من طبيعة المرأة أن تكون رفيقةً ورحيمة ، خاصة بِمن حولها من أهلٍ وزوج وأبناء .. وغيرهم ، فذلك أليق بخلقة المرأة وتكوينها . ولعلمه صلى الله عليه وسلم بطبيعة المرأة ورحمتها ورفقها وشفقتها على أطفالها ، كان إذا سمع بكاء طفل وهو في صلاته ، تجوّز تقديراً لشعور أمّه . من ذلك جاء عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه ) ، رواه الجماعة إلا أبا داود والنسائي.
فالمرأة المتصفة بالرحمة لتعلم أن الله تعالى اتّخذ من الرحمة اسماً ، فكان الرحيم والرحمن ، وأن الرفق من صفات الله تعالى ، والتي أحبّها لعباده . قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله رفيق يحب الرفق , وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف) رواه مسلم
فالرفق هو الخير كله ، كما في حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من يحرم الرفق يحرم الخير كُله) رواه مسلم.
والرفق خلق عظيم، وما وُجِدَ في شيء إلا حسنه وزينه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) (رواه مسلم).
رفق المرأة في بيتها من أهم أنواع الرفق ، مع الزوج والأولاد بشكل خاص، وهذه نقطة اجتماعية حساسة وخطيرة، ولا بد من الانتباه إليها لصلاح البيوت وصلاح العلاقات الأسرية ، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق ) صحيح الجامع ، و عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عائشة ارْفُقِي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيراً دلَّهم على باب الرِّفق). وفي رواية: ( إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرِّفْقَ ) أخرجهما أحمد
ومن أشكال الرفق التي يجب على المسلمة أن تتحلى بها في بيتها:
الرفق بالزوج:
من صور رفق المرأة بزوجها أن تعمل على طاعته وتمتثل له في أمره، إلّا ما كان في معصية الله تعالى، ومن رفقها به أن تُقيم مع زوجها في المسكن الذي آمنها فيه على نفسها ومالها، ولا تخرج منه بغير إذنه ، وعليها أن تكون محسنة لأهله رفيقة بهم ، ومن أهم صور الرفق بالزوج ألا ترهقه بكثرة الطلبات والمصاريف المادية سواء عند الزواج أو بعد الزواج فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة. رواه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
ويقول الإمام الشوكاني تعليقاً على هذا الحديث : فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر ، وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه ؛ لأن المهر إذا كان قليلاً ، لم يستصعب النكاح من يريده ؛ فيكثر الزواج المرغب فيه ، ويقدر عليه الفقراء ، ويكثر النسل الذي هو أهم مطالب النكاح ، بخلاف ما إذا كان المهر كثيراً ، فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال ، فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين ، فلا تحصل المكاثرة التي أرشد إليها النبي - صلى الله عليه وسلم .
كما أن من صور الرفق بالزوج التخفيف عنه ما يكابده من مشاق الحياه وأن تكون له ناصحة أمينة وأن تشاركه في مسؤولية البيت.
الرفق بالأولاد:
محبَّة الأولاد قضية فطرية جبلت القلوب عليها، وهي الباعث على تلك المشاعر الرَّقيقة، والعواطف الجيّاشة من الأبوين تجاههم.
وتتمثَّل هذه المحبة بتقديم الحماية والرعاية لهم، والرَّحمة والرَّأفة والرفق بهم، والشفقة والعطف عليهم، ولها في تربية النشء وتكوينه أفضل النتائج وأعظم الآثار.
وقد حفلت كتب السُّنَّة بالأحاديث الكثيرة التي تحث على الرفق بالأولاد والعناية بهم في شتى المجالات وفي كل المراحل، ومن ذلك:
تمكين الطفل من الرّضاع من أمه:
للطفل في الإسلام حقُّ الرضاع من أمِّه حتى في حال الخلاف بين الوالدين ، قال تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233]
توفير الحنان للطِّفل بالضَّمِّ والتقبيل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأَقْرع بن حابِس التميمي جالسا. فقال الأَقْرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا!. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (( من لا يرحم لا يرحم )) رواه البخاري ومسلم.
ترك محاسبة الطِّفل لعدم تكليفه:
فعن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبِه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. رواه البخاري ومسلم .
قال النووي: ( فيه: الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتّواضع والرفْق بالصغار وغيرِهم )
الرفق بالخدم:
المرأة أكثر احتكاكا بالخدم في البيت ، لذلك يجب على المسلمة أن تكون رفيقة بهم وأن تراعي مشاعرهم ولا تكلفهم بما لا يطيقون و أن تتطعمهم مما تطعم وتلبسهم مما تلبس ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقًا بالخدم، وأمر من عنده خادم أن يطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، فإن كلَّفه ما لا يطيق فعليه أن يعينه. يقول صلى الله عليه وسلم في حق الخدم: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعْتِقَه (يجعله حرًّا) (مسلم).
الرفق بالحيوانات:
كثير من البيوت تتواجد فيها حيوانات مما تربيه ربة البيت بهدف الأكل كالدجاج وبهيمة الأنعام أو حيوانات أليفة تتعايش مع الإنسان كالقطط وبعض أنواع الطيور ، وقد نهى الإسلام عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، وقد مر أنس بن مالك على قوم نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة، فقال أنس: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم (أي تحبس وتعذب وتقيد وترمى حتى الموت). (مسلم).
ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه (السكينة التي يذبح بها)، ولْيُرِحْ ذبيحته) (متفق عليه).
الرفق بأثاث البيت:
المسلمة رفيقة مع كل شيء، حتى مع أثاث بيتها ، فتحافظ على أدواتها، وتتعامل مع كل ما حولها بلين ورفق، ولا تعرضها للتلف بسبب سوء الاستعمال والإهمال.
المراجع:
- مبادئ تربية المرأة المسلمة في ضوء الأحاديث النبوية ، سميرة بنت سالم بن عبد االله باجابر ، رسالة ماجستير ، جامعة أم القرى ، ص 79-83.
- الرفــق ، موقع السكينة ، على الرابط : https://www.assakina.com/alislam/15258.html
- الرفق بالأولاد (الرفق بالأبناء في التربية) ، أ. د. حسن محمد عبه جي ، على الرابط : http://www.alukah.net/social/0/90740/#ixzz5QvPs3TtO