الأيام السورية؛ كفاح زعتري
كانت طبول الحرب تقرع، طائرات النظام تلقي حممها على مختلف المدن والبلدات السورية. أسلحة بمختلف الأنواع والمقاسات تنشر الموت في كل حدب وصوب. آلة الدمار ممثلة بقمة النظام السوري وحلفائه، لا يعنيها من يُقتل وماذا يُدمر، هي رغبة متوحشة للسلطة والنفوذ. وفي الجهة المقابلة مدن وبلدات اتشحت بالسواد، سواد الفكر الظلامي والموت.
سنتين من الحياة بلا مورد
إلى هناك ارتحلت لارا مع طفليها الصغيرين، تركت بيت الزوجية الذي يقع في منطقة آمنة نسبياً إلى بيت ذويها الكائن في منطقة لا تتوفر بها أدنى مقومات الحياة؛ والعامر بالحب والحنان.
حصل ذلك قبل ثماني سنين، تقول لارا “لم أهتم وقتها بالوضع المعيشي الصعب أو بالضغوط والقيود الخارجية، لقد تجاوَزتُ عتبة التحمل، لم يعد بإمكاني احتمال المزيد” عاشت لارا مع طفليها سنتين عجاف، بلا عمل وبلا مورد، تقول “أضَفت عبأً زائداً إلى والدي، بظل ظروف عمل صعبة جداً وقليلة المردود المادي.
أحست بطعم الفقر المر
غادرت مع عائلتي المكونة من تسعة أشخاص إلى تركيا، هرباً من مخاطر محدقة متعددة، وأملاً بإيجاد عمل يسد بعضاً من احتياجاتنا. كانت فترة صعبة؛ اعتمدت عائلتي بدايةً على بقايا مصاغ هو تحويشة العمر. سكنا في مدينة حدودية صغيرة، حيث يسكن أغلب أبناء المدينة التي أتينا منها، فرص العمل فيها قليلة والأجور كذلك. أحسست للمرة الأولى بطعم الفقر المر، لم أتمكن من إيجاد عمل، على الأقل حتى أستطيع القيام بواجبي تجاه أولادي، ووقف لي أبناء ونساء مدينتي يرصدون كل حركة مني، ولا يبخلون عليّ بتعليقاتهم ونصائحهن.
كان الحل الأنسب للعائلة هو الهرب إلى البحر، علّه يكون أرفق بنا من بني البشر”.
تزوج بعد ثلاثة شهور
توقعت الشابة العشرينية بدايةً، أن يبادر زوجها إلى تسوية، سواء كانت عودتها إلى بيتها ضمن تعاملٍ لائق، أو الانفصال وفق قوله تعالى *إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان*، وأداء واجبه الأخلاقي والعاطفي والقانوني والديني والاجتماعي برؤية أطفاله وإرسال مصروف لهم. لكنه لم يبادر؛ ببساطة تزوج بعد ثلاثة شهور من مغادرتها بيت الزوجية. طلبت الطلاق مراراً وتكراراً، لكنه رفض وهدد بأخذ الأطفال وتوعدها أن يتركها معلقة، أو تعود دون قيد أو شرط ودون وعود منه وتشارك ضرتها البيت والزوج.
هل الرجل بلا مشاعر
تقول: “انهارت لدي كل مقولات الحب، أحلام الفتيات بفارس شهم وعطوف مجرد أوهام مصدرها مخيلة كاتب. لكن داخل البيت، الرجل فرد متسلط ومتعالي، المرأة بالنسبة إليه أمة تنفذ الأوامر وتمنحه متعته -هي تجربتي-. تضيف، كنت أسأل نفسي هل الرجل بلا مشاعر؟ كيف يتخلى عن أطفاله؟ ألا يشتاقهم؟
تتابع، لا أستطيع التفكير في الزواج ثانية، لا أتخيل أن أضع نفسي مرة ثانية في موقع “زوجة” كما لا أثق بقضائنا ولا أجد القانون منصف للمرأة، لذا لم أتقدم بدعوى طلاق؛ ربما يُعدل القانون يوماً، بحيث يحق للمرأة الخلع بإرادتها، إسوةً بقوانين دول إسلامية أخرى كمصر”
=========================
ما السر الذي يحول الصراعات النفسية إلى دافع للنجاح؟
على الرغم من أن المتطلبات المتناقضة كثيرا ما تصيبنا بالتوتر والقلق وتدفعنا لارتكاب أخطاء، فإن تبني الأفكار المتعارضة قد يكون سر الإبداع والقيادة.
