نهى الحسن ـ إدلب
أنهت المعلمة ميساء درباس (33عاما) حياتها بتناول السم في بلدة أطمة الحدودية تحت وطأة العنف الأسري.
انتحرت "درباس" بعد أن فقدت قدرتها على تحمل العنف الذي كان يمارسه عليها زوجها، بعد أن أخذ منها أطفالها عنوة، واستخدمهم كوسيلة لاستغلالها والضغط عليها والتحكم بحياتها وعملها وراتبها، بحسب مصادر مقربة من الضحية.
قسوة الزوج وعنفه، رافقها غياب المساندة العائلية من أسرة الزوجة المعنفة لأنه زوجها هو ابن عمها، كلها أمور جعلت صبر ميساء ينفد أمام ذلك الظلم والقهر، لتنتهي سنوات عمرها التي شهدت تفاصيلا لن يعرفها أحد سوى الراحلة التي أخذت معها مأساة امرأة مظلومة في محيط يقسو على النساء، ولايرى في العنف الأسري الذي يمارسه الزوج ضد زوجته جريمة يجب العقاب عليها.
العنف الأسري شأن عام
ميساء واحدة من مئات النساء السوريات اللواتي يتعرضن للعنف الأسري بشكل مستمر في إدلب وريفها، وإن كان مصير ميساء الأقسى والأكثر إيلاما، وغالبا ما يعتبر المجتمع السوري أن التعنيف الأسري هو شأن عائلي، غير آبهين بوجود قضية انتهاك حقوقي وإنساني لايجب تجاهلها بسبب آثارها على المجتمع، وبدل محاسبة المجرم على جريمته في حال حدوث وفاة إثر العنف أو ارتكاب جرم، يتم التستر على الزوج، والتبرير له والتشكيك بالضحية ولومها وتقريعها.
العنف الأسري هو ظاهرة اجتماعية سلبية قديمة في سوريا، لكن وتيرتها زادت مع زيادة الضغوط النفسية نتيجة الحرب، ومارافقها من نزوح وغلاء وفقر مدقع.
العشرينية سهير الفاضل خرجت عن صمتها وتركت بيت زوجها وتوجهت للعيش مع أهلها بعد أن ضاقت ذرعا بالعيش معه بسبب تعنيفه المستمر لها بالضرب والشتم والتأنيب.
وعن معاناتها مع معاملة زوجها لها تقول لموقع تلفزيون سوريا”ترددت كثيرا قبل أن أتخذ ذلك القرار، لكني صبرت كثيرا على سلوك زوجي العدواني ،فقد كان يضربني باستمرار ولأدنى سبب، كما تعرضت للإجهاض في إحدى المرات نتيجة الضرب المبرح الذي لقيته منه، لذلك قررت ترك المنزل دون عودة لأضع حدا لمأساتي ".
وتتابع الفاضل "لم يتقبل أهلي في البداية فكرة طلاقي، لكنهم رضخوا للأمر بعد أن هددتهم بالانتحار إذا أجبروني للعودة إليه".
وفي قصة مشابهة تحملت فاطمة (27عاما) من ريف إدلب هيمنة الثقافة الذكورية ، وخشيت من التبليغ عن العنف الممارس ضدها بسبب الضغوط المجتمعية ، حيث تحملت معاملة زوجها السيئة ومزاجه الصعب حتى لايقال عنها كلمة مطلقة وعن ذلك تقول "كان زوجي يعنفني بشدة لأنه يعتقد أن الرجل الحقيقي هو من يفرض سيطرته على بيته بالقوة، وكنت كلما لجأت إلى أهلي شاكية وضعي المأساوي ، كانوا يطلبون مني أن أصبر وأتحمل وأقبل بمصيري ، مرددين العبارة المعتادة بأن المرأة ليس لها في النهاية إلا زوجها وأولادها، وبأن المجتمع لا يرحم المطلقة".
