أحمد سلوم (سورية)
10 أبريل 2019
يقولون إن المرأة نصف المجتمع، وأقول إنّ المرأة كون مستقل بذاته، فهي مرآة المجتمع، تعكس مدى تقدمه وتطوره ورقيه، فهي أكبر من أن تكون نصف أي شيء.
دور المرأة فعال وحيوي في بناء المجتمع، وهي اللبنة الأساسية في صلاح الكون، فهي كالبذرة التي تنتج ثماراً تصلح بصلاحها وتفسد بفسادها. لذلك علينا الاهتمام بالمرأة، وأن لا نغفل عن أي حق من حقوقها، فهي من ترعى الأجيال، ذكوراً وإناثاً، ليصنعوا مستقبلاً واعداً لبلادهم ويبنوا حضارة تتكلم عنها الأجيال القادمة.
عبر التاريخ الطويل، ومنذ بداية الوجود البشري على هذه الأرض، ظلّت المرأة تمسك بأحد شروط استمرارية الوجود، من حيث أنّها النصف الأهم، إذا صح التعبير، في الحفاظ على استمرارية البشرية من دون انقراضها من الناحية الفطرية للتكوين. ومع توالي الأيام، وصولاً إلى عصرنا الحديث، تخطّت مكانة المرأة هذه الحدود البدائية، من أنها حاضنة الوجود إلى أن أصبحت تحاصص في ملكية المجتمع.
السؤال الذي يدور بخاطري: لماذا دائماً نربط بين صلاح الأخلاق وفسادها بالمرأة؟ لماذا هذه النظرة للمرأة ومحاولتنا الدائمة لطمس معالمها وحرمانها من أبسط حقوقها، بينما نحن الذين نتكلم عن المرأة كونها (أماً وأختاً وحبيبة وزوجة)، وعند أول اختبار يخص النساء اللواتي بالقرب منا، سرعان ما تتغير نظرتنا ونعاملهن وكأنهن أصبحن "شيطانات". وبناء عليه، تتغير تصرفاتنا معهن، ويصبح لزاماً على المرأة أن تسجن في البيت، لا يحق لها أي شيء، وكأنها مجرّد وسادة في بيت صامت، وإذا خرجت للعمل أو غيره فهناك مجموعة من الخطوط الحمراء التي لا يجوز اجتيازها.
قد يظن البعض أنني أدعو للسفور والمحرمات، لكن لا، أنا أؤمن بأن لكل مجتمع عادات وتقاليد، ولكن ما أقصده أن ربط الأخلاق السيئة بالمرأة إجحاف كبير بحق المرأة.
وعلينا، أن نذكر دائماً الدور الذي أدته المرأة عبر التاريخ الطويل. وبعيداً عن قصص التاريخ التي عرفناها عن المرأة، سواء كانت أماً أو زوجةً أو جنديةً أو حتى حاكمة، لا بد أن تحظى المرأة بقليل من الضوء، نسلّطه عبر كلماتٍ تحكي للعالم جزءاً من حياتها.
ابتداءً من جوليا دومنا، زوجة القائد الروماني الذي كان يحكم حمص، والذي أصبح فيما بعد امبراطور روما وصارت جوليا تُلقب بالمعظمة، أي السيدة الأولى، والتي حكمت روما بعد زوجها، ومن ثم ضحت بالسلطة العظيمة لولديها كي لا يقتتلان فيما بينهما، وحاولت جاهدةً أن تحافظ على كليهما.
ومروراً بالملكة ماوية التي صنّفها التاريخ أعظم ملكة سوريةٍ، بعد زنوبيا، فهي التي قادت حروباً واسعةً في الشرق والغرب، وقادت ثورةً على الرومان الذين اضطرتهم بالقوة إلى طلب الهدنة، والمساعدة فيما بعد، ولا ننسى كذلك حزيمة بنت ناصر، أميرة العرب، وزنوبيا الغنية عن التعريف وكليوباترا الرابعة. فالمرأة التي عرفناها عبر العصور زوجةً مخلصةً وحاكمةً صالحةً وقائدةً فذةً ومحاربةً عظيمةً، لم تتغيب كذلك عن أن نعرفها شاعرةً وكاتبةً وأديبةً، كأمل جراح وكوليت خوري وسلمى الحفار الكزبري، والقائمة تطول.
أسماء النساء تملأ قوائم صفحات التاريخ، واللاتي أصبحن صروحاً يمجدها التاريخ، فمن حربٍ إلى أخرى، ومن جوعٍ إلى آخر، ومن حزنٍ على فقيد إلى ألمٍ على فراق، وصولاً إلى عبور البحار والمحيطات عبر مساحة الكوكب، حفاظاً على الشرف والكرامة، وهرباً من أعداء الإنسانية إلى اللاجئة التي لم تتوانَ يوماً عن التعبير عن وجودها رغم قساوة ما هي فيه من الغربة وظروف اللجوء، فهي تنشر ثقافتها كامرأةٍ، سواء في طهوها أو في تفوّقها العلمي، وتؤثر تأثيراً ملفتاً للنظر في المجتمع المحيط بها تأثيراً يشمل غالبية نواحي الحياة من ثقافة البيت إلى ثقافة الحياة إلى ثقافة الكتاب، فهل، يا ترى، مكتوبٌ على المرأة أن تكون الماسَ الذي ينبغي عليه تحمُّل ضغط الجبال عليه ليرى العالم بريقه وشفافيته؟
نعم إنّها كذلك، براقةٌ وشفافةٌ وقوية لا تكسرها ضربة عادية، والدليل ما نراه كل يومٍ من بطولات نساء، يكتبن أسماءهن في ملحمة الحياة.