جيرون - نسرين أنابلي
تمكين المرأة مصطلح دَرَج كثيرًا خلال السنوات الماضية، التي شهدت فيها أوضاع النساء السوريات تدهورًا كبيرًا، على مستويات عدة، فظهر عدد من التجمعات والمنظمات النسوية السورية، التي تهدف إلى تمكين المرأة السورية. وتدرجت هذه التجمعات في مراحل تطورها، إذ كانت تعتمد في البداية على التأهيل المهني للنساء، ولا سيّما الأرامل، من أجل تأمين مصدر رزق لهن. ثم بدأ اهتمام معظم المنظمات النسوية السورية ينصب على التمكين السياسي للمرأة، وتأهيلها لكي تأخذ مكانًا في مراكز صنع القرار، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
وتعُدّ (الحركة النسوية السياسية السورية) إحدى الحركات النسائية الفاعلة في هذا المجال، وتأسست في الرابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بعد انتهاء أعمال المؤتمر التأسيسي للحركة، في العاصمة الفرنسية باريس. وتضم الحركة عددًا من النساء السوريات اللواتي ناضلن ضد نظام الاستبداد، وطالبن بالحرية والعدالة والكرامة لكل مواطن سوري، إضافة إلى مهمتهن الأساسية في الدفاع عن حقوق النساء في سورية.
وعلى الرغم من أن الشأن السياسي، وتمكين المرأة في هذا المجال، هو الهدف الذي وُلدت من أجله (الحركة السياسة النسوية السورية) فإن السيدة مريم جلبي، إحدى المؤسِّسات للحركة، ترى أن للعمل السياسي أوجهًا مختلفة عن تلك المتعارف عليها في المجتمع السوري. وأوضحت في حديث إلى (جيرون) أن “السياسة لا تعني تقلّد مناصب حكومية والجلوس في مكاتب الدولة، بل تعني كيفية تأمين الحياة الكريمة للعائلة ولكافة أفراد المجتمع، وكيفية تأمين التعليم والعناية الصحية، فكل هذه الأمور هي سياسات”.
وتابعت: “نحن، كمجتمع عاش مع نظام دكتاتوري مدة طويلة، نرى أن السياسة هي فقط الجلوس في منصب والحصول على امتيازات، والسطوة على مصادر وموارد الدولة”، وأضافت: “أرى أن السياسة هي كيفية توزيع المال، كي ينعم جميع المواطنين بحياة كريمة. وهذا ما تقوم به النساء على مستوى شخصي ومستوى تنظيمي في المنظمات النسائية”، مشيرة إلى أن “الحركة السياسية النسوية جاءت كجزء من هذا الحراك النسوي، مع التركيز على أن تكون النساء موجودات في مؤسسات الدولة، ويحصلن على مناصب في مراكز صناعة القرار. فلا يمكن أن يكون عملنا متكاملًا دون أن نكون في جميع الساحات”.
ترى جلبي أن هناك ضرورة في أن تكون النساء “جزءًا من عمل الحركة السياسية، والحراك على المستوى الدولي والمحلي، والمساهمة في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وأن تكون جزءًا من الحكومة الانتقالية عند حدوث عملية الانتقال السياسي، وجزءًا من سورية المستقبل القائمة على الديمقراطية، وأساسها العدل والقانون والمساواة”.
وبعد أن كانت نساء سورية مستبعدات، مدة طويلة، عن المشاركة السياسية ومراكز اتخاذ القرار، استطاعت (الحركة السياسية النسوية السورية) أن تكسر هذه الصورة النمطية السلبية عن المرأة السورية، وأن تجعل المرأة في الصفوف الأولى بكافة المحافل السياسية. تقول مريم جلبي: “نحن الآن من المراجع التي تستند إليها الأمم المتحدة لدى الحديث عن سورية، إضافة إلى وجود أعضاء من الحركة في هيئة التفاوض وفي اللجنة الدستورية، ونتواصل باستمرار من أجل تنسيق العمل مع هذه الجهات. بمعنى أننا -كحركة سياسية- أصبحنا نُذكر في كل وقت يُذكر فيه الحراك السياسي السوري، ونُدعى بشكل مستمر إلى مراكز الأبحاث ولحضور لقاءات سياسية”.
وأضافت جلبي أن “هذه الدعوات لا تأتي بصفة شخصية لأي عضو في الحركة، وإنما تتم دعوتنا كحركة سياسية نسوية، ثم نختار اللواتي سيحضرن الفعالية ويمثلن الحركة، وأعتبر أن هذه خطوة مهمة، لأننا نؤمن بأن الحركة هي لكل السيدات السوريات والسوريين الذي يؤمنون بمبادئنا، ومن المهم أن يكون هناك أصوات جديدة على الساحة، كي نعزز فكرة أن هناك الكثير من النساء القادرات اللواتي لا يُمنحن مساحة للتعبير عن أفكارهن”.
