فضل سالم
ذلك هو السؤال الذي طرحه أخيراً أكثر من متخصص في شؤون الأسرة، بعد أن تزايدت اعتداءات المرأة على الرجل بالضرب، وغيره من مختلف صنوف الأذى الجسدي والنفسي.
هل أن المساواة التي ظلت المرأة تطالب بها طوال عشرات السنين وحصلت عليها في النهاية، باتت مطلب الرجال الذين يحلو للبعض أن يصفهم بالجنس الخشن؟
ترى.. كم سنة سوف يظل الرجال يطالبون بالمساواة مع المرأة قبل الحصول عليها؟
وهل خروج المرأة إلى ميدان العمل ومعترك الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل، قلب الموازين المتعارف عليها منذ الأزل، وشجع المرأة على التمادي في ممارستها لتلك المساواة وعلى التخلي عن مواصفات الجنس الناعم؟
المسألة ليست تجنياً على المرأة أو دفاعاً عن الرجل، فبعض الرجال يستحقون الضرب وربما أكثر.. بعض الرجال يشجعون المرأة على ضربهم وإلحاق الأذى بهم نتيجة أفعالهم أو أقوالهم.. لكن الأمر الأكثر أهمية: هل تحولت العلاقة بين الجنسين إلى حرب ضروس الغلبة فيها للأقوى أو للأعلى صوتاً؟
يقول أحدهم أنه يتذكر جيداً المرة الأولى التي تعرض فيها للضرب من قبل زوجته. حدث ذلك أثناء شجار عادي بينهما حول موضوع طواه النسيان.. لم يعد يتذكر موضوع الشجار، لكنه لم ولن ينسى تلك الضربة.. كانت لكمة أصابت أذنه اليسرى.. لم تكن قوية بما فيه الكفاية لتسبب ألماً كبيراً، لكنها كانت مؤلمة بلا شك، كما أن نتائجها كانت مؤلمة جداً على العلاقة بينهما.
يضيف الرجل أنه لم يرد الضربة بمثلها.. لم يصرخ.. لم يشتم.. بل إنه لم يرفع صوته، لكن رد فعله كان مختلفاً تماماً عن كل توقعاتها.. أدار ظهره وغادر البيت ولم يعد حتى الآن.
وطبقاً لبحث أشرف عليه عدد من أساتذة جامعة «بين» الأميركية نشرت نتائجه في نيويورك أخيراً، فاحتمالات تعرض الرجل للضرب من قبل الزوجة أو الصديقة تبلغ 28 %. كما أشار البحث نفسه إلى أن عدد الإناث اللواتي دخلن السجن في الولايات المتحدة بسبب تعرضهن للزوج أو الصديق بالضرب تضاعف خلال السنوات العشرين الأخيرة.
الجدية المفقودة
المشكلة الكبرى أن الكثيرين لا يتعاطون مع هذه الحقيقة بما تستحقه من الجدية، ربما لأن الرجل بصورة عامة أقوى من المرأة وأكبر حجماً، والكل يفترض أن هناك حدوداً للأذى الذي يمكن للمرأة أن تلحقه بالرجل. الكل يتغاضى عن الآثار التي يتركها هذا النوع من الأذى.. أنف دامٍ، كدمات هنا أو هناك، هالة سوداء حول العين، آثار أسنان..وربما زيارة لقسم الطوارئ في أقرب مستشفى أحياناً.
المشكلة الأخرى هي أن غالبية الرجال الذين يتعرضون للضرب أو الأذى من قبل الزوجة أو الصديقة يتكتمون على الموضوع ويخجلون من كشف تفاصيله، ولا يعترفون به أصلاً حتى لو كانت آثاره ظاهرة للعيان.
ومما يزيد المشكلة تعقيداً أن السينما الأميركية بالذات، غالباً ما تتناول هذه الأمور بطريقة فكاهية. فمن المألوف أن ترفع المرأة صوتها وهي تتحدث مع زوجها أو صديقها، كأنها أسد هصور يزأر في غابة، وليست في منزل يفترض فيه أن يتسم بالهدوء والسكينة.
ففي فيلم «السيد والسيدة سميث» تقوم أنجلينا جولي بكسر زجاجة نبيذ على رأس السيد سميث الذي يقوم بدوره براد بيت (تزوجا بالفعل بعد الانتهاء من تصوير هذا الفيلم).
وفي فيلم «هوليداي» تقدم كاميرون دياز على ضرب صديق ها إدوارد بيرنز وتوقعه أرضاً. وقد أظهرت مجريات الفيلمين أن العملية كانت نوعاً من المداعبة!
لكن الحقيقة ليست أبداً كما صورها هذان الفيلمان وغيرهما الكثير.. لا وجه للمقارنة بين الضرب والمداعبة.
