حواس محمود
خلّفت الحرب في سورية العديد من المشكلات الاجتماعية، وخلقت حالات خللٍ مجتمعي، وبخاصة في ما يتعلق بالتكوين العائلي والأسرة، إذ من بين أكبر المشكلات عائليًا، الزواجُ غير المتكافئ عمريًا وثقافيًا وعلميًا، فضلًا عن تزويج القاصرات، الذي يُعدّ جريمة بحق زهرات سورية المستقبل.
نسمع ونقرأ كثيرًا عن شيخ طاعن في السن، ربما تجاوز الستين أو السبعين، وغير متعلم، وقد عقد قران زواجه على فتاة بعمر الشباب، تبلغ 20 أو 30 سنة، هذه المشكلة الاجتماعية وأسبابها ونتائجها تحتاج إلى تسليط الضوء، لتفادي تناميها وتضخمها، لما لها من أثرٍ سلبي على بنية المجتمع السوري كله.
وحول هذه الظواهر، قالت الكاتبة شمس عنتر، لـ (جيرون): “أفرزت الحرب السورية الدائرة منذ ثماني سنوات الكثير من المشكلات الاجتماعية، ومن أبرزها زواج القاصرات، والزواج غير المتكافئ، وعقد الزواج عبر الإنترنيت”، وأضافت: “هذا تسبب بخلل مجتمعي طال الرابط الأسري، الذي هو نواة المجتمع”، وأشارت إلى أن “من تداعيات هذه الحرب أنها حولت المجتمع الذكوري إلى مجتمعٍ أنثوي من جهة العدد، على الأقل، وهذا جعل الإناث تقمن بالكثير مما كان واقعًا على عاتق الذكور، وتحت ضغط هذه الزيادة الأنثوية، التي أسبابها معروفة، مثل العدد الكبير من الضحايا الذين قضوا في الحرب، وهم من فئة الشباب، من عمر 17 إلى 40 سنة، وُجد جيشٌ من الأرامل والعوانس اللاتي بقين من دون زواج”، وقالت: إن “من الأسباب الواضحة لهذه المشكلة الهجرة غير المسبوقة لفئة الشباب في سن الزواج، وكثرة المعتقلين والمختفين والمغيبين قسرًا، والوضع الاقتصادي المتردي غير المشجع على الزواج، حتى التجاذبات السياسية أثرت في هذه المشكلة الاجتماعية”،
وتابعت: “كل ذلك جعل الأهل يخافون من العنوسة على بناتهم، فيقبَلون بتزوجيهن ممن يتقدم لهنّ، حتى لو كان غير كفء لهنّ، فالبعض يقبل أن تتزوج ابنته وهي في عمر السادسة عشر، خوفًا من ضياع فرصتها، والبعض الآخر يقبل بتزويج ابنته ذات العشرين ربيعًا من رجل يكبرها بعشرين سنة، أملًا أن يؤمن مستقبلها في هذا المجتمع غير الآمن، ومنهم من يقبل بزواج ابنته الجامعية من رجل أمّيٍ، لندرة الشباب، وإن التغيّر الديموغرافي أثرّ سلبًا على مسألة الزواج، فحركة النزوح الكبيرة أحدثت خللًا من نوع جديد، فمن الممكن أن يوجد شاب يرغب في الزواج من فتاة، لكن الأهل يرفضون لأنه ليس من مكوّنهم، وزواج كهذا لا يُكتب له الاستمرار طويلًا، لعدم التكافؤ، فتخلق مشكلات كثيرة، منها الانحلال الأخلاقي والطلاق، حيث تكون نتيجة ذلك الزواج أطفالًا أبرياء، يعيشون بين أبوين مشتتين، وأسرة مفككة، لن تستطيع بناء مجتمع صحي سليم”.
من جهة أخرى، قالت إيمان عزت لـ (جيرون): “يُغفل كثيرون جانبًا مهمًا له تبعات كارثية جسيمة، ألا وهو الزواج غير المتكافئ عمريًا”، وعدّت أن “قبول الفتاة بزواج كهذا يكون بسبب الخوف من العنوسة، أو الطمع بمالٍ أو مركز اجتماعي، والرجل يتزوج من أي فتاة إرضاءً لرغباته، كالإنجاب والصحة، أو إرضاءً للأهل، من دون وجود أي توافق روحي”.