كثيرا ما تنطوي الحياة العملية على التوتر والشد والجذب عند محاولة تلبية متطلبات عديدة متناقضة.
فالأطباء والممرضات ينشدون توفير أعلى مستوى ممكن من الرعاية الصحية بأقل تكلفة، والموسيقار يريد الحفاظ على نزاهته الفنية وتحقيق أرباح وفيرة. أما المدرس فيلتزم بفرض نظام وقواعد قاسية لمصلحة الطلاب.
وعندما يشعر المرء أنه يتجاذبه اتجاهان متناقضان في آن واحد، يعتريه التوتر والضغوط النفسية. لكن بعض الأبحاث المثيرة تشير إلى أن هذه الصراعات النفسية كثيرا ما تكون مفيدة.
إذ أجرى علماء نفس وأخصائيو العلوم التنظيمية عدة دراسات وتوصلوا إلى أن الأشخاص الذين يتعلمون تقبل المتطلبات المتناقضة والتوفيق بينها، بدلا من رفضها، كانوا أكثر قدرة على الإبداع، وأفضل أداء وأظهروا قدرا أكبر من المرونة من نظرائهم، إذ عززت القيود المضاعفة من أدائهم.
ويطلق الباحثون على هذه القدرة على التوفيق بين المتناقضات “عقلية التناقض”، ولعل الوقت مواتٍ الآن لتعلم كيفية اكتساب هذه القدرة وتطبيقها في حياتنا.
فكر مثل أينشتاين
قد تبدو هذه الفكرة مخالفة للبديهة، لكنها مستلهمة من أبحاث دامت لسنوات طويلة وكشفت عن أن إمعان التفكير في التناقضات الصارخة قد يدفعنا للتخلي عن افتراضاتنا غير القائمة على البراهين، ومن ثم يساعدنا على التوصل إلى طرق جديدة كليا للتعامل مع المشكلة.
وكان ألبرت روثنبرغ، الطبيب النفسي بجامعة هارفارد، واحدا من أوائل الباحثين الذين سبروا أغوار هذه الفكرة في دراسة أجراها عام 1996 عن العباقرة النابغين.
وأجرى حوارات مع 22 من الحائزين على جائزة نوبل، وبحث في سيّر العلماء الراحلين الذين غيروا وجه العالم، وخلص إلى أن كل مفكر ثوري أمضى وقتا طويلا من حياته “يتخيل التناقضات المتعددة أو المتضادات في آن واحد ويستفيد منها”.
فقد درس أينشتاين، على سبيل المثال، كيفية سكون الشيء وتحركه في نفس الوقت بحسب موقع الناظر إليه، وهذا التفكير قاده إلى صياغة نظرية النسبية.
وقد حاول نيلز بور، عالم الفيزياء الدنماركي، التوفيق بين الطرق التي تتخذ بها الطاقة شكل موجات وجسيمات، في آن واحد، رغم أنه لا يمكننا رؤية الحالتين معا.
وهذه السلسلة من الأفكار أسهمت في فهم ميكانيا الكم بطريقة مختلفة.
وبحث روثنبرغ في السير الذاتية للكثير من الكتّاب الذين حازوا على جوائز في مجالاتهم، وأثبت أن ابتكاراتهم كانت ثمرة تأمل الأفكار المتضاربة.
وأشار روثنبرغ إلى أن الكاتب المسرحي يوجين أونيل، بنى مسرحيته “مجيء رجل الثلج” على رغبة بطلها، هيكي، في أن تكون زوجته وفية وخائنة في نفس الوقت.
التناقضات
التعليق على الصورة،تقبل التناقضات والتعايش معها في بيئات العمل قد يشعل شرارة الإبداع، ويزيد الكفاءة والقدرة على الابتكار، رغم أن هذا قد يبدو مخالفا للبديهة
قوة الصراع النفسي
وأشارت مجموعة من الدراسات إلى أن إدراك التناقض والتأقلم معه قد يساعدان أيضا متوسطي الذكاء في حل المشاكل اليومية، والمؤسسات في تحسين الأداء.
ففي إحدى الدراسات طلبت ميرون سبيكتور، الأستاذة المساعدة للسلوك التنظيمي بالمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسيد)، من المشاركين أن يكتبوا ثلاث عبارات متناقضة، قد تكون معتادة مثل فكرة “الجلوس قد يكون أكثر إرهاقا للمرء من المشي”، على أن “تبدو هذه العبارات في ظاهرها متناقضة ولكن قد تكون صحيحة”. ثم خصعوا لاختبارين لقياس مستويات الإبداع.