مداعبة مرعبة
في إحدى العيادات النفسية قال رجل يشغل منصباً رفيعاً أنه مضى على زواجه أكثر من خمس سنوات، لكن السنتين الأخيرتين شهدتا تغييرات رئيسية.. فبين العاشرة ليلاً والسادسة صباحاً باتا لا يفعلان شيئاً كما يقول سوى المشاجرة الخشنة أو ممارسة الجنس أو النوم. والغريب أن الصباح يأتي دائماً بيوم جديد بالنسبة لها وكأن شيئاً لم يكن.
يضيف أنه إذا صدف خلال النهار أن فتح الموضوع معها، تصر على أنها كانت تداعبه ليس إلا.. أما هو فيقول انه بات حريصاً على تفتيش غرفة النوم جيداً للتأكد من عدم وجود سلاح أو سكين يمكن أن يشارك في تلك الصورة غير العادية للمداعبة الليلية!
شخصيتان متناقضتان
أحد علماء النفس الأميركيين يقول في تفسير هذه الظاهرة المتفشية في المجتمعات الحديثة ان من يمكن وصفها بالمرأة المسترجلة تحمل في داخلها شخصيتين متناقضتين تماماً. هناك جانب أسود في شخصيتها يغريها على التمادي في طريقة تعاملها مع الرجل فلا تعود ترى مشكلة في ضربه مثلاً.. جانب أسود يحرضها على الإثم والشر ولا يعود لديها أي مانع في إلحاق الأذى بالرجل، زوجاً أو صديقاً أو حتى زميلاً في العمل.
ومن الظواهر الغريبة في العديد من المجتمعات الحديثة أن المرأة التي تنطبق عليها تلك الصفات لم تعد تخجل من الحديث، بل التمادي في الحديث بكل فخر عن صولاتها وجولاتها في ضرب الرجل وإلحاق الأذى به.
ماذا عن الرجل؟
ما شعور الرجل الذي يتعرض للضرب أو الأذى بأي صورة كان؟
من الواضح أن الشعور بالصدمة هو المسيطر للوهلة الأولى.. شعور بأن الزوجة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، يتبعه إحساس طاغ بضرورة الرد.
الصدمة سببها الرئيسي أن الرجل لم يكن يتوقع أو يتخيل أن تصل الأمور إلى تعرضه للضرب أو الأذى النفسي من قبل امرأة!
يشعر بالمهانة.. يعود خلال لحظات إلى سنواته الأولى حين تربى على أنه صبي، والصبي أقوى من البنت.. وها هي بنت، ولو كانت كبيرة، تضربه وتذيقه الهوان حتى لو برفع الصوت.
ويقول المتخصصون ان شعور الرجل بالمهانة في هذه الحالة أكبر بكثير من شعور المرأة إذا تعرضت للضرب أو الأذى، ولمسألة الفروقات هذه جذور عميقة في طبيعة البشر منذ آلاف السنين.
يقول رجل تعرض للضرب من قبل زوجته السابقة: في البداية أخذت الأمر على أنه نوع من المزاح الثقيل، نوع من المداعبة التي تجاوزت الحدود.. لكن الحقيقة لم تكن كذلك أبداً. لست مستعداً لفهم وتفسير ما حدث.. أشعر بالخجل والإحراج، وأتمنى نسيان تلك اللحظات السوداء.
اعتراف رجل
يعترف آخر بأنه لعب دوراً في تصعيد المواجهة مع زوجته فيقول انه تربى على التعاطي بكل هدوء مع كل المتغيرات، فكان حريصاً على عدم إظهار عواطفه وأحاسيسه، فيقابل الصراخ بالهدوء والكلام المختصر الذي يستحيل على أحد سماعه ما لم يكن على مقربة منه. فإذا ما غضبت زوجته لأي سبب كان وتبدأ الصراخ، يرد بكلمات قليلة وبصوت أقرب إلى الهمس، ويعود ليشغل نفسه بأي عمل حتى لو كان تافهاً.
يضيف أنه في إحدى المرات رفعت زوجته صوتها وهي تسأله عن شيء فعله، فاكتفى بالنظر إليها من دون أن يتفوه بأي كلمة. وكلما ارتفعت وتيرة صوتها ازداد هدوءاً، فما كان منها إلا أن قذفته بأول شيء صادفته في طريقها لأنها، كما يقول، كانت في حاجة لسماع رد فعله على ما تقول بدلاً من هدوئه القاتل.. لأنها كانت تريد التأكد من أنها ليست وحدها في البيت.. لأنها كانت تريد معرفة إن كانت تتشاجر مع نفسها أو تتحدث مع نفسها.
جريدة القبس