وأضافت: “غالبًا، ترضى المرأة في مجتمعنا بما يُقسم لها من نصيب، وكلا الطرفين لا يعي مدى خطورة ذلك إلا بعد مرحلة قصيرة من زواجهما، وحُكمًا فإن النتائج السلبية من البؤس والندم أو الطلاق الذي هو كارثة أخرى، تلحق بالمرأة، أو تكون في ضياع وتشرد الأبناء، نتيجة الاختلاف في أساليب التربية، فضلًا عن مشكلات نفسية للمرأة، نتيجة الاختلاف في طريقة التفكير كاللباس واختيار الأصدقاء”، وقالت: “يلجأ كثيرٌ من السوريين في ظل هذه المرحلة الحساسة من الصراع، إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة، رغبة في الاستقرار المستقبلي لهن، وكذلك حرصًا عليهن من التراجع الحاصل في القيم الأخلاقية بين الشباب، وهم بذلك يجهلون عواقب عدة، أهمها تحمّل المسؤولية في سن مبكرة، وتخطي مرحلة مهمة من مراحل الحياة وهي المراهقة، التي تبدأ فيها الشخصية بالتشكل واستكشاف الحياة، والتأثير السلبي للحمل على صحة الفتاة، واحتمالية انهيار الزواج بسبب الجهل بأمور زوجية عديدة، ومواجهة صعوبات كثيرة في تربية الأطفال، لنقص الإلمام الكافي بأساليب التربية”.
أما كوركين حبو، المقيم في ألمانيا، فيقول: “الوضع المعاشي والنزوح والهجرة القسرية وتشتت العائلة وتمزقها، كل هذا له آثار وانعكاسات سلبية جدًا، وفي مثل هذه الظروف لا يدفع الضريبة الأكبر إلا الأطفال والنساء”، وأضاف في حديث إلى (جيرون) أن “العمل من أجل إزالة هذا الغبن عن المرأة، وردّ شخصيتها الاعتبارية، لن يأتي إلا من خلال التوعية الإعلامية والتثقيف الذاتي، ويجب سن قوانين وأنظمة تردع المجتمع المتخلف والتعامل السلبي بحق المرأة، إلى جانب الاهتمام بالتربية والتعليم وبناء المدارس ورياض الأطفال والمراكز التي تشجع المرأة على المثابرة والعمل”.
من جهة أخرى، قالت شهناز النظامي، المقيمة في ألمانيا أيضًا، عن زواج القاصرات: إنه “واحدة من الآفات الاجتماعية التي خضعت لها مجتمعات وأوساط تتصف بالتخلف والقصور الفكري والاجتماعي، وهي أقرب ما تكون إلى مجتمعات الرق والعبودية، حيث يُنظر إلى الأنثى كأي جمادٍ أو سلعة لا تملك من أمرها ولا من كيانها ولا من قرارها أيَّ شيء، لقد شرعنتها بعض الديانات والتقاليد ومجتمعات الإقطاع والعشائر، وهي تتكاثر وتبرز في أوقات الحروب والأزمات، حيث تصبح الأنثى عبئًا على ذويها، في حالات النزوح والهجرة أو فقد معيل الأسرة، ويستغلها الذكور من كبار السن والأثرياء أحيانًا، أو من يستخدمون الأنثى في تجارة الجسد. وهذا ظلم اجتماعي كبير، يدمر المرأة بل يدمر بنية المجتمع نفسيًا واجتماعيًا وفكريًا”.
وأكدت خلال حديث إلى (جيرون) أن “لن تكون القاصر أبدًا قادرة على تقبل الحياة بأي وجه إيجابي، ولن تتلقى حقها في فرصة النضج النفسي والعاطفي والتعليمي والثقافي، ولن تكون قادرةً على تربية جيلٍ فاعل وإيجابي ومفيد، ربما ستولّد هذه المشكلة مشكلات أعظم، كالتشرد والأمية والكسل، هذه مسألة من كبريات المسائل التي يجب أن تُعنى بها المنظمات العالمية المسؤولة عن حماية الطفولة ووضع القوانين التي تمنع وتُجرّم زواج القاصرات، ولا بد من العمل على جعل ذلك مادة قانونية في كل دساتير العالم”.
يمكن القول إن الملف السوري الاجتماعي كبيرٌ جدًا، والمجتمع كان حافلًا بالإشكالات الاجتماعية الكثيرة قبل الحرب، لكن الحرب قد فاقمت تلك الإشكالات، وأضافت إليها تعقيدات جديدةً وصعوبات كبيرة، لهذا فإن مهمات المنظمات الاجتماعية والتربوية والإنسانية، المحلية والعالمية، ستكون مضاعفةً، وتتطلب جهدًا كبيرًا في سبيل التخفيف والحد من نتائج هذه المشكلات والحالات الاجتماعية الخاطئة، والمسببة لألمٍ ونزيف اجتماعي للوطن السوري المستولى عليه من نظام استبدادي ساهمت أفعاله في تفاقم هذه المشكلات الاجتماعية.