الأول اختبار تداعي المعاني، الذي يتطلب من المشارك أن يبحث عن كلمة مشتركة بين ثلاثة بدائل مختلفة. فما هو القاسم المشترك، على سبيل المثال، بين “الالتهاب والكتف والعَرَق”؟ الإجابة هي نزلة البرد.
وإذا توصلت إلى الإجابة الصحيحة، فستكون قادرا على تحديد الروابط الخفية بين الأفكار المختلفة، وهذه القدرة تعتمد عليها أشكال عديدة من مهارات التفكير الإبداعي.
والاختبار الثاني هو “معضلة الشمعة”، إذ عرض الباحثون على المشاركين صورة لمنضدة عليها شمعة وأعواد ثقاب وصندوق مسامير، بجوار جدار من الورق المقوى.
ثم منحهم الباحثون ثلاثة دقائق للتفكير في طريقة لتثبيت الشمعة على الجدار بحيث تحترق بشكل مناسب دون أن يسقط الشمع الذائب على المنضدة أو الأرض، باستخدام المواد المتاحة فقط.
وكانت الإجابة الصحيحة هي تفريغ الصندوق ووضع الشمعة بداخله ثم تثبيت الصندوق بمسمار على الجدار.
لكن معظم المشاركين لم يدركوا أن الصندوق نفسه يمكن استخدامه في حل المعضلة، ووقعوا في حيرة من أمرهم.
ولاحظت ميرون سبيكتور أن المشاركين الذين طُلب منهم التفكير في عبارات متناقضة كان أداؤهم أفضل نسبيا في المهمتين، مقارنة بالمجموعة الأخرى التي طلب منها التفكير في كتابة ثلاث عبارات “مثيرة”.
فقد توصل 35 في المئة من المشاركين الذي تأملوا التناقضات إلى حل لمعضلة الشمعة، في حين لم يتمكن إلا 25 في المئة من المجموعة الأخرى من حلها.
وبالرغم من أن هذه العبارات المتناقضة لا علاقة لها بالمهمة، فإن مجرد التفكير في الأفكار المتضاربة وتأملها من الواضح أنه يحرر الفكر من القيود المعتادة، ويساعد على التفكير بطريقة خلاقة أو “خارج الصندوق”.
وبرهنت ميرون سبيكتور في بحثها على فوائد التفكير في الأهداف المتضاربة في الكثير من الوظائف.
فالأشخاص الذين طُلب منهم إمعان النظر في متطلبات مزدوجة ومتضاربة، مثل تخفيض التكاليف وزيادة الابتكارات إلى أقصى حد، كانوا أكثر إبداعا من نظرائهم الذي انصب اهتمامهم على هدف واحد فقط، فالمتطلبات المتضاربة كانت تحفز التفكير.
شخصية هيكي في مسرحية "مجيء رجل الثلج"
التعليق على الصورة،استُلهمت شخصية هيكي في مسرحية “مجيء رجل الثلج” من رغباته المتناقضة التي قد تفسر على أنها إدراك التناقض وتقبله
عقلية التناقض
نشرت ميرون سبيكتور وزملاؤها دراسة في عام 2017، تناولوا فيها مزايا التأقلم مع الضغوط الناتجة عن المتطلبات المتناقضة في بيئات العمل ببعض المصانع الكبرى.
وصمم الباحثون استطلاع رأي لقياس “عقلية التناقض” التي عرفوها بأنها مدى قدرة الموظفين على تقبل التناقضات والاستفادة منها كمحفز للأداء. وطلبوا من المشاركين تقييم عبارات حول استعدادهم للتأقلم مع التناقضات وتقبلها، مثل:
-التفكير في وجهات النظر المتضاربة، يساعدني على فهم المشكلة بوضوح.
-لا أنزعج من الاضطلاع بمهام متعارضة.
-أشعر بسعادة عندما أكتشف أن كلا النقيضين صحيح.
وطُلب من المشاركين أن يصفوا عدد المرات التي واجهوا فيها مشكلة نقص الموارد في العمل، مثل محاولة تنفيذ المهام بكفاءة رغم ضيق الوقت أو نقص التمويل. وفي الوقت نفسه طلب من المشرفين في العمل تقييم أدائهم وقدرتهم على الإبداع.
