دفعت الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعاني منها كثير من السوريين، بالمرأة السورية إلى دخول ميادين عمل جديدة لم يعتد المجتمع السوري عليها من قبل، وعلى رأسها العمل في المطاعم والمقاهي أو سائق باص أو سرفيس لنقل المواطنين حتى أن البعض اضطر للعمل في مهن قاسية لأنها تحتاج إلى جهد كبير كالبناء ونقل البلوك والإسمنت.
أم عبد الرحمن اضطرت للنزوح من حي برزة في دمشق إلى المزة لتبدأ رحلة البحث عن عمل لسد احتياجات عائلتها والحصول على قوتها وهو ما لم تعتده كونها لم تكن من النساء العاملات لاكتفاء عائلتها مادياً، لكنها بدأت العمل في إحدى ورشات البناء في مجال تعبئة أكياس الرمل وصب البلوك، لكنها لم تصمد طويلاً بسبب الإجهاد الكبير والمردود الضئيل جداً، إذ كانت تتقاضى مبلغ عشرة آلاف ليرة لتتحول فيما بعد إلى العمل في مجال تصنيع الأجبان وبنفس المردود لكن بجهد بدني أقل.
أجور زهيدة …
بعض الفتيات اضطررن للعمل على الرغم من تواجد رب الأسرة بغرض الحفاظ على مستوى معيشي معين، عملن للحفاظ على تعليم الأطفال وتأمين كافة الاحتياجات الأساسية بالنسبة لهن، بل إن منهن من تركت دراستها الجامعية لوقوع تلك المسؤولية على عاتقها لتتلقى أجراً زهيداً لا يزيد عن 70 ألف ليرة سورية.
عفراء ذات الـ 25 عاماً تقول لـ”وكالة أنباء آسيا”: العمل ليس معيب أبداً، المعيب أن نمد يدنا ونقف على أبواب المسؤولين كمتسولين لتأمين وظيفة توقيت في هذا الزمن، تكمل الفتاة الحاصلة على شهادة معهد تجاري، “حاولت كثيراً العمل في الدولة ولكن دون فائدة فما كان مني إلا أن أعمل على سيارة والدي المقعد لنقل البضائع للمحلات”.
وفي سياق متصل تؤكد ديمة -طالبة تاريخ سنة ثانية- أنها لم تستطيع الحصول على فرصة عمل ضمن اختصاصها رغم المحاولات العديدة مع المدارس فما كان منها إلا والعمل في تقديم القهوة والشاي في إحدى الشركات الخاصة.
أكثر المهن التي تمارس …
بحسب دراسة اقتصادية تحت عنوان “واقع المرأة السورية اليوم”، فإن أكثر المهن التي تمارسها المرأة السورية اليوم، العمل في الأراضي الزراعية (أعمال زراعية) من قطف محاصيل (فريز- خيار-كوسا- فاصولياء- زيتون…)، وتوضيب المحصول في الصناديق الخشبية أو الكرتونية وتتقاضى المرأة أجراً يتراوح بين (1500- 3000) ليرة سورية لساعة العمل الواحدة، ومن الأعمال الزراعية التي تمارسها المرأة، الحصاد “حصاد القمح- الشعير”، وتتقاضى أجراً قدره (1000) ليرة سورية لساعة العمل الواحدة في بعض المناطق السورية، كما تعمل المرأة السورية في تنظيف الأراضي من الأعشاب والأحجار بأجر قدره (1500) ليرة سورية لساعة العمل الواحدة ، البعض اضطررن للعمل في تنظيف المنازل، وتتقاضى الواحدة منهم أجراً يتراوح بين (5000- 8000) ليرة سورية ليوم العمل الواحد بحسب مساحة المنزل، كما أن الكثير من النساء اليوم تجوب الدوائر الحكومية في سورية لتنظيف المكاتب للموظفين وتحصل على مبلغ (500) ليرة سورية من كل موظف يسمح لها بتنظيف وترتيب مكتبه، ويلاحظ مؤخراً عمل النساء السوريات كمستخدمات في الدوائر الحكومية براتب قدره (45) ألف ليرة سورية قابل للزيادة مع كل ترفيعه ومع القدم الوظيفي، أو كمستخدمة في مراكز الخدمات العامة والمستوصفات والعيادات والمشافي، واللافت أيضاً اليوم أن البعض دخلن أعمالاً كانت حكراً على الرجال، كبيع القهوة “المرة” في ظاهرة نادرة في الشارع السوري، بـ (500) ليرة سورية سعر فنجان القهوة، وأيضاً تبيع المشروبات والمثلجات والتبغ في الطرقات.
غياب المعيل…
“فرص كثيرة متاحة أمام النساء في ظل هجرة قسم كبير من الشباب وذهاب القسم الآخر إلى الخدمة الإلزامية”، بحسب قول دكتورة أمينة الحاج اختصاص علم اجتماع لـ”وكالة أنباء آسيا”، مبينة أنه قد تكون فرص العمل متاحة ولكن كلها محفوفة بالمخاطر والتنازلات التي أجبرت عليها النساء بسبب غياب المعيل وعدم القدرة على الخروج.
وتكمل الحاج، نجد أنّ بعض الشركات والمؤسسات يفضلن توظيف النساء على الرّجال فيلجأ صاحب العمل إلى توظيف شابات تفضيلاً منه للاستقرار، وفي ذات السياق نجد أنّ الشركات الخاصة تعمد إلى إعطاء راتب أقل للفتيات في بعض الأحيان، مستغلّة الحاجة التي تدفع المرأة للعمل، وقلّة الوعي بمستوى الرّاتب الشهري الّذي يمكنها الحصول عليه.
وأضافت الحاج، أن الظروف السيئة التي أفرزتها الأوضاع الاقتصادية الصعبة أرغمت بعض الأسر التي كانت مصنفة على أنها محافظة ومنغلقة، على أن تسمح لبناتها بالعمل، وهذا طبيعي عند النظر إلى الغلاء الذي يطبق فكيه على كل من يعيش داخل الأراضي السورية، مما خلق عجز الكثير من الأسر على تأمين متطلباتها.
لا إحصائيات رسمية
رغم أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كانت قد أصدرت، قراراً متعلق بنظام تشغيل النساء، والمتضمن الظروف والشروط والأحوال التي يجري فيها تشغيل النساء، إضافةً إلى الحقوق المترتبة على صاحب العمل، إلا أنه لم يصدر أي إحصائية رسمية خلال الأزمة بخصوص نسبة عمالة المرأة في سورية، إلا أن المؤشرات في الواقع تتحدث عن زيادة واضحة في عمالة المرأة نتيجة خروج نسبة ذكور كبيرة من سوق العمل فكل رجل مقابل سبع نساء، وفقاً للهيئة السورية لشؤون الأسرة التي أكدت في تقريرها أن قوة العمل النسائية باتت تعادل أربعة أضعاف الرجال، إلا أن كل ليرة تنفق على مشروعات المرأة تعود على الدولة بأربع ليرات.