د. رباح النجادة
ثمة فروق فردية في مستوى الأداء الرياضي قد ترجع إلى الاختلافات بين الإناث والذكور، وتدلّ على ذلك المقارنة بين الأرقام العالمية للرجال والسيدات، لكن من الملاحظ في السنوات الأخيرة حدوث تقدّم سريع في المستوى الرقمي في معظم الرياضات، خصوصاً تلك التي تعتمد على تقنية الأداء مثل الرقص الإيقاعي وبعض التمرينات.
تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن الفروق التقريبية بين الرجل والمرأة في مستوى الإنجاز بالنسبة إلى مجموع الرياضات الرسمية تصل إلى 10 في المئة لمصلحة الرجل، ويؤكد علماء الطبّ الرياضي أن هذه النسبة ستقلّ كثيراً مستقبلاً.

اختلافات

تظهر الاختلافات التشريحية والمورفولوجية والأنثروبومترية والبيولوجية والفيزيولوجية في الأداء الرياضي بين الرجل والمرأة واضحة في الطول والوزن.

عند الولادة يكون الذكور أطول وأكثر وزناً من الإناث، إلا أن التمعظم لديهنّ يكون متقدماً على الذكور بمعدل أسبوعين وقت الولادة، ويصل هذا الفرق إلى سنتين في مرحلة المراهقة لمصلحة الإناث، ما يفسّر ظهور المراهقة مبكراً لدى الإناث عن الذكور، إذ يؤثر هرمون الإستروجين الأنثوي على سرعة نمو العظام الطويلة، لذلك يستغرق نمو عظام الإناث فترة أقصر من الفترة التي يستغرقها نمو عظام الذكور.

تنتهي فترة النمو لدى الإناث بحوالي سنة إلى ثلاث سنوات قبل انتهائها عند الذكور، بينما تنتهي فترة التمعظم في سن 18 لدى الإناث وبين 21 و22 لدى الذكور.

يتلخّص الفرق بين الجنسين في الهيكل العظمي كالتالي:

-هيكل الذكور العظمي أكثر صلابة من الإناث.

- عظام الذكور أكبر حجماً وأكثر كثافة من الإناث.

- يعكس جسم المرأة طولاً نسبياً للجذع مقارنة بالجزء السفلي، بينما يتميّز جسم الرجل بالطول النسبي للأطراف.

-تحمل المرأة أطرافاً أقصر من أطراف الرجل ما يقلّص من فرصتها في التفوّق في مسابقات الجري والوثب.

- يتمتع الرجل بكتف عريضة مقابل حوض عريض للمرأة.

- عظام الرجل أكثر عرضاً وسطحها أوسع ما عدا مفصل الكوع، إذ يكون أوسع لدى المرأة، نظراً إلى تمتّعها بثبات أكبر يتناسب مع حجم جسمها، ما يفسّر سبب المرونة في هذا المفصل والتأثير الإيجابي في مستوى الإنجاز في رياضات الجمباز والتمرينات، والتأثير السلبي في مسابقات الرمي والدفع في ألعاب القوى.

- بعد سن البلوغ يكون الذكور أطول من الإناث بحوالي 10 في المئة.

مركز الثقل

يمثّل مركز الثقل النقطة التي تمرّ بها محصّلة قوى الجاذبية الأرضية في الجسم. مركز الثقل لدى الأنثى أقل ارتفاعاً منه لدى الذكر بسبب طول جذع الأنثى وقصر أطرافها. يمثل هذا العامل عائقاً طبيعياً في رياضات الجري والوثب، لكنه عامل إيجابي لحركات الاتزان. في المقابل، يختلف مركز الثقل بين الجنسين بنسبة 10 في المئة، ويعزو العلماء الارتفاع في مركز الثقل إلى طول الجسم ونوعه أكثر من علاقته بالجنس.

يلاحظ وجود زيادة في ميل الحوض أي زيادة انحناء جزء الحوض الأسفل إلى الأمام، ما يؤدي إلى زيادة مركز الثقل، لذلك تكون المؤخرة بارزة لدى الإناث مقارنة بالذكور، ويساعد ذلك على ترسيب الدهون فوق الأرداف وبالتالي اتساع حوض الأنثى عن الذكر.

كنتيجة لاتساع وميل حوض الأنثى بزاوية كبيرة تتكون زاوية مقابلة في الجزء الأسفل من العمود الفقري، لذلك، ينتج عن أي ثقل في منطقة البطن كالحمل أو تراكم الدهون ألم في الجزء الأسفل من الظهر.

يعاني 50 إلى 60 في المئة من الناس آلام الظهر في مرحلة معينة في حياتهم. تعاني الأنثى غالباً هذه الآلام أكثر من الذكر، نظراً إلى تركيبة حوضها العريض بالإضافة إلى الإرهاق وارتخاء العضلات والأربطة المحيطة بمفاصل عظم العجز بعد الولادة. في هذا المجال، يُرجع العلماء السبب إلى العادات اليومية السيئة المتصلة بالقوام قبل الحمل وبعده وليس بالحمل نفسه، أو خلل في ميكانيكية عمل الجسم أو الاثنين معاً.

