ذلك فان العوامل البيئية وأسلوب الحياة مثل السمنة الزائدة والتعرض للأشعة حتى العلاجية والمواد الكيماوية.تساهم في زيادة احتمال الإصابة .
هل بالإمكان الوقاية من هذا الورم ؟
ممارسة الحياة بصورة صحية تساعد في حماية الإنسان من الامراض بشكل عام ومنها الآورام ، ومن هذه السلوكيات التركيز على الغذاء الصحي (الخضار والفواكه والتقليل من اللحوم الحمراء وليس الامتناع عنها)، وممارسة الرياضة بانتظام وخاصة رياضة المشي، المحافظة على وزن ضمن المعقول (لا يزيد ولا ينقص عن 15 – 20 كغم عن الوزن المثالي)، والابتعاد طبعاً عن التدخين بكل أشكاله وصوره وعن الكحول.
ما أهمية الكشف المبكر ؟
للفحص الذاتي والفحص الدوري والكشف المبكر، أهمية بالغة جداً في مواجهة ورم الثدي، حيث تتجاوز نسبة الشفاء من المرض (90%) من الحالات التي يتم تشخيصها في المرحلة الأولى ، وفي ظل تطور علاج الورم الخبيث، أصبحت أهمية الكشف المبكر فعلياً مرتبطة بتوجه السيدة للطبيب مبكراً في حال ملاحظة أي تغيرات جديدة على الثدي وليس فقط عن طريق التصوير السنوي ( فحص الماموغرام )، إذ إن فحص الماموغرام قد يكتشف الورم بحجم صغير قبل أن يكون ملموساً، ولكن حتى لو اكتشفت السيدة نفس الورم (إذا كانت تمارس الفحص الذاتي بانتظام)، فمن الممكن أن يستدعي نفس العلاج فيما لو تم كشفه عن طريق الماموغرام لأن نوعية المرض أصبحت تلعب دورا مهما في تحيد العلاج المناسب وليس حجمه فقط ،ومن الجدير بالذكر أن (20%) من الأورام لا تظهر في فحص الماموغرام وإنما بالفحص السريري والعكس صحيح .
كيف نتجنب التشخيص الخاطئ ؟
التوجه إلى ذوي الاختصاص وعدم التسرع في اتخاذ قرار بناءاً على رأي طبيب واحدهو امن الطرق ليس فقط للتشخيص السليم وانما العلاج السليم، فكثير من الحالات تكون أورام حميدة وتحتاج إلى متابعة فقط، وإذا كانت أورام خبيثة فإنها تحتاج إلى علاج قبل الجراحة، وحتى في حال إجراء الجراحة إذا لم تكن تامة، ستؤخر علاج المريضة، لأنها ستحتاج إلى جراحة مكملة قبل أن تأخذ العلاج السليم. ولا استطيع أن أؤكد وأشجع على أهمية العلاج المناسب قبل الجراحة بصوره كافية ، فإن هذا هو توجه الطب الحديث حاليا، وتأخير الجراحة بحثا عن العلاج المناسب لآسبوع أو اثنين لا يؤدي الى انتشار الورم على العكس من الاعتقاد السائد.
يتبوأ الأردن المرتبة الثانية عربياً في معدل الإصابة بأورام الثدي، فما هو السبب ؟
هذا يعكس ازدياد عدد الحالات المسجلة في السجل الوطني للأورام، الذي يعتبر الأفضل على مستوى المنطقة، إضافة إلى نجاح حملات التوعية التي تنفذها مؤسسات رسمية وأهلية حول مخاطر المرض وأهمية الكشف المبكر في مختلف مناطق المملكة، بحيث أصبحت السيدات تعلن إصابتهن بالمرض لايمانهن بإمكانية العلاج ، خلافا لما كان عليه الحال سابقا حين كانت السيدة تنتظر حلول الأجل بدون علاج كي لا يعلم احد بإصابتها .علما بأن معدلات الإصابة لدينا أقل من نصف المسجل في العالم الغربي. مقارنة بتعداد السكان.
هل هناك آمال جديدة بوجود علاجات حديثة للمرض ؟ هل هي متوفرة في الاردن؟
هناك تطورات مستمرة وبصورة مميزة لعلاج الأورام ومنها أورام الثدي الخبيث، بفضل التقدم العلمي والتكنولوجيا الطبية المتسارعة، فعلى سبيل المثال نحو (75%) من الحالات لا تحتاج إلى استئصال الثدي نتيجة الاصابة ،وانما يمكن استئصال الورم فقط في حالات الكشف المبكر، حين يكون حجم الورم صغيراً، وحتى إذا كان نسبياً كبيرا ، فالطرق الحديثة تعمل على إعطاء العلاج المناسب قبل التداخل الجراحي ، بحيث يصغر حجم الورم ويسهل استئصاله مع المحافظة على الثدي.
هناك انواع حديثة من الادوية البيولوجية التي نزيد فترة الاستفادة من العلاجات الهورمونية والبيولوجية كذلك، وبعضها تعطى عن طريق الفم ولا تحتاج لدخول مستشفى، ولكن يبقى تحدي الثمن المرتفع، هذا التحدي عالمي ولا يقتصر علينا، حيث تسعى كبرى جمعيات الاختصاص في اوروبا وامريكا وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية لايجاد وسائل للتغلب على الثمن الباهظ للدواء لتامين الدواء الفعال لجميع المرضى في كل مكان.
معظم الادوية متوفرة في الاردن والتقنية المستخدمة جراحيا واشعاعيا كذلك لا تقل عما هو مستخدم في احسن مراكز العلاج عالميا، ومتابعة هذه التطورات مستمرة ون خلال امؤتمرات المحلية والعالمية، وستعقد جمعية الاورام الاردنية مؤتمرا في منتصف الشهر الحالي في فندق الميريديان لمناقشة احدث الوسائل لعلاج سرطان الثدي والاورام النسائية بمشاركة اطباء الاختصاص في الاردن والدول المجاورة و خبراء من امريكا واوروبا ، مما يؤمن مواكبة التطورات الحثيثة في العلاج. وسيكون هناك لقاء بين مجموعة من اطباء الاختصاص وافراد المجتمع لاتاحة الفرصة لنشر التوعية واجابة اتساؤلات الشائعة مهنيا بصورة دقيقة.
ما فائدة العلاج المناسب قبل التداخل الجراحي؟
هناك عدة فوائد منها :
1- تصغير حجم الورم وإجراء تداخل جراحي بنتائج جراحية مظهرية ممتازة دون استئصال الثدي.
2- الدقة في في اختيار العلاج المناسب للمريض حيث يمكن تغيير العلاج حسب تجاوب المريض.
3- الدقة في تحديد احتمالية رجوع المرض عند السيدة دون الاعتماد على الإحصائيات من الدراسات المستقاة من آلاف السيدات اللاتي خضعن لنفس العلاج، وذلك من خلال معرفة نسبة تجاوب الورم مع العلاج بعد تداخل جراحي بسيط.
4- حين يكون الورم كبيرا أو منتشر للعقد الليمفاوية أو ملتهبا ومنتقل لجلد الثدي فلا يجوز التداخل الجراحي قبل اعطاء الدواء المناسب.
كيف يتم تحديد نوعية العلاج الكيميائي أو الهرموني للمريض؟
العلاج يعتمد على نوعية الورم، واعتبارات معينة مثل الحالة الصحية للمصابة وعمرها وتطلعاتها ، وكذلك حجم الورم ومعدل انتشاره. فليست كل الأورام بحاجة إلى علاج كيميائي مثلا، فالعلاج البيولوجي يستخدم في (20%) من الحالات، والهرموني أو الكيميائي في (65 – 70%) من الحالات، وبما أن العلاج يعتمد على النوعية للورم قد تحتاج سيدة حجم الورم لديها صغير لعلاج أكثر (كيميائي وبيولوجي مثلا) من سيدة بنفس العمر مصابة بمرض حجمه أكبر من السيدة الأخرى.