من جهة ثانية، أعربت الناشطة السورية بيان ريحان، عن اعتقادها بأن “النساء والرجال على حد سواء، بحاجة إلى التأهيل والتمكين، لأن نظام الأسد الأب والابن عمل خلال 40 سنة على تكريس سياسة تجهيل الشعب السوري”. وتابعت موضحة، في حديث إلى (جيرون): “قد يكون الظلم الأكبر وقع على النساء السوريات، لكن المجتمع السوري كله محروم أساسًا من ممارسة السياسة”، وأضافت: “لذلك كان هناك دور كبير للبرامج التوعوية التي عملت عليها المنظمات النسوية، في إحداث خطوة ونقلة نوعية في مجال التمكين السياسي للمرأة، حتى النساء أنفسهن كان لديهن تقبّل كبير لهذا الأمر”.
تتحدث بيان عن تجربتها الشخصية في هذا المجال قائلة: “عملت في برنامج إعداد القيادات النسائية مع منظمة (النساء الآن) وتم تخريج عدد جيد من الفتيات، منذ أن بدأ المشروع أوائل عام 2015 حتى عام 2018، حيث كان عدد المتخرجات في الغوطة الشرقية فقط كل عام هو 25 سيدة، ومن 75 إلى 100 سيدة في باقي مراكز منظمة (النساء الآن). وهذا أدى إلى وجود عدد جيد من الفتيات والسيدات اللواتي امتلكن مهارات القيادة، وانعكس ذلك بشكل فعال على البيئة المحيطة بهن”.
وأضافت: “أثناء عملي مع منظمة (اليوم التالي) كمسؤولة تواصل، قمنا بتنفيذ العديد من البرامج السياسية مع النساء في الداخل، وقمنا بتنفيذ العديد من الحملات السياسية، أذكر منها الحملة الانتخابية التي قمنا بها في مدينة دوما عام 2017، التي عملت على توعية النساء بأهمية مشاركتهن وترشحهن للانتخابات. وكان من نتائج هذه الحملة أيضًا ترشح 15 سيدة عن مختلف المقاعد، للهيئة العامة للمجلس المحلي، ونجح منهن 9 سيدات في الانتخابات”.
وكان لمنظمة (اليوم التالي) العديد من البرامج المتعلقة بتمكين المرأة، تحدث عنها لـ (جيرون) أحمد مراد، مدير مشاريع في المنظمة، قائلًا: “ضمن خطة منظمة (اليوم التالي) لتمكين النساء في الشأن المدني والسياسي، عملت المنظمة مع النساء في المناطق المحررة على عدة مستويات، شملت التدريب والتمكين السياسي والحقوقي ورعاية المبادرات المحلية، وتهيئة المرأة لتكون في مراكز صنع القرار، وكسب التأييد لقضايا المرأة في المجتمعات المحلية والشركاء المحليين”.
وأضاف: “في عام 2017 قامت المنظمة بتشكيل (تجمع نساء حمص) الذي انطلق في الرستن، وضم قرابة 150 امرأة من مختلف مناطق ريف حمص، كما ساهمت (اليوم التالي) في رعاية مبادرة (رابطة معتقلات الجنوب) مطلع العام 2018، ضمت الرابطة قرابة 17 ناجية من الاعتقال لتمكينهن، ومواجهة الصورة النمطية في المجتمع للمرأة الناجية من الاعتقال”.
وتابع مراد: “كذلك تم عقد لقاءات مكثفة، وتدريب ناشطات من المجالس المحلية في جبل الزاوية بريف إدلب، على القيام بحملات مناصرة لدعم القضايا النسائية. وفي معرة النعمان، تم تنفيذ العديد من النشاطات في مجال التمكين السياسي وتدريبات مهارات التواصل والمواطنة. أما في مدينة إعزاز، فتم دعم التجمعات المحلية النسائية، بالخبرات الضرورية في مجال المناصرة والعدالة الانتقالية”.
كما دعمت منظمة (اليوم التالي) حملةً للانتخابات في مدينة أريحا، تحت عنوان “بصمتي”، لتشجيع المرأة على المشاركة في الانتخابات، وكذلك عملت (اليوم التالي) مع عدة منظمات مجتمع مدني على رعاية انتخابات بلدة عنجارة، وضمان وصول النساء إلى المجلس المحلي، ومشاركتهم في الشأن السياسي وكافة النواحي الحياتية، فضلًا عن إشراك النساء في أنشطة المنظمة، كنوع من التوازن الجندري، ولتعزيز مشاركة المرأة الفاعلة في كل ما يخص الواقع السوري الحالي.
من المؤكد أن تأهيل النساء ليصلن إلى مراكز صنع القرار، عملية مستمرة ليس لها حدود، وتحتاج إلى تنظيم طاقات النساء في تجمعات يكون هدفها الأساس التمييز القانوني والتشريعي ضد النساء، لضمان مساواتهن الحقيقية مع شركائهن الرجال، في المجتمع والدولة.