وخلصت الدراسة إلى أن قدرة الموظف على التوفيق بين المتطلبات المتضاربة اعتمدت اعتمادا كبيرا على عقلية التناقض.
وذكر المشاركون الذين أحرزوا درجات مرتفعة أن تحديات التعامل مع الموارد المحدودة كانت تحفزهم وتشحذ عزيمتهم.
وقد تحسّن أداؤهم بالفعل عندما اعتراهم التوتر والقلق بسبب الصراع النفسي، ومن ثم توصلوا إلى حلول أفضل ومبتكرة للمشاكل التي واجهتهم.
في حين أن الموظفين الذين عجزوا عن التعامل مع المتطلبات المتناقضة، كانوا أكثر عرضة للإخفاق، ووجدوا صعوبة في الحفاظ على مستوى أدائهم في ظل نقص الموارد.
هذه النتائج قد تكون مهمة للقادة. فثمة أدلة تثبت أن قدرة المدير على تقبل التناقضات والتوفيق بينها تنعكس على قدرة الفريق بأكمله على الابتكار، فضلا عن أن الشركات والمؤسسات التي تتبنى استراتيجيات متناقضة تتفوق في الغالب على منافسيها.
العبارات المتناقضة
التعليق على الصورة،أثبتت الأبحاث أن الأشخاص الذين يكرسون وقتا للتفكير في العبارات المتناقضة كان أداؤهم أفضل في حل المشكلات
وخلصت دراسات أجريت على شركة “تويوتا” للسيارات إلى أن ثقافة الشركة حافلة بالتناقضات، فالشركة على سبيل المثال تهدف للحفاظ على الاستقرار والثبات، وفي الوقت نفسه تشجع على الإصلاح والتغيير المستمر.
وتمخضت هذه الاستراتيجيات عن نظام إنتاج كفؤ يتميز بتخفيض النفقات وتحقيق أعلى أرباح. ولهذا تتصدر “تويوتا” دائما قائمة السيارات الأكثر جدارة بالثقة، وتحقق الشركة أعلى أرباح في العالم.
واشتهرت شركة “آبل” أيضا بالجودة والتصماميم المبتكرة.
وبفضل قدرتها على تحقيق التوازن بين كفاءة التشغيل والحفاظ على مستوى الابتكار والتصميمات المتميزة، أصبحت “آبل” أعلى الشركات قيمة في العالم، وتناهز قيمتها السوقية تريليوني دولار أمريكي.
شرارات ابتكار
لكن كيف يمكن الاستفادة من هذه الأبحاث؟ أوصت ميرون سبيكتور في دراستها بأن تدون جميع التناقضات التي تصادفها، وأن تهتم بالتفكير فيها وتأملها قبل أن تبدأ في حل المشاكل.
وإذا عجزت عن التوصل إلى أفكار جديدة، فبإمكانك البحث عن التناقضات التي ألهمت علماء مثل أينشتاين وبور. وتزخر الفلسفة الإغريقية بالأفكار المتناقضة التي قد تساعدك في توليد أفكار خلاقة جديدة.
وقد تكون وظيفتك نفسها مليئة بالأهداف المتناقضة التي قد تحفزك على الإبداع.
وربما تكون في الماضي قد افترضت أنك تحتاج فقط للتضحية بهدف من أجل الآخر، لكن إذا كنت تريد أن تحفز “عقلية التناقض”، فقد يجدر بك أن تقضي وقتا أطول في التفكير في كيفية الجمع بين الهدفين في آن واحد.
وبدلا من الخوف من الأهداف المتناقضة والحرص على تفاديها، قد تنظر إليها على أنها فرصة للنمو ومصدرا للتحفيز.
وإذا لم تجد ضغوطا خارجية، قد تفكر في خلق أهداف متضاربة، مثل تحسين الكفاءة ودقة الأداء في مهمة بعينها.
ربما لا تتوصل في النهاية إلى حل وسط بين النقيضين، لكن التفكير في حد ذاته حول إمكانية التوفيق بين هذه المشكلات قد يحفز قدرتك على الإبداع في مجالات أخرى.
وأشارت دراسة صينية إلى أن الأشخاص الذين لديهم القدرة على التعامل مع المتطلبات المتناقضة والاستفادة منها، أكثر رضا عن وظيفتهم.
فالتوفيق بين هدفين متناقضين يبعث على الرضا والسرور، ما دمت تجيد التعامل مع الأمر وتتقبله.