د.نورة خالد السعد

صحيفة الاقتصادية الالكترونية

كرر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة أن «الأزمة المالية العالمية تضطرنا جميعا إلى الادخار وخفض التكاليف حيثما نستطيع، ولكن عملنا من أجل نساء العالم لابد أن يستمر دون تخفيض، فعندما تُمكن المرأة، تُمكن الأسرة، وعندما تُمكن المرأة، تُغير العالم». عبارات جميلة، ولكن من هن النساء اللاتي يتحدث عنهن بان كي مون؟؟ إذا استعدنا أقرب خبر نشر في جميع المواقع متزامنا مع الاحتفالات باليوم العالمي للسكان, الذي يتحدث عن: معاناة أكثر من 70 ألف سيدة مسلمة في باكستان تشردن وهن حوامل بين مناطق مقفرة ووعرة، بسبب العمليات العسكرية التي تشنّها القوات الباكستانية الحكومية المدعومة من القوات الأمريكية، ضد جماعات مسلحة في وادي سوات شمال غرب باكستان.

هؤلاء الحوامل الباكستانيات اللائي تشردن في مخيمات اللاجئين يتعرضن إلى أقسى المخاطر الصحية والحيوية بسبب الظروف الأمنية والغذائية التي يتعرضن لها. ونتيجة لذلك، حذر صندوق السكان التابع لمنظمة الأمم المتحدة من أن النساء اللائي أجبرن على النزوح والتشرد في هذه المناطق يعشن في أحوال صحية حرجة للغاية، تتطلب إسعافا وإغاثة فورية.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 70 ألف حامل قد تشردن منذ بداية القصف العسكري الباكستاني والأمريكي في 27 نيسان (أبريل) الماضي في تلك الأقاليم. وعدد حالات الوضع بلغ ستة آلاف في حزيران (يونيو) الماضي وحده، تطلب ما لا يقل عن 900 منها إجراء عمليات جراحية بسبب تعقيدات صحية. النساء الحوامل واللائي وضعن وأطفالهن، يقاسين من مشكلات صحية وغذائية حادة، نظرا لشدة فقر الطعام والرعاية الصحية والطبية. عدد الحالات التي تتطلب رعاية يتجاوز كثيرا إمكانات الوحدة التي أنشأتها رابطة أطباء الطفولة الباكستانية، التي وفرت 20 سريرا تأوي اثنين أو ثلاثة مواليد في كل سرير!، فضلا عن عجز غرف العمليات عن استيعاب الحالات المعقدة. كما حذر الدكتور عبد الحميد رئيس الرابطة من أن (الوضع قد يخرج عن نطاق قدراتهم تماما، إذا لم تتخذ إجراءات فورية لتعزيز خدمات رعاية الطفولة في المخيمات).

ما نشر عن دور صندوق السكان التابع للأمم المتحدة في هذه الكارثة هو دعمه لرعاية النازحين، ونادى بحشد (3.9 مليون دولار) لتوفير خدمات العناية الصحية للحوامل والأمهات سواء في المخيمات أو في المرافق الطبية القريبة منها. لاحظوا نادي !! ولم يوفر!! إذا أين تنفيذ الشعار؟

ولا ننسى الكوارث التي مرت ولا تزال تحيط بالنساء في قطاع غزة وفي فلسطين المحتلة بشكل عام والوضع الصحي الكارثي لهن ولأطفالهن, وقد زارهم بان كي مون وشاهد الكارثة الصحية التي يعاني منها القطاع والتلوث البيئي جراء القنابل الفوسفورية والراديوم وسواها التي لا تزال تسبب الأمراض وتلوث المناخ والتربة، فأين تنفيذ الشعار الخاص بالصحة الإنجابية للنساء؟

ومثلها مشكلات النساء الأفغانيات اللاتي يعانين التهجير والتشريد والفقر جراء الحرب على أفغانستان منذ عام 2001.