اصطكاك الركبتين

من الثابت أن الأنثى أكثر تعرضاً للإصابة باصطكاك الركبتين من الذكر، نظراً إلى طريقة تمفصل رأس عظم الفخذ مع الحوض. لدى الذكر تبلغ الزاوية الموجودة بين عنق عظم الفخذ حوالي 125 درجة ويسمح هذا الأمر لعظم الفخذ بالمرجحة الواسعة من الحوض أثناء حركة الساق.

بما أن حوض الأنثى أعرض، وعظم الفخذ أقصر، فإن الزاوية التي تقع بين عنقي العظم أقل من 125 درجة. نتيجة لصغر هذه الزاوية لدى الأنثى، يتّجه عظم الفخذ الى الداخل، بالتالي يقرّب الركبة إلى الداخل، لذلك تكون الأنثى معرّضة لمشاكل الركبة أثناء الألعاب المختلفة التي تتطلب القفز أو الجري أو التغيير المفاجئ في الاتجاه.

تركيب الجسم

يتكوّن الجسم من نوعين من الأنسجة: النسيج الدهني والنسيج غير الدهني أو العضلي. تؤكد التجارب والبحوث عدم وجود فرق بين الذكر والأنثى في نوع الأنسجة قبل سن البلوغ، إذ يزيد النسيج الدهني لدى الأنثى وذلك لنشاط هرمون الاستروجين الأنثوي حيث تتراوح نسبة الدهون من 25 إلى 30 في المئة من وزن جسمها، فيما تتراوح من 15 إلى 20 في المئة من وزن جسم الرجل، أي بفارق 10 في المئة لصالح الأنثى.

كذلك، يختلف توزيع الدهون، بحيث تتركز في جذع الذكر وحول الأكتاف والأرداف والحوض في جسم الأنثى، في المقابل يزيد نسيج الذكر العضلي على الأنثى نتيجة نشاط هرمون الأندروجين الذكري والتستوستيرون، ما يؤدي إلى زيادة مقطع عضلات الذكر العضلي، بالتالي زيادة القوة العضلية، التي تبلغ لدى الأنثى حوالي ثلثي كميتها لدى الذكر.

بالطبع ينعكس ذلك على الأداء الرياضي، إذ يؤثر حجم العضلات على القوة العضلية إيجابياً، بينما تؤثر الدهون سلبياً على القوة العضلية.

الأعضاء الداخلية

أما بالنسبة إلى وظائف الأعضاء الداخلية والكفاءة الفيزيولوجية، فنجد أن وزن القلب لدى الإناث أقل منه لدى الذكور بحوالي 10 إلى15 في المئة، كذلك حجم قلب الأنثى أصغر من الذكر وبالتالي كمية الدفع القلبي وحجم الضربة لقلب الأنثى أقل من الذكر، ما يؤثر سلباً على معدل ضربات القلب خلال الحمل، إذ يزيد بهدف تأمين الأوكسيجين المطلوب للاستمرار في الأداء البدني. في المقابل، يتميّز قلب الذكر بقلة عدد ضربات القلب وقت الراحة عن الأنثى بحوالي 10إلى 15 في المئة في الدقيقة.

تتأثر الوظائف التنفسية والقدرة على استهلاك الأوكسيجين بالبناء الأساسي للأجهزة العاملة في هذه الوظائف، لذلك نجد أن ثمة فروقاً في مستوى هذه الوظائف بين الجنسين، إذ تتناسب أعضاء الجسم وأجهزته بشكل مضطرد مع حجم الجسم، لذلك تبدو الممرات التنفسية لدى الأنثى أقل حجماً من الذكر، كذلك حجم الرئتين ووزنهما لدى الأنثى أقل منه لدى الذكر، بالتالي يتّصف الجهاز التنفسي لدى الأنثى بزيادة سرعة التنفس وقلّة عمقه وحجم هواء التنفس في الدقيقة، مقارنة بالذكر، كذلك تقلّ سعة الأنثى الحيوية بحوالي 1000 إلى 1500 سم، ويقلّ حدّ استهلاك الأوكسيجين الأقصى بحوالي 500 إلى 1500 ملل في الدقيقة عن الذكر.

ثوابت علميّة

من الطبيعي أن يكون ثمة اختلاف في عمل الأجهزة الحيوية والكفاءة الفيزيولوجية لصالح الذكور ما يساعدهم على التفوق في السباقات والرياضات المختلفة، كنتيجة لوجود الاختلافات التشريحية والمورفولوجية والأنثروبومترية والبيولوجية والفيزيولوجية وتفوّق الرجال في معظم هذه الصفات.

كمتخصصين في المجال الرياضي وعلم وظائف الأعضاء والطبّ الرياضي، نتفاءل بإمكان تقليل نسبة الفروق بين الجنسين عبر رفع كفاءة عمل أجهزة الأنثى الحيوية باستخدام طرق التدريب الرياضي العلمية الحديثة والتكنولوجية، ما يؤدي إلى منافسة الأنثى للذكر ووصولها إلى مستويات عالية.

من المؤكد أنه من الصعب تلاشي هذه الفروق نهائياً كنتيجة للاختلافات الطبيعية التي سبق ذكرها، حتى وإن تشابه الهيكل التركيبي والبناء التشريحي بين الجنسين سيظل تأثير الهرمونات الأنثوية الاستروجين والهرمونات الذكرية الأندروجين والتستيرون الذي يعمل على وجود اختلافات في الكفاءة الوظيفية.

 

جريدة الجريدة

JoomShaper