ليلى أحمد الأحدب
خصّص برنامج (النقاش) على قناة فرانس 24 العربية حلقة من حلقات الأسبوع الماضي لموضوع مشاركة المرأة في المجال السياسي، سواء في فرنسا أو في البلاد العربية، وكان مما أشارت إليه غالبية المتحدثات – هن ثلاثة نساء إضافة إلى رجل - تراجع مكانة المرأة سياسياً حتى في فرنسا، وأعادت بعضهن السبب إلى عدم رغبة الرجال بمنافسة النساء لهم في المجال الذي طالما احتكروه لأنفسهم، واتفقت المتحدثات مع الرجل الوحيد بينهن على أن أمام المرأة تحدياً كبيراً لتثبت وجودها على الصعيد السياسي كما أثبتته على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، وأغنى النقاش مقدم البرنامج عندما استحضر أمثلة تغاير هذه الفكرة كسيغولين رويال التي وصلت إلى المنافسة على كرسي الرئاسة الفرنسية بنسبة أصوات تقلّ قليلا عن المرشح الآخر الذي أصبح الرئيس نيكولا ساركوزي، إضافة إلى المرأة الأخرى رشيدة داتي التي تسنّمت هرم السلطة القضائية كوزيرة للعدل، قبل أن تطيح بها تصرفاتها غير الموزونة وغير الرشيدة.
تزامنت هذه الحلقة بالنسبة لي شخصياً مع حدثين: الأول أني كنت أراجع كتباً لتعليم اللغة الفرنسية بسبب حبي للغة موليير، ولا أريد أن أنساها، والتعلّم المستمر هو برأيي أهم وسيلة للمحافظة على الشباب الدائم، خاصة شباب الذاكرة، ومن هذه الكتب كتاب قديم من منشورات هيئة الإذاعة البريطانية يعود تاريخه إلى سيتينيات القرن الميلادي الماضي، وكتاب جديد من منشورات جامعة السوربون بباريس، ففي الكتاب القديم تعمل إحدى الشخصيات كضاربة للآلة الكاتبة، وهي مخطوبة لشاب طموح يقدّم على وظيفة مدير شركة في الجزائر، وبرغم عدم رغبتها بالابتعاد عن مدينتها فإنها تقول لخطيبها إنها مستعدة أن تذهب معه أينما يذهب، خصوصاً مع إيضاحه لها أن حصوله على هذه الوظيفة سوف يسرِّع في زواجهما؛ أما في الكتاب الجديد والذي وضع في القرن الميلادي الجديد، فإن الشاب الفرنسي الذي يعتبر الشخصية الرئيسة في الكتاب يعمل طبيبا، وهو مرتبط عاطفياً بفتاة برازيلية تعمل مصورة في إحدى المجلات، وكان حزنه شديدا لأنه يشعر أنها تبتعد عنه لاسيما بعد أن صارحته برغبتها في السفر إلى جزر المارتينيك لتقوم بعمل "ريبورتاج" هناك، وبينما يريد هو أن يتزوجها ليكوّن أسرة ويشعر بالاستقرار، ترفض هي فكرة الزواج حالياً مع أن عمرها 28 سنة، وذلك لأنها تنشد الحرية والانطلاق.
كمقارنة لوضع السيدتين في الكتابين، نرى أن الأولى تابعة لخطيبها، وهي مستعدة لترك عملها الذي تحبه كثيراً بهدف إرضاء خطيبها، بينما الثانية لا يحقق لها الحب سوى المزيد من الحصار، وهي التي لا تريد أن تتخلى عن حريتها بسرعة؛ وإذا حاول المرء أن يكون حيادياً في هذه المسألة، والحياد هنا لصالح الحياة المشتركة واستمرارها واستقرارها، يجد الأمر في منتهى الصعوبة، لأنه إذا كان من المعتاد أن تضحي المرأة بكل شيء، حتى لو كان عملها وطموحها، وذلك من أجل الحفاظ على الحب، فإن الحب لم يعد هو كل الحياة بالنسبة للمرأة الحديثة، والسؤال: هل تغيرت المرأة فعلا؟؟ وما سبب تغيرها؟؟
لا ريب أن وراء تغير المرأة واقعاً اقتصادياً ثقيلا، فالحب لا يقف صامداً أمام الوقائع القاسية إلا في حالات استثنائية، ويكفي أن نذكر المثل البريطاني:(إذا دخل الفقر من الباب هرب الحب من النافذة)، وقد يعود سبب عشق المرأة الحديثة للحرية أنها أصبحت تخشى البقاء أسيرة للرجل، إذ عندما تتبع المرأة قلبها فإن الرجل كثيراً ما يستضعفها من هذه النقطة، وهنا تبدأ الخسارة المشتركة، بل إن خسارة الرجل أفدح عندما يدفع المرأة إلى التخلي عنه بسبب ظلمه لها، علماً بأن الحب لا يشكل نقطة الضعف الوحيدة للمرأة، بل غالباً ما تتدخل الأمومة لتضعف المرأة أكثر أمام الرجل، وكم سمعنا وقرأنا عن نساء صابرات برغم كل تعنت الرجل وفظاظته وخيانته، وذلك بغاية الحفاظ على الرباط الأسري والنموذج الأبوي أمام الأولاد.
الحدث الثاني الذي أود الإشارة إليه هو ما أخبرني به أحد المسؤولين عن تعيين موظفين في شركة خاصة، إذ إنه يجد الإناث متفوقات على الذكور من حيث المؤهلات والخبرات، فكأن المرأة العربية عموماً والسعودية خصوصاً أصبحت حريصة على تطوير إمكانياتها من أجل أن تستمتع بجزء من كعكة النمو الاقتصادي، واستقلالها المادي يعني قدرتها على الاستقلال الاجتماعي في حال لم يتم التوافق مع شريك الحياة المستقبلي، لكن هذا الأمر يضع المجتمعات العربية في خطر زيادة معدلات الطلاق والذي يعود أحد أسبابه إلى عمل المرأة خارج البيت ومشاركتها بالإنفاق على الأسرة دون أن تجد الندية التي تطلبها في تعامل الرجل معها، حيث إن الرجل الشرقي يبقى متمسكاً بصورته المعتمدة على الهيبة والوقار فلا يشارك في عمل البيت مثلا، هذا إذا لم يصرّ على استمرار تدليل الزوجة له، وكأنها ليست بحاجة إلى المعاملة بالمثل، وصلى الله على النبي الذي قال:(النساء شقائق الرجال).
جدلية عمل المرأة واستقلالها عن الرجل لا يمكن أن تنتهي خصوصاً إذا ما عرفنا أن أقوى عاطفة عند المرأة هي الأمومة، ولقد كان مما عابه الفرنسيون على وزيرة العدل رشيدة داتي أنها عادت للعمل بعد خمسة أيام من وضعها لطفلتها، وهم على حق، لكن ما العمل إذا كانت مشاركة المرأة في العمل السياسي تحتاج تفرغاً أكثر بكثير مما يحتاجه العمل الاجتماعي؟ والسؤال الأخير هو: هل تخفف المرأة طموحها لصالح أمومتها، أم أنها لن تفعل ما دام الرجل يدفعها في الاتجاه المعاكس لهذه العاطفة الجياشة؟!

 

جريدة الوطن السعودية

JoomShaper