ألا يؤكد هذا أن المقصود بالصحة الإنجابية هو الجانب الأسوأ في التطبيق, علاوة على شعار اليوم العالمي للسكان الذي يهدف إلى الحد من الخصوبة، لأن هذا هو الحل في رأيهم للقضاء على مشكلات الفقر والتدهور الاقتصادي ونتائج الحروب المدمرة!

إن الصحة الإنجابية التي يتم تمريرها كحل لمشكلات النساء في الدول المتخلفة أو التابعة اقتصاديا للدول المتقدمة صناعيا هي التي حذر منها جميع العاملين في قضايا المرأة من العلماء والناشطات من النساء المسلمات في عديد من مجتمعاتنا الإسلامية والعربية, منها ما ناقشته المهندسة كاميليا حلمي رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل من خطورة تقرير الخبراء الذي طرحه «مركز المرأة» في الأمم المتحدة للنقاش والتوقيع في جلسته الـ 51 للجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة التي انعقد في الفترة من 26 شباط (فبراير) حتى 9 آذار (مارس) 2007، تحت عنوان «القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد الطفلة الأنثى»، حيث يتضمن بنودا تشكل تهديدا صارخا لمؤسسة الأسرة وتعاليم الإسلام ووضحت أن ائتلاف المنظمات الإسلامية الذي يضم عددا من المنظمات الأهلية النسائية من عدد من الدول الإسلامية قام بحصر بعض مكامن الخطر في بنود التقرير الدولي للجنة مركز المرأة في خمسة عشر بندًا تدور حول قضايا الحرية الجنسية للفتيات والجنس الآمن و(الصحة الإنجابية) ومحاربة الزواج المبكر واعتبار المهر عنفا ضد المرأة وكذلك قوامة الرجل داخل الأسرة فضلا عن السعي الحثيث لهدم الأسرة المسلمة والمساواة التامة في الميراث بينهما.

واستعرضت المهندسة كاميليا حلمي أهم النقاط الحرجة التي وردت في تقرير خبراء الأمم المتحدة موضحة انه ورد في الفقرة 115 حق الطفلة (أقل من 18 سنة) في تحديد متى وكيف تصبح «ناشطة جنسيا» sexually active على حد تعبير التقرير، وأوصى في الفقرات 27، 82، 130 بتوفير «معلومات الصحة الجنسية sexual health للطفلة وتوفير «احتياجات الصحة الإنجابية للمراهقين reproductive health لتعليمهم - ما أسماه التقرير في الفقرة 124 ـ «ممارسة الجنس الآمن to promote safe sex، ما يصب في صالح تشجيع الممارسات الجنسية خارج الإطار الشرعي «الزواج».

كذلك أوصى تقرير خبراء الأمم المتحدة المخالف لتعاليم الإسلام، بتوفير معلومات الصحة الجنسية للطفلة وتوفير احتياجات الصحة الإنجابية للمراهقين لتعليم الأطفال والمراهقين كيفية ممارسة العلاقة الجنسية مع توقي الحمل والأخطار المرضية أثناء ذلك ويؤكد ضرورة تعليمهم بتوزيع وسائل منع الحمل في المدارس خاصة للفتيات لتكون ممارسة الجنس الحر عندهم أيسر؛ ومن ثم توفير خدمة الإجهاض بشكل معلن وقانوني وأعطوه اسم «الإجهاض الآمن» في المستشفى والممارسة التي تأخذ في اعتبارها الجنس الآمن تتبناها اليونسكو وتضع لنا برامج «الجنس الآمن» وخدمات الصحة الإنجابية» في بلادنا.

في المقابل كرر التقرير «11 مرة» وفي كثير من الفقرات.. اعتبار الزواج المبكر (أقل من 18 سنة) شكلا من أشكال العنف ضد الفتاة وشدد على المطالبة بسن قوانين صارمة لتجريمه، مما يعد نوعا من حظر ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية وإباحة ما حرمه الإسلام.

ونبهت أيضا من أن الفقرة 96 من التقرير والتي جاءت تحت عنوان «الفتيات السحاقيات Lesbian girls أكدت ضرورة الحفاظ على حق الشذوذ وما أسمته بـ «حق تحديد الهوية الجنسية للفتيات sexual identity، «أي أن تختار الفتاة جنسها، وينبني عليه تحديد «التوجه الجنسي sexual orientation أي أن تختار جنس الشريك، و«مراعاة حق الشاذات في التعبير عن آرائهن حول الشذوذ وحقهن في الحصول على شركاء مثليي الجنس لهن»، وهذه الفقرة تتضمن خروجا كاملا على أحكام الشريعة الإسلامية التي تحرم كافة أنواع العلاقات الشاذة.

أيضا اعتبرت الفقرة 49 أن الدين - خاصة في الدول التي يعتبر فيها أساسا للتشريع ـ والمقصود به دول العالم الإسلامية، «يقيد ويحد من فرص المساواة ويزيد من العنف» (!)، وطالب بجهود ضخمة لتغيير المعتقدات والأعراف التي تدعو لذلك.

كما يطالب تقرير خبراء الأمم المتحدة المخالف للإسلام، «7 مرات» بضرورة نقد وتحدي وتغيير ما أسماه «القوالب الجندرية النمطية gender stereotypes.. إشارة إلى قيام المرأة بدور الزوجة والأم التي يراها التقرير من الأسباب الرئيسية للعنف والتمييز ضدها سعيا وراء تعميم نموذج المرأة الغربية وفرضه على العالم العربي والإسلامي، وفي الفقرة 50 يعد التقرير ما سماه بـ «الهياكل الطبقية في إدارة البيت hierarchies within households (إشارة إلى الفهم الخاطئ للقوامة) أنها تمنح الحقوق والقوة للرجل أكثر من المرأة واعتبر أن ذلك يجعل النساء والفتيات «ذليلات تابعات للرجال.

كما اعتبر في الفقرة 48 التركيز الشديد على عذرية الفتاة وخصوبتها «كبتا جنسياـ repression of female sexuality وعدّه شكلا من أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى!

وأشارت إلى انه تحت عنوان «مساعدة الصبية boys على تحدي التقاليد الاجتماعية» يقدم التقرير نموذجا لحملات أقيمت لتوعية الصبية بحقوق الفتيات ومن ضمنها «الحديث مع الصبية عن أسباب التخوف من الجنس المثلي Homophobia وتشجيعهم عليه وهو الشذوذ بعينه»، حيث اعتبر التقرير في الفقرة 49 «المهر» dowry شكلا من أشكال العنف ضد الفتاة؛ وسماه «ثمن العروسbride price واعتبر أنه «يحوّل الفتاة إلى سلعة تباع وتشترى» وطالب بسن قوانين تمنع المهر.

كذلك يطالب التقرير في البنود 166،50،49 بإزالة ما سماه بـ «جميع أشكال التمييز ضد الفتاة حتى لو كانت نابعة من الدين أو العرف كمسائل المهر والميراث والهياكل الإدارية في البيت (إشارة إلى المفهوم الخاطئ للقوامة)، حيث يعتبر التقرير في الفقرة 76 عمل الفتاة (دون الثامنة عشرة) في منزل أهلها أحد «أسوأ أشكال عمالة الأطفال» child labor، الذي طالب منظمة العمل الدولية بإدخاله ضمن عمالة الأطفال، وبالتالي تجريمها دوليا واعتبارها عنفا ضد الطفلة).

** هذه المخاطر التي تحيق بالأسرة في مجتمعاتنا المسلمة, التي يتم تمريرها تحت شعارات براقة وادعاءات بتمكين المرأة, وإيفائها حقوقها, ومساواتها بالرجل! وهناك دعم قوي لهذا التدمير من منظمات حقوق الإنسان! التي تتوقف أنشطتها عند هذه القضايا. أما كيف سيتم إنصاف النساء في باكستان أو فلسطين المحتلة أو أفغانستان مثلا, فتلك قضايا هامشية في ملفات مكاتب الأمم المتحدة!

 

JoomShaper