الإسلام في كلمات يسيرة هو الاستسلام لله عز وجل والانقياد له، هذا هو معنى الإسلام في أيسر صوره، وهذا هو الذي يحقق معنى العبودية لله، وقد ذكره ربنا - سبحانه وتعالى- في كتابه مرارًا، قال تعالي: [وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ] (سورة النساء:125).
الاستسلام لله: هو روح الإيمان والإسلام، فمتى افتقد الإنسان التسليم لله تعالى: فَقَدَ إيمانه وفَقَدَ إسلامه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – مُعرِّفًا الإسلام: “هو الاستسلام
لله لا لغيره، بأن تكون العبادة والطاعة له والذلُّ له ـ سبحانه -، وهذه حقيقة لا إله إلا الله”.
المرأة المسلمة والاستسلام
والمرأة المسلمة في ذلك مثل الرجل، مكلفة بالاستمساك بمنهج الله، والرضا بقضاء الله، وأن تكون أمة لله وبالله ومن الله وعلى الله، أن تكون لله عز وجل في كل حال وفي كل آن، وأن تبقى مشدودة القلب بالله، وأن تبقى مرتبطة بأحكام الله عز وجل.
لا بد من تربية المرأة المسلمة على الاعتناء بتأصيل مبدأ التسليم، والخضوع لله تبارك وتعالى والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلمة لا خيار لها في التسليم لأمر الله، سواء أدركت الحكمة أم لم تدركها، قال تعالى: [ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] (سورة الأحزاب: 36)، وحين تتأصل هذه القضية في نفوس كل مسلمة: فإننا نكون قد اختصرنا خطوات كثيرة على أنفسنا، ولا نخشى عليها من دعوات السفور والتحلل.
نماذج من استسلام الصحابيات
كانت نساء الصحابة نموذجا للاستسلام لأمر الله، فلما نزلت آية الحجاب: "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " (سورة النور:31 ) أول ما رجع الرجال إلى نسائهن، يتلون عليهن آيات، الله والأمر بالحجاب، مباشرة عمدن إلى مروطهن فشققنها، وجعلنها خمرًا، احتجبن بها، فلا يوجد وقت للتفصيل ولا لخياطة، أخذت الأقمشة مباشرة، وشققت تشقيقًا على حجاب الجسد كله، فاختمرن.
ومن صور الاستسلام لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى في أمور الحياة، موقف الفتاة التي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ للخطيب أن ينظر إليها، فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَذَكَرْتُ لَهُ امْرَأَةً أَخْطُبُهَا، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا"، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، فَخَطَبْتُهَا إِلَى أَبَوَيْهَا، وَأَخْبَرْتُهُمَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَكَأَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ، قَالَ: فَسَمِعَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ فِي خِدْرِهَا، فَقَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَمَرَكَ أَنْ تَنْظُرَ فَانْظُرْ، وَإِلَّا فَإِنِّي أَنْشُدُكَ كَأَنَّهَا أَعْظَمَتْ ذَلِكَ"، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا، فَتَزَوَّجْتُهَا، فَذَكَرَ مِنْ مُوَافَقَتِهَا" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وصححه أهل العلم).
وكذلك قصة جليبيب الذي اختاره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزواج من فتاة كره والدها زواجها منه، حيث قالت الفتاة لهما: "أتردون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره، ادفعوني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لن يضيعني…"رواه ابن حبان وغيره وفيه قصة، بسند صحيح.
إن هذا السلوك والتسليم لأمر الله ولرسوله في كل وقت وحين وفي كل شأن. هو الأساس التي نشأت عليه النساء في الصدر الأول.
فهكذا يكون الاستسلام لمرادِ الله ولرسوله، وهكذا هو الإيمان الصادِق، وهكذا هو الإسلامُ الحق. وكلَّما نقص الأمر عن ذلك: نقص الإيمان والإسلام.
أختاه:
مَن وُفّق منكن لتربية نفسها على هذا المبدأ؛ فإنها لا تزال تترقى شيئًا فشيئًا، حتى تبلغ تلك المرتبةَ العظيمة، وهي: مرتبة الصدّيقيّة! فإن هذه المرتبة منوطةٌ بتحقيق هذا الأصل العظيم، أما مَن ترددت وتلكأت، وقالت: هذه معصية صغيرة! ثم بدأت تبحث لنفسها عن رخصةٍ من رخص الفقهاء لتتأول بها فعلها للمحرم؛ فليست هذه هي حال الصالحات.