وتبين فاطمة أن زوجها استغل صمتها المتكرر عن كل ما يفعله بها ليزداد تعنيفه لها ولأولادها الثلاثة الذين باتوا يقاسمونها العنف والظلم، وأصبحوا يعانون من المشكلات النفسية، فغدت حياتها جحيما لا يطاق.
العنف الأسري يطول الأطفال
الأطفال ليسوا بمنأى عن العنف الأسري الذي يمارسه عليهم في أغلب الأحيان آباؤهم ، فسماهر (23عاما) من بلدة بنش تقول لموقع تلفزيون سوريا :“زوجي يضرب طفلي الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أعوام بشكل مستمر، مخلفا آثارا وكدمات على جسده، وفي كل مرة كنت أعترض كان يقول لي دعيني أربيه لكي يحسب لي حسابا عندما يكبر، والداه ربياه على هذه الطريقة وهو أيضا سيربي ولدنا بالضرب والعنف والتخويف".
وتضيف سماهر بأن نتائج الضرب كانت مأساوية على ولدها الذي بات يعاني من التبول اللاإرادي، ويخاف من أي أحد يقترب منه، و يميل في معظم الأوقات إلى الانطواء والعزلة.
أسباب العنف الأسري
وعن الأسباب التي تؤدي للعنف الأسري يحدثنا المرشد الاجتماعي فادي العبسي (45عاما) من ريف إدلب قائلا:” إن أكثر ضحايا العنف الأسري هم النساء والأطفال، وقد يكون منشأ العنف الأسري في بعض الحالات دوافع اجتماعية منشؤها العادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد، وبعضها دوافع اقتصادية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي الناتج عن فقدان وظيفة أو تراكم ديون، فيتبدد سلوك الفرد المعنف نتيجة الضغوطات النفسية ، وخاصة فترات النزوح وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والتي ما تزال نتائجها تتفاقم مع استمرار معاناة السوريين مع الحرب “
وعن الآثار النفسية التي تعاني منها المرأة المتعرضة للعنف يقول المرشد الاجتماعي بأنها تتلخص بإحساس المرأة بالعجز وارتفاع نسبة القلق، والاكتئاب والحزن والشعور بالذنب وانخفاض الثقة بالنفس والعزلة والانطوائية نتيجة التعرض للاحتقار والتهميش، وعدم القدرة على العمل وعدم التمكن من الاعتناء بنفسها وبأطفالها إلا بشكل محدود، فضلا عن التفكير بالانتحار بسبب ما تراه من عنف في حياتها.
ويدعو المرشد الاجتماعي إلى تخفيف وطأة العنف الأسري بمزيد من برامج التوعية التي تبين خطر العنف الأسري على الفرد والمجتمع، والحديث بشكل علني وصريح في وسائل الإعلام والندوات والورشات حول حقوق المرأة، وكيفية ضمان حقوقها وصون كرامتها، فضلا عن نشر الوعي الأسري وأهمية التوافق والتفاهم بين أفراد الأسرة، والاتفاق على نهج واضح بين الوالدين وإيجاد نوع من التوازن الممكن بين العطف والشدة، وبين الحب والحزم أو الحب المعتدل والنظام الثابت، وبين الحرية والتوجيه، إلى جانب خلق بيئة مواتية لعلاقات تعاطف وتعاون بين الآباء والأبناء، والقيام بحملات لتغيير الصور النمطية المرتبطة بالرجل والمرأة وطبيعة العلاقة بينهما، وتوضيح بأنها تقوم على الاحترام والمودة، وليس الاستعباد والاستقواء، إضافة إلى محاولة التخفيف من ظاهرة البطالة والفقر، لأن الفقر يدفع الأشخاص إلى تفريغ غضبهم ومعاناتهم بأفراد الأسرة وإلحاق العنف بهم .
يمثل العنف الأسري وجها آخر يضاف لمعاناة المرأة السورية في ظل الحرب، وخاصة مع غياب التوعية المجتمعية والرادع القانوني، وهيمنة عادات وتقاليد وقرارات رسمية تمنع المرأة من رفع صوتها للمطالبة بحقوقها.