ما هي أبرز المضاعفات والآثار التي يتركها العلاج على المريض؟
مضاعفات العلاج مؤقتة، أسوأها تساقط الشعر المؤقت، مع العلم بأن لدى جميع السيدات يعود الشعر للنمو من جديد وأفضل من السابق. المضاعفات الأخرى بسيطة جداً مثل الإرهاق على سبيل المثال، حيث يمكن التغلب ععليه بممارسة الرياضة بانتظام، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن رياضة اليوغا مثلاً تخفف من الإرهاق الناتج عن تلقى العلاج الكيميائي بنسبة تتراوح بين (50 – 75%) كما تقلل من فرص رجوع الورم .
ما أهمية الدعم النفسي في استجابة المصابة للعلاج ؟
الزوج والأسرة أهم داعم للسيدة خلال مرحلة العلاج، حيث يساهم الدعم النفسي في مقدرة المصاب على مواجهة الواقع والاستمرار في العلاج والتغلب على تداعيات العلاج والعودة الى الحياة الطبيعية مما ينعكس ايجابيا ليس على المصاب او المصابة فقط بل على الأسرة والمجتمع. .
هل الطب البديل الذي تلجأ إليه بعض النساء عند الإصابة يغني عن العلاج الطبي أو يساعده ؟
الطب البديل وبشكل عشوائي عند الإصابة هو تصرف غير سليم، وقد يضيع على المريضة الوقت وهي تبحث عن الوهم، فليس هناك تركيبة سحرية للشفاء، وان كانت بعضها (مثل العسل أو حليب الإبل أو حبة البركة أو التمور) قد تساعد المريضة ولكنها لا يمكن أن تشفي ، وكثير من ادوية الطب البديل وخاصة الطبيعية لها اثار جانبية خطرة .
وفي الختام ارغب أن أذكر أن الأورام الخبيثة ومنها أورام الثدي يمكن السيطرة عليها بنسبة تفوق 90% في المراحل الأولى . وان كانت مرحلة العلاج طويلة ومرهقه أحيانا ، ولكن يستطيع المصاب أن يعود لممارسة الحياة بصورة طبيعية .. والورم مماثل لأمراض السكري والقلب وضغط الدم المزمنة... ولا يخشى الناس من الإصابة بهذه الأمراض مع أنها السبب الأول للوفاة في العالم في حين يهابون مجرد ذكر اسم الورم... نحن بحاجة إلى الأيمان بإمكانية تحقيق فرق أنساني من خلال العلم والمعرفة في هذا الاختصاص لتحقيق مستقبل أفضل للمرضى والمجتمع.

* رئيسة جمعية أطباء الأورام الأردنية
الاستشارية في أمراض الدم والأورام وأمراض الثدي
* يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بأذن خطي مسبق من المؤسسة الصحفية الاردنية - الرأي .

